فيلادلفيا نيوز
تصادف في هذا الشهر من السنة مرور ذكرى حرب إكتوبر التي تعد نصرا مصريا وعربيا على العدو الأزلي وهو الكيان الصهيونيي وكذلك إقامة مهرجان (الجونة ) الفني الذي يقيمه رجل الأعمال المصري (سويرس ) للمرة الرابعة سنويا , وفي كل عام أتوقف قليلا وأتابع ما يعرض عن هذا المهرجان ولم أجده أكثر من دعوة لتجمع نجوم الفن من كل صنف ولون في حفل يتخلله التصوير وتناول الأطعمة والمشروبات ومنح الدروع أو جوائز التكريم لأسماء ونجوم , وطبعا هو تجمع تدار فيه أعمال صناعة الدراما والسينما وتسويقها وكذلك الإعلانات التجارية وكل الأعمال التجارية المرتبطة بعالم الفن .
نعم هذا هو المهرجان فالفكرة والإدارة والإشراف لرجل أعمال والمضمون أزياء وألوان وأسماء وأشكال وأضواء -وهذا ما يعرض للعلن – أما كواليس هذا المهرجان فهي هرج ومرج ورقص وغناء و (البزنس ) والصفقات التي تتم في الوسط الفني ويأتي كل هذا في نفس الشهر الذي تمر فيه ذكرى (إنتصار إكتوبر ) وتسبق إفتتاح المهرجان بأيام والتي تعودنا على مدى الزمن الماضي بأن ينشغل الإعلام المصري تحديدا بإحياء هذه الذكرى العزيزة إبتداء من شهر على الأقل قبل تاريخ (6 إكتوبر ) وحتى نهاية العام فقد كانت التقارير التلفزيونية والبرامج والأغاني والدراما والسينما والصحافة والإعلام تجد مادة لا تنضب في كل عام لتستمر الإحتفالات وحديث الشارع العربي عن هذا النصر (الوحيد ) للعرب على عدوهم الأزلي لمدة تقارب ربع العام سنويا .
الملاحظ أنه – وبالرجوع لأربعة أعوام من تاريخ المهرجان – قد بدأ في أول مرة كحدث لطيف وعادي ضمن أنشطة فنية تقام طوال العام في جمهورية مصر العربية ودول عربية أخرى وكانت التغطية الإعلامية عادية تأتي على هامش عناوين الصحافة والإعلام المصري والعربي وكانت تسلط الأضواء على فعاليات هذا المهرجان بشكل متوازن وطبيعي وكان ذلك في العام الذي يليه مع إهتمام أكثر قليلا وجاء العام الثالث ليزداد إهتمام الإعلام المصري بهذا الحدث ليصبح أكثر أهمية وتتم تغطيته إعلاميا أكثر من (مهرجان القاهرة السينمائي ) الذي تقيمه الدولة والذي هو أقدم وأكبر عمرا وأكثر تخصصا وأعمق محتوى فنيا وهو من المهرجانات المعتمدة والمعروفة عالميا , فأصبح مهرجان (الجونة ) لصاحبه (سويرس ) هو العنوان الأبرز للفن المصري والعربي وهو ما وصفه أحد أبزر إعلاميين مصر في زمن الإسفاف الإعلامي العربي (القوة الناعمة لمصر ) ..؟؟؟!!!!
والملاحظ وبكل وضوح في هذه السنة بأن الإعلام المصري -وهو قائد الإعلام العربي – شغله الشاغل هو (مهرجان الجونة ) وكل التفاصيل فيه (السجادة الحمراء ) (إطلالات النجوم ) (أزياء النجمات ) (بعض الأكشن أو الفضائح ) وقد رتب أيضا أن يلتقط المهرجان الأضواء ويسترعي إنتباه الجميع بمسرحية (الحريق الذي شب ) في صالة من الصالات قبل يوم من الإفتتاح لتصل الحبكة أوجها بأن يسجل للمهرجان والقائمين عليه (نصرا مؤزرا ) على الحاسدين والحاقدين والشامتين (بالقوة المصرية الناعمة ) وذلك بتمكن إدارة المهرجان من إخماد الحريق وتدارك إتساعه وترميم الصالة وتجهيزها في أقل من 24 ساعة , وهذا النصر شبيه بنصر إكتوبر -حسب ما طبل وزمر وصفق الإعلام المصري – والذي عودنا على تكرار عبارة السادات في خطاب النصر ” لقد أفقدنا العدو توازنه في 6 ساعات ” ..؟؟؟!!!
لقد جاء هذا المهرجان وبهذا التوقيت من السنة والشهر وفي هذا العام تحديدا ليختطف الأضواء وليوظف الإعلام المصري بعتاده وعديده للحديث عن الإنجاز والنصر الفني وعن (الصواريخ البالستية الناعمة والملونة ) التي تسير على السجادة الحمراء والتي تشكل (القوة الناعمة) المصرية والعربية , ولرفع مستوى ثقافة الشعوب العربية مع الشعب المصري بالأزياء وبأسماء المصممين وبطرق النقد للإطلالات وبتصنيف الجمال الأنثوي , وقد نجح من خططوا لإحلال (هذا الهرج والمرج والإسفاف ) مكان (إستذكار النصر والعزيمة وقدرة المصريين والعرب ) على كسر شوكة العدو برغم تفوقه النوعي في التسلح والدعم , أما (الحرب والنصر ) فقد تناول الإعلام المصري والعربي ذكرى إكتوبر -بشكل نمطي ومكرر – لأيام معدودة حتى اليوم الذي يسبق الإفتتاح والتمهيد للإنتفاضة الإعلامية عند إطلاق المهرجان لرصاصته الأولى على رأس النخوة العربية وما تبقى من ذكريات الفخر والإعتزاز بالإنسان والجندي (المصري والعربي ) الذي حقق ما كان يعد (معجزة عسكرية ) فكان أن طغت صور ولقطات ومشاهد النجوم وأحاديث المهرجان وكواليسه على الإعلام المصري وبالتبعية العربي عبر كافة المنصات (خصوصا منصات التواصل الإجتماعي ) والتي أصبحت هي الأداة الأولى لتشكيل الرأي العام والعبث به ..؟؟!!!!
ومع أننا لا ننكر بقاء بعض المحطات المصرية وإستمرارها بوضع شعار على الشاشة عن حرب إكتوبر وإذاعة بعض البرامج عن تلك الحرب وعرض صور لبعض شهدائها إلا أن كل ذلك فعليا وعمليا قد أصبح على هامش دوران الآلة الإعلامية المصرية حول مهرجان الجونة وكواليسه وأحاديثه وأضواءه المبهرة .
بالخلاصة وما أقرأه أنا شخصيا في هذا المهرجان هو أنه (حرب ) على الذاكرة المصرية والعربية وإعادة تشكيلها وقصف لمساحة الذاكرة لمحو ذكريات إكتوبر والمعاني التي تستفز الوجدان العربي وتذكره بأن العدو ما زال هو ذات العدو وأن الحروب العربية مع الكيان الصهيوني قد بذلت فيها الدماء وأرتقى فيها الشهداء وما يرسخ في الذاكرة عن هذا وينتقل للأجيال سيبقى دائما هو (جذوة ) الكرامة العربية وما يعتبر صهيونيا بأنه الشرر الذي قدح في كل عام وقد يشعل من جديد النخوة العربية التي قد تحرق سلامهم الأخضر واليابس ..!
أبو عناد …رايق المجالي .