فيلادلفيا نيوز
صدر قبل يومين حكم محكمة أمن الدولة في التهمة الموجهة لأحد المتهمين المسند لهم جرم (تقويض نظام الحكم والتحريض على مناهضته) خلافا لنص المادة (١/١٤٩) من قانون العقوبات الأردني من باب (الجرائم الواقعة على أمن الدولة) وكان الحكم ( الحبس لمدة خمس سنوات) وذلك على إثر قيام المدان بنشر رسالة موجهة إلى جلالة الملك في بدايات العدوان الإسرائيلي على غزة وكردة فعل من هذا الشخص على مجزة مستشفى في غزة راح ضحيتها دفعة واحدة (قرابة ٥٠٠ شهيد) من أهل غزة من المدنيين وهذه المجزرة مجرد مشهد واحد من ملايين المشاهد التي توثق مدى بشاعة هذا العدو وإجرامه.
الرسالة التي نشرها موجهها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وأتضح جليا في عباراتها مدى الغضب الذي ألم بكاتبها جراء العدوان والمناظر التي تطالعنا بها كل وسائل الإعلام وهو ذات الألم والغضب اللذان يعتريان الجميع داخل الأردن وفي العالم أجمع ويعصف بكل “إنسان” لديه ذرة إنسانية ، فوقع العدوان وبشاعته لا يختلف من شخص سليم الإنسانية إلى آخر ، ولكن لغة الخطاب وما حملته من رسائل كانت أيضا غاضبة ولا تبصر أمامها لتفرق بين الجهات التي نخاطبها لنحملها المسؤولية الكاملة أو الجزئية عن مجزرة أو عن العدوان وبين اختلاف وتنوع اللاعبين السياسيين في المنطقة والعالم وأدوارها سواء في شن العدوان او الوقوف في وجهه ، وأيضا لم تفرق لغة الخطاب بين من يملك مفاتيح الصراع أو إشعال الحروب ومن يملك مفاتيح إخمادها في النظام العالمي وفي منطقة الشرق الأوسط وذلك ما جعل مضامين هذه الرسالة تحمل الدولة الأردنية وقيادتها كل الوزر عن تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي وعن تخاذل الأمتين الإسلامية والعربية وكأن هذا الوطن وقيادته هو القطب السياسي الأوحد في المنطقة وربما العالم ويقود النظام العالمي الذي يتحكم بمجريات الأحداث في المنطقة بأسرها وفي العالم أجمع.
تلك الرسالة تضمنت تجميعا لهتافات خرجت ولعبارات ولمواقف شخصية لمجاميع من العوام في السياسة وفي الحروب وفي نظام عالمي وتاريخ هذا النظام وتاريخ هذا الصراع وهي تلك التي تريد من الاردن أن يفتح الحدود ويعلن التعبئة العامة والحرب على الكيان الغاصب وكل المشاركين معه في العدوان على غزة وفلسطين ، فجمعت الرسالة كل الألم وكل الغضب مع كل السذاجة والجهل على صعيد إدارة العالم والمنطقة وطريقة إدارة أي دولة في خضم صراع بحجم الصراع القائم في المنطقة منذ بداية الصراع التاريخي في منطقتنا العربية ، وكان العنوان الرئيسي لهذه الرسالة وما يفهمه مثلي أن عدم إستجابة الدولة الأردنية وقيادته لمطالب كاتب وموجه الرسالة لا يعني إلا شيئا واحدا هو (أن الدولة الأردنية متواطئة أو تقبل) ما جرى ويجري من عدوان على شعب أعزل ، فالرسالة بلغتها الغاضبة تحمل الدولة الأردنية وقيادته (نظامه) المسؤولية الكاملة إذا لم تقوم من فورها بصد العدوان ورده ومحاسبة العدو الغاشم.
وبالعودة إلى القانون وما ورد عليه النص في قانون العقوبات (رقم ١٦ لسنة ١٩٦٠ ) وهو القانون والنص فيه القديمان قدم وضعهما كقواعد عقابية منذ تاريخ سن هذا القانون في باب الجرائم الواقعة على أمن الدولة وليس القانون ومعه هذا النص مما جرى من تعديلات على القانون حديثا قبل سنوات قليلة ويحدد هذا النص في المادة (١٤٩/١) طبيعة جرم (تقويض نظام الحكم والتحريض على مناهضته) حيث تقول المادة: ” يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة كل من أقدم على عمل من شأنه تقويض نظام الحكم السياسي في المملكة الاردنية أو التحريض على مناهضته ، وكل من أقدم على أي عمل فردي أو جماعي بقصد تغيير كيان الدولة الإقتصادي أو الإجتماعي أو أوضاع المجتمع الأساسية” .
وقد جاء النص في هذه المادة ليبين الركن المادي المتمثل بالسلوك الإجرامي الذي يصدر عن الفاعل أو الجاني وبين صورتين لهذا الركن أو هذا السلوك هما:
الأول: أي عمل من شأنه تقويض نظام الحكم السياسي في المملكة أي أنه يجب أن يكون في صورة عمل إيجابي مادي يستهدف هدم نظام الحكم.
الثاني:-وهو موضوع ما أسند إلى المدان المشار إليه ابتداء ـ التحريض على مناهضة نظام الحكم والركن المادي يتمثل في فعل التحريض وهو حث الغير ودفعه إلى أفعال تقويض نظام الحكم وهذا الحث سواء أكان بزرع الفكرة في ذهن شخص أو أشخاص أو تشجيعهم ويكفي أن يتوجه هذا التحريض إلى فرد أو شخص واحد ويكفي أن يكون في السر وليس في العلن وهذا يعني أن التحريض في العلن مجرم وأن العلنية توسيع لدائرة الذين يوجه لهم التحريض أو التشجيع ، فالعلنية إذا هنا هي تعميم للأفكار الخاطئة عن نظام الحكم وزرعها في أذهان من يصلهم خطاب التحريض فالتحريض بحد ذاته سلوك معاقب عليه لما ينتج عنه من أفعال تستند إليه هي أفعال مناهضة الحكم ،لذلك أعتبر المشرع أن التحريض سلوك من يناهض نظام الحكم وأيضا دعوة للغير لمناهضة نظام الحكم.
وفي ( الركن المعنوي) فالجرائم التي تضمنتها المادة (١٤٩) من قانون العقوبات هي جميعها جرائم قصدية أو عمدية حيث أن هذه الجرائم لا يأتيها الفاعل بطريق الخطأ أو الزلة حيث أن من يصيغ العبارات والأفكار ثم يستخدم اللغة لإيصال او زرع فكرة أو أفكار معينة فهو بالضرورة مدرك لما يقوم به ويتوافر لديه عنصري العلم والإدراك وهو يعلم تماما ما وجهة ما يصدر عنه من أفعال وأقوال فبالتأكيد انه تنصرف إرادته إلى تحقيق نتيجة جرمية وهي تحقيق ما يهدف إليه من فعل أو قول.
وقطعا لا مجال لقول قائل سواء من قام بفعل التحريض بالقول والنشر لما يعتبر وفق القانون “تحريضا” ومناهضة لنظام الحكم بأنه لا يعلم بأن هذا الفعل أو السلوك مجرمان بالقانون فالقاعدة العامة ” عدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون” ولو جاز اعذار كل سلوك بسبب عدم علم فاعله بعدم علمه بأنه مجرم لأفلت القاتل والسارق وكل معتد على حق من حقوق الناس وحقوق المجتمع وحقوق الدولة.
كما لا علاقة لدافع مرتكب السلوك المجرم بتجريم السلوك وبالعقاب عليه بأن يحتج بأنه قام بهذا السلوك تحت تأثير مشاعر معينة.
هذا تعليقي القانوني على الحكم الصادر ضد ذلك الناشط السياسي الذي وجه تلك الرسالة متجاوزا ومخترقا نصوصا قانونية عقابية بالرغم من تعاطفي معه ومع مشاعره لأنها مشاعرنا جميعنا لكنها لا تعذرنا ولا تبرر لنا مخالفة قواعد القانون لمجرد (فشة الغل أو فشة الخلق) كما يقال.
وللأسف عندما علقت ليلة الأمس معلقا على مجموعة لناشطين سياسيين وعند أحدهم ممن خلطوا الحابل بالنابل ليقول أن الحكم على الشخص ظالم وجائر قام مسؤولوا تلك المجموعة بحذفي منها وهم الذين يطالبون بأعلى سقوف الديمقراطية.، وأسفي الشديد أن معظمهم من المحامين والقانونيين فقد ناقشني أحدهم سائلا ” اين الركن المادي وما هو في جرم مناهضة الحكم..؟؟؟؟ ” فأردت إجابته واقرانه هنا جوابا قاونيا وليس سياسيا لأنهم حذفوني قبل أن اجيبه على مجموعتهم السياسية مع انني علقت واعلق دائما بهدف النصح القانوني للنشطاء السياسيين بأن يتحروا عدم مخالفة القانون والدستور في ممارسة أفكارهم السياسية ومحاولة تطبيقها فإذا كانت السياسة وجهات نظر فالقانون ليس كذلك ، كما أن التعليق على الأحكام القضائية والطعن بها لا يجوز إلا وفقا لما رسمه القانون من طرق الطعن ولا ينبغي لأهل السياسة والقانون معا أن يصادروا الصلاحيات القانونية والدستورية لكل جهة قرار لا يتفق قرارها مع أفكارهم وتوجهاتهم السياسية أو الاجتماعية .
يا سادتي الكرام في تلك المجموعة لعلكم سمعتم بالقول والحكمة” لا تنهى عن فعل وتأتي بمثله…عار عليك إن فعلت عظيم” والسياسية والعمل الوطني ليست طبخة (مفركة القانون مفروم معه مباديء الإتجاهات السياسية) فكيف تنكرون عدم الإستماع لآرائكم السياسية وأنتم لا تقبلون رأيا يخالف هواكم ورأيا لديكم في مسألة من المسائل.؟!؟!؟
والسلام ختام.
أبو عناد.