فيلادلفيا نيوز
عند سقوط النظام السوري البائد نظام حافظ وبشار الذي استمر لأكثر من نصف قرن بدأت حالة في الدول العربية وشعوبها تحديدا وبأشكال شتى تعقد فيها مقاربات ومقارنات بين أحوال الشعوب العربية والأنظمة التي تحكمها وبين الحالة السورية من البداية إلى النهاية بالنسبة لقيام نظام أسرة الأسد وصولا إلى سقوط هذا النظام سقوطا مدويا ومفاجئا ، وهذه المقارنات اتخذت ألوانا متعددة فمنها الشعبي المتعاطف والفرح بسقوط نظام بشار الأسد لكنه تضمن لمحات من التشفي والغمز واللمز على الأنظمة التي تحكم هذه الفئة ومنها من وجد المادة الضخمة لإستنباط العبر وإلقاء الدروس على الأنظمة العربية التي لا زالت قائمة ، ولكن السواد الأعظم في الدول العربية من هذه المقاربات والمقارنات اغتنمت الفرصة لتوجيه العبر والدروس وكل ما كشف عنه سقوط نظام الأسد من بشاعة وقسوة غير مسبوقتان للشعوب العربية لتوجيه رسالة مفادها ” احمدوا الله على ما كنتم وما زلتم فيه” وهذا خطاب فئات عريضة في المجتمعات العربية انقسمت بين فئتين:
الأولى: مدفوعة من أدوات الأنظمة العربية لأن هذه الأنظمة تحب أن تقارن اليوم مع نظام الأسد من حيث أسلوب القمع و الإستبداد وتطبيق أسلوب الحكم المنفرد المستبد والمتغطرس لأن هذه المقارنة لا شك لصالحها فبشاعة نظام بشار الأسد وما ظهر وتكشف من ممارسات لم يكن يتصورها عقل إنسان تجعل كل الأنظمة العربية الأخرى عبارة عن ملائكة وأجهزتها الأمنية أجنحة هذه الملائكة قياسا بمشاهد سجن صيدنايا فقط ،فما بالنا بقية الحقائق التي كشفت وتتكشف يوما بعد الآخر عن مدى القمع والاجرام الأسدي ونظامه الذي شكل عصابة متطرفة ومتفننة في الإجرام.
الثانية: مدفوعة بموروث فكري مشوه فهذه الفئة هي التي لم تغير دينها من حيث التسمية والشكل (كمسلمين) ولكنها فئة تغيرت عندها منذ زمن منابع ومصادر الشروحات والتفسير لشرعهم وشريعتهم ودينهم فقد نجح أعدائهم في تشكيكهم بالعلماء والفقهاء العدول على مر تاريخ حضارة الإسلام وهدمت هذه العلاقة التي كانت حلقة الوصل بين أئمة مذاهب الأمة الإسلامية وعلمائها والتي تمد المجتمعات العربية والإسلامية بنسب متفاوتة من التحصين ضد الانهزام التام أمام الثقافات الأخرى ، فكان لأنقطاع هذه الصلة بالمراجع الموثوقة والعلماء العدول أثره المدمر للعقول وللقلوب ومع زخم الهجمة الثقافية تحت تسميات وعنواوين عديدة مثل العولمة والتقدمية والمعاصرة سلمت هذه العقول مفاتيحها بل خلاياها الجذعية لمختبرات العالم التي عكفت على تصنيع عقائد متعددة كلها تسمى الإسلام فصنع إسلام جديد لفئات عريضة وهو في كل أشكاله (الإسلام العلماني) الذي يحول الإسلام إلى علاقة سرية شخصية بين الإنسان وخالقه لا يملك أن يلتفت لهذه العلاقة إلا في خلوة محكمة لا يخرج منها شيء للعلن ولا يدخل إليها شيء من الدنيا ، والنتيجة أن أي إسلام يخرج للعلن ويلمح في الدروب هو إسلام مريب لم يخرج للعلن إلا ليفعل الافاعيل بأمن المجتمع.
طبعا وهذه الفئة (الثانية) قد تلقنت دروسها الدينية من المعلمين الذين صنعوا (الإرهاب الإسلامي) وتفننوا في خلق الوسائل التعليمية (العصابات المتطرفة) وأيضا تتلمذوا على أيادي الإعلاميين والصحفيين والسينمائين العرب الذين أبدعوا في تشويه كل ما يمت للإسلام الذي يدعو للإلتزام العام بقواعد الإسلام في المجتمعات وقد. نجح التعليم الدرامي والإعلامي نجاها باهرا بسبب أخطاء التيارات الإسلامية السياسة القاتلة حين طلبت السلطة والحكم دون أن تكون مؤهلة لهما ودون أن تنضج هذه التيارات وتنتج رجال دولة ورجال حكم وفقط أرادت أن تحكم بلدان وشعوب وتوحد أمة من على منبر الجمعة بالوعظ والإرشاد وتصنيف الناس بين من سيدخلون الجنة ومن سيدخلون النار.
وللأسف الشديد فبقية الفئات في المجتمعات العربية من غير هاتين الفئتين لم تصل للحد الكافي من الوعي حتى تحاكم ذاتيا ودون تأثر وإستلاب للغير ثقافيا وفكريا ، لهذا فالحالة العربية الشعبية العامة وإن بلغ تعاطفها حد الفرح الشديد بسقوط نظام بشار الأسد إلا أنها أصيبت (بفوبيا الإسلام السياسي) والرعب من الإسلام الذي يتدخل في حياة الشعوب ، فما بتنا نعيشه خارج الوطن السوري هو حالة عارمة من التشكيك والتخوف والتخويف تصل أحيانا إلى حد الشيطنة لمن جاؤوا للحكم الجديد في سوريا ، وأكثر المتفائلين من هذه الفئات العربية وأقربهم للإسلام من يقولون بأن الحكام الجدد بمنهجية إسلامية ولو كانت وسطية معتدلة ونواياهم وأهدافهم نظيفة وسليمة إلا أن التجربة لن تنجح لأن القوة المقابلة والمهيمنة على العالم والبشرية أو الكون هي الأقوى والاذكى ، فهم بهذا التفكير قد باتوا يؤمنون أن (أمريكا وال ص ه ي و ن ي ه العالمية) هي مدبرة الكون وبلغت من القوة والقدرات ما يجعلها (آلهة) تسكن الأرض وتدبر شؤون البشرية ولكل شأن آلهته ،فللمطر آلهة وللشمس آلهة وللخصوبة آلهة وللنفط والنقد والاقتصاد والسياسة والعلوم لكل منها آلهته وليس بين تلك (الآلهة) عربية أو شرقية حتى .
هذه حال العرب المسلمين حتى اليوم بعد سقوط أعتى طغاة العرب والتاريخ في حكم الشعوب وربما حتى تبدأ فئات بمراجعة أفكارها نحتاج إلى نصف قرن آخر تقوم فيه دولة سورية مدنية ديمقراطية وتثبت لبقية العرب بأن كل أفكارهم عن إسلامهم لا علاقة لها بالإسلام لتكتشف الشعوب العربية الإسلامية أنها كانت مخطوفة فكريا وثقافيا ومغيبة قصريا في أعماق سجن أكبر من سجن صيدنايا.
رايق المجالي أبو عناد