فيلادلفيا نيوز
إن دور من توكل إليهم هذه المهمة في القطاع العام دور هام وحساس ويكاد يكون أهم من دور المختص وصاحب الصلاحية في إصدار القرار لأن الأصل “أن سلطة الإدارة مقيدة بالقانون” وهذا معناه أن كل قرار ينحرف عن القانون شكلا أو موضوعا هو قرار معيب ومعرض للفسخ.
وإذا كان دور القاضي في كل أنواع القضايا هو الرقابة اللاحقة على تطبيق صحيح القانون وحفظ الحقوق فإن المستشار القانوني لأي مؤسسة أو جهاز في القطاع الحكومي هو الرقابة السابقة على تطبيق صحيح القانون وحفظ الحقوق أيضا وكما أن المحامي والقاضي هما جناحي العدالة ويسميان القضاة الواقفون والقضاة الجالسون فإن المستشار القانوني في القطاع العام قاض سابق يعمل على فصل الملفات والحالات المعروضة بعد دراستها وفق ذات الآلية التي يتبعها القاضي في السلطة القضائية وذلك قبل ممارسة صاحب القرار الصلاحية التي تنشيء أو تلغي مركزا قانونيا أو تنشيء أو تلغي حقا وهذه مهمة في الحالتين تستمد قدسيتها من قدسية الحقوق وأهمية المصالح التي يحميها القضاء وتهدف إليها العدالة.
هذا هو الأصل وهذا هو السبب الموجب وكذلك الغاية إبتداء من وجود هذه الوظيفة في القطاع العام فالمهمة جليلة لأن تصرفات الإدارة هي قوة القانون التي يفترض بها تحقيق المصالح العليا للدولة إلى جانب المصالح الخاصة للأفراد والمؤسسات وحفظ الحقوق بأنواعها لأطراف العلاقة القانونية دون تفريط بحق طرف على حساب طرف أو تقديم مصلحة على الأخرى لأن في ذلك إختلال لميزان العدالة.
كما أن وجود المستشار القانوني الموظف هو أهم وأول وجه من أوجه تطبيق مبدأ “سيادة القانون” وهو لا يضمن فقط حفظ الحقوق والمصالح ولكنه أيضا يدرء الخصومة ويجنب الإدارة العامة والأطراف الأخرى العديد من المشاكل ومنها تغلغل الفساد بأشكاله في عمل الإدارة وكذلك ما يترتب على الخصومات التي تنشأ من إرباك للعمل من جهة ومن جهة أخرى ما تتكبده الخزينة العامة من خسائر مادية عندما يكسب أصحاب الطعون والمتضررين من القرارات طعونهم إذا عرفنا- وهذا بنص القانون – أن الطرف الخاسر لأي دعوى يتكبد الرسوم والمصاريف المدفوعة للتقاضي وأن الإدارة عند خسارتها الدعوى تكون ملزمة بإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل صدور القرار المفسوخ أو الملغى ناهيك عن وجوب تنفيذ قرار المحكمة بإعادة الحق الذي سلبته بقرارها مع إحتفاظ من يكسب دعواه بحقه في المطالبة بالتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت به وترتبت على القرار الطعين، مما يعني أن كلفة القرارات الإدارية المرتجلة والتي لا تستند إلى الرأي القانوني المسبق المتخصص الذي يوصي بما يقوله القانون نصا أو روحا هي دائما كلفة عالية على الإدارة العامة ماليا وهذا بالإضافة إلى كلفة أخطر وهي خسارة الثقة العامة بتصرفات الإدارة العامة.
وللأسف الشديد إن الواقع والمطبق في القطاع العام الأردني يجعل وظيفة المستشار القانوني لها دور شكلي وبروتوكلي فقط فنجد الواقع العملي هو عدم الركون إلى الرأي القانوني المتخصص قبل إتخاذ القرار إلا إنتقائيا أحيانا وكذلك فالإلتزام ومعرفة أهمية دور المستشار القانوني و/أو الشؤون القانونية في المؤسسات تأتي حسب قناعات صاحب الصلاحية بإصدار وإتخاذ القرار وفي الغالب فأصحاب القرار يعتبرون أن الإلتزام وطلب الرأي القانوني ينقص من سلطتهم ويتكبرون على أن يتقيدوا بقيد أو أن يعترفوا لموظف أو وظيفة أخرى بأهمية تقيد تصرفات الإدارة وهذا مرده لإنتشار النوع الذي لا خبرة لديه أو معرفة بمعنى الوظيفة والإدارة ومعنى أن سلطة الإدارة العامة مقيدة بالقانون فأصبح معظم من يتولون موقعا يجعلهم أصحاب القرار النهائي والأول في وزارة أو هيئة أو مؤسسة يتصرفون على أساس أن هذه الوزارة أو الهيئة أو المؤسسة هي إقطاع أقطع لهم أو مزرعتهم الخاصة التي يكون لهم فيها حرية مطلقة لا قيد أو شرط يقيدها.
هذا هو الأصل في إيجاد وظيفة المستشار القانوني و/أو الشؤون القانونية في المؤسسات العامة والذي لا يعمل به أو لأجله، وقد بينا في عجالة أثر عدم فهم الدور وأهميته الذي أصبح واقعا تمثل في سقوط القطاع العام في بئر مظلم وعميق وأدى إلى فقدان الثقة العامة بالموقع العام بسبب ما جره التطبيق العملي المنحرف لهذه الوظيفة من إعتبار” مبدأ سيادة القانون” مجرد شعار رومنسي لا وجود له على أرض الواقع.
أما المقترح، فإنني أجد أن أهم خطوة لإحداث قفزة في الإصلاح الإداري للقطاع العام تتمثل بإتخاذ القرار لتحقيق إلنقاط التالية :
١- تعديل ما يلزم من الأنظمة والتعليمات المتعلقة بالإدارة العامة لإلزام الإدارة العامة بضرورة عدم إصدار أي قرار نهائي إلا إستنادا لرأي قانوني خطي من المرجعية القانونية في المؤسسة ويكون مرفقا مع القرار وملتصقا به كشرط لصحة القرار ونفاذه.
٢- إيجاد مرجعية جامعة لكل المستشارين القانونيين ووحدات الشؤون القانونية في القطاع العام تشرف على الأداء الوظيفي الفني وتراقبه بالإضافة إلى تمكين العاملين بهذه الوظيفة وتدريبهم وتطوير قدراتهم الفنية القانونية من خلال إيفادهم إلى دورات متنوعة ومتخصصة في أعمال الإدارات القانونية وتقديم الإستشارات القانونية وقد تكون هذه المرجعية- مثلا – حقيبة وزير الدولة للشؤون القانونية بجعلها وزارة بكوادر وظيفية أو ديوان التشريع والرأي أو ربما يتم إنشاء دائرة جديدة متخصصة كمرجعية جامعة ومراقبة ومشرفة على أداء المستشارين القانونيين و /أو وحدات الشؤون القانونية في القطاع العام.
لقد تمت كتابة هذا المقال من وحي إيماني بأهمية هذه الوظيفة من جهة ومن جهة أخرى حركتني الغصة والمرارة التي تسبب بهما ما أعايشه بشكل شخصي من واقع مخزي للقطاع العام وأسباب هذا الواقع التي يقف على رأسها غياب تطبيق مبدأ “سيادة القانون” وترجمته كما ينبغي.
والله والوطن من وراء القصد.
المستشار القانوني رايق المجالي…