فيلادلفيا نيوز
كنت قد كتبت سابقا في أكثر من مقال ومنشور عن القانون العشائري من حيث طبيعة هذا القانون أو هذه القواعد العرفية الغير مكتوبة ومن حيث التعريف بالإجراءات وبالمصطلحات والأهم كان المقارنة بين القانون العشائري والقانون أو القوانين المدنية في الدولة الحديثة .
وسبب إهتمامي بهذا الشأن نابع من عدة أمور هي :
1-أنا إبن هذا المجتمع الذي كان القانون العشائري هو الذي ينظم شؤون الناس قبل قيام الدولة وهو القانون الذي ما زال يطبق بالتوازي مع التشريعات المدنية الحديثة وذلك لطبيعة وخصوصية المجتمع الأردني ومكوناته الإجتماعية القبلية والعشائرية .
2-بحكم التخصص في القانون الذي يدخل فيه أو من ضمنه شرح وتعريف كل أنواع القوانين والقواعد القانونية التي يطبقها البشر منذ تكون المجتمعات الإنسانية فالقانون العشائري أو ما يسمى بالعرف هو قانون ولقواعده ذات العناصر والخصائص للقاعدة القانونية مع هو أنها غير مكتوبة ومصدرها ما إضطرد تطبيقه بين الناس وكذلك من جهة فرض القاعدة والإلزام بتطبيقها وعقوبة مخالفتها حيث لا توجد سلطة محددة تفرض تطبيق القاعدة العربية ولكن المجتمع برمته هو جهة الإلزام ويترتب على مخالفة العرف عقوبة نبذ المجتمع للمخالف لخروجه على ما استقر عليه الناس .
3-على مدى سنوات عمري بعد إختياري لدراسة القانون في الجامعة كان الإطلاع على القانون كدرس وكعلم من جهة يرافقه أنني أعيش وأطلع على قضايا يومية يطبق عليها القانون العشائري فكنت أسمع للعارفين بهذا القانون وأجمع عنهم وعن خبرتهم وفي ذات الوقت ساقني إهتمامي وتخصصي إلى الرجوع إلى مؤلفات مكتوبة عن القانون العشائري ألفها بعض أكاديميين أو مهتمين بهذا النوع من البحث .
4- إن فهم القانون من أي نوع لا يقتصر على حفظ قواعد بل يجب أن يسبق أو يرافق الحفظ فهم لكل ما يتعلق في القانون مثل نشأة القانون ومفرداته ومصطلحاته ثم غاياته وأهدافه وهذا ما تعلمته من دراسة التخصص في القانون وطبقته على دراسة القانون العشائري .
ولعل من أهم أسباب إهتمامي بهذا الشأن أننا لم ولن نستغني عن هذا القانون في حياتنا وهو أيضا يختلف عن التشريع المدني الحديث ينظم علاقات الجماعات ببعضها ويضبط سلوك جماعات ويردعها وليس شخصيا كالقانون والتشريع المدني وهذا ما يجعله مهم وله دور أساسي في درء مفاسد وتفاقم قضايا ومشاكل في مجتمع كمجتمعنا الأردني .
وإنني ومن خلال مراقبتي وإهتمامي بالشأن العام وجدت أيضا حالة إنكار وإهمال لحقيقة ضرورة هذا القانون العشائري وأحيانا معاداة وإصرار لدى السلطات على الغاء العمل تماما بهذا القانون وهو نوع من إغفال طبيعة المجتمع والسعي إلى تحول غير متدرج وغير فعال إلى الدولة المدنية العصرية على غرار ثقافات ومجتمعات أخرى في العالم المتقدم وهذا مسعى لن ينجح إطلاقا بالنتيجة لمخالفته كما قلت لطبيعة المجتمع وبنيته وكذلك لبنية الشخصية العربية الأردنية .
وهذا الإهمال والمسعى لإلغاء الأخذ بقواعد العرف (القانون العشائري ) للظهور بمظهر عصري أدى إلى تدني بل وغياب الفهم والمعرفة بطبيعة القانون العشائري وبقواعده وبغاياته مما أورثنا في هذا الزمان الجهل العام -إلا من رحم ربي – بهذه القواعد العرفية بشكل تفصيلي مع الجهل العام بضرورة فهم طبيعة هذه القواعد وفوائدها على المجتمع .
والجميع بلا إستثناء بالتأكيد يؤيدون أننا لم ولن نستغني عن القواعد العرفية في تعاملاتنا فيما يحصل من حوادث وقضايا وجرائم بدليل ما يتكرر حصوله ألاف المرات عندما يكون أطراف حادث أو قضية جنائية من أعلى الناس ثقافة وتعليما وربما عاشوا زمنا في الخارج وأكتسبوا جنسيات اجنبية ولكنهم عند حصول أي حدث أو قضية جنائية يلجأون إلى العرف العشائري وبالرغم من إرتدائهم أحدث وأفخر الماركات في لباسهم أثناء (الجاهات) إلا أنهم ينطقون ويتحدثون بمنطق عرفي وعشائري فتجد من يلبس ربطة من (إف سان لوران ) يسأل عن كفيل الدفا والوفا ..؟؟؟؟
تلك هي الحقيقة التي توجب على الدولة عدم التغاضي وإهمال هذا الجانب والذي لا يتعارض مع تحول الدولة إلى دولة عصرية بإمتياز فهذا القانون ينظم جانبا إجتماعيا بحتا ويساعد الدولة ويدعم تطبيق التشريعات المدنية العصرية ولا يناقضها وبل إنه يدرء الفتن وتفاقم المشاكل ويقلل الجهد والكلفة في تطويق أي حدث أو حادث جنائي وهذا يستدعي أن نتجه إلى تثقيف المجتمع والأجيال بهذ النوع من القواعد العرفية المطبقة في المجتمع لا أن نبني لدى هذه الأجيال قناعات بأن هذا القانون ضرب من ضروب الجهل والتخلف وهم من سيلجأون إليه حتما وسيطبق عليهم حتى ولو لم يقترفوا جرما أو ذنبا فإذا قام شخص بفعل مجرم كالقتل يسأل من هو من خمسته عن فعل ذلك الجاني ولو كان هذا القريب يدرس الذرة في أمريكا أو أرووبا فإذا لم تحل القضية عشائريا فربما تلاقيه القضية في المطار عند عودته من السفر بعد حصوله على الدكتوراة في علم الذرة بدل أن يلاقيه المهنئون .
وآخر قولي بهذا الخصوص أن المعروف في القانون أو التشريعات الحديثة أن العرف والعادة يشكلان مصدرا للقواعد القانونية يلجأ إليها ويبحث عنها القاضي ومطبق القانون عندما لا تسعف النصوص والقواعد المكتوبة وكذلك وفي الفقه الشرعي “فالعادة محكمة ” فيما لا يخالف نصا في القرآن والسنة النبوية الصحيحة .
وأنهي ولا أزيد على ما سبق بأننا في الأردن نحتاج إلى تمثل نهج “دخول المستقبل بخطوات للخلف ” أي إعادة قراءة الموروث الإيجابي في ثقافتنا العربية والتمسك بالمفيد وتعميمه بدل إقصاءه وإخفاءه وإلغاءه بدعوى التقدم والعصرية ,وهذا ما قامت عليه مجتمعات في العالم الأول في هذا الزمن كفرنسا ومجتمعات أروبية أخرى نزعم أننا نقلدها .
والله والوطن من وراء القصد .
رايق عياد المجالي ابو عناد