فيلادلفيا نيوز
العفو العام يجب أن يكون هذه المرة مكتملا وخاليا من العوار التشريعي الذي أصاب العفو العام السابق.
العفو العام معناه نصا أن ينصب على العقوبات أي الشق الجزائي فيمحو الجرم ويجتثه وكأنه لم يكن وقطعا هذا يعني محو أيضا أي أثر ترتب على إسناد الجرم لأي شخص من الناحية الجزائية والعقابية وفي ذات الوقت ونصا أيضا فلا يؤثر العفو العام على الحقوق الشخصية حيث تم النص أن ذات المحكمة في حال كانت الدعوى منظورة تحكم بالحق الشخصي بعد إسقاط دعوى الحق العام نتيجة العفو العام وفي حال الإدانة مع وجود ادعاء بالحق الشخصي فينفذ الحكم بالحق الشخصي وفق طرق التنفيذ المدنية.
والعوار التشريعي الذي أصاب العفو السابق كان النص على ربط شمول العفو العام ببعض الجرائم كإساءة الائتمان وإصدار شيك لا يقابله رصيد بأسقاط الحق الشخصي في حال وجود مدعي بالحق الشخصي حيث جاء هذا النص ليخالف القاعدة العامة التي نصت على كيفية إصدار العفو العام وعلى ماذا ينصب.
ومما لا شك فيه أن العفو العام السابق قد فرغ من مضمونه بما أصابه من عوار فلم يحقق الغاية منه من حيث تبييض السجون واعطاء معنى العفو كفرصة ثانية لكل المحكومين جزائيا ليبدأوا صفحة جديدة في المجتمع والعفو العام هدفه الحوهري هذه النقطة بإستثناء الجرائم التي تشكل خطرا حقيقيا على أمن الدولة والسلم الأهلي ويترتب على العفو عن الفاعلين آثارا سلبية على المجتمع فهذه الجرائم ترتكب دائما من أشخاص لديهم إما معتقدات منحرفة أو طبيعة جريمة في نفوسهم وهم من لا يؤمن منهم عدم تكرار أفعال جرمية.
كما أن العفو السابق وما شابه من عوار قانوني لم يعدل حتى بين من ارتكبوا ذات الأفعال عند ربط الشمول بالعفو بإسقاط الحق الشخصي فمن أدين بجرم إساءة أمانة أو إصدار شيك دون رصيد ولم يكن هناك مدعي بالحق الشخصي لأن المدعي أجل ذلك أو لم يرد دفع الرسوم عليه مع الشكوى الجزائية فقد استفادوا من العفو لعدم وجود مدعي بالحق الشخصي بينما من ارتكب نفس الجرم ولكن قام المشتكي أيضا باتخاذ صفة المدعي بالحق الشخصي فلا يشمله العفو إلا إذا وافق المدعي بالحق الشخصي وقام بإسقاط الحق الشخصي وكان جليا أن إضافة هذا الشرط كان لخدمة فئة محددة وهي طبعا البنوك والشركات آلتي تقدمت بشكاوى في هذه الجرائم فكان اشتراط إسقاط الحق الشخصي لإجبار المشتكى عليهم أو المدانين على مراجعة المشتكين لتسديد ما في ذمتهم من حقوق مالية أو تقديم تسويات حتى يتم إسقاط الحق الشخصي ويشملهم العفو العام.
هذا قطعا عورا تشريعيا بل فضيحه تشريعية في العفو السابق ليس فقط لأنه خالف نصوص القانون الواضحة في تطبيق العفو العام وخالف معناه ومؤداه وأهدافه بل لأنه جعل العغو عاما في جرائم وغير عام في أخرى فجعله كالعفو الخاص الذي أعطي لشخص المدعي بالحق الشخصي.
في المرة السابقة كانت اللجنة القانونية قد طرحت مشروع القانون على مجلس النواب ولا يوجد شرط إسقاط الحق الشخصي إلا أن أحد النواب المخضرمين وهو قانوني ومحامي قديم هو الذي أقترح إضافة الشرط ووافقت اغلبية المجلس على النص المقترح والمعروف أن نفس النائب كمحامي يمثل في مكتبه ومهنته ربما عشرات البنوك والشركات وكيلا عاما لها وطبعا يوافقه على هذا الشرط كل المحامين الذين لهم نصيب الأسد في تمثيل البنوك والشركات فهذا شرط يجعل عملهم يزدهر جدا.
ومن حيث الغاية من العفو فالارقام الحكومية تقول أن عدد قضايا الشيكات وإساءة الأمانة حتى رفع قانون الدفاع بلغ ٦٠ الفا من المحكومين بالعقوبات المقررة في القانون وإذا مر الوقت من العفو الماضي وجرت أية اسقاطات للحق الشخصي في هذه الأحكام فأتحدى أن تكون بلغت ٥٪ من مجموع هذه القضايا مما يعني أن العفو الجديد إذا ما أصابته ذات العدوى من العفو السابق فلن ينزل عدد الذين سيشملهم من ال ٦٠ ألفا عن هذا الرقم إلا بخمسة ألاف على أكثر تقدير وإذا زادت نسبة الذين اسقطت في مواجهتهم الحقوق الشخصية مع مرور الزمن منذ العفو الأخير.
والأهم أيضا أن العفو العام إذا لم يبيض السجون التي لم تعد تحتمل ربع الاعداد الفعلية من الذين عليهم احكام فلن يغير من واقع اكتضاض السجون والذي أيضا يفرض تكاليف كارثية على خزينة الدولة الفارغة اصلا وهذه التكاليف هناك قطاعات ومجالات أولى بالصرف والانفاق عليها مثل القطاع الصحي ومجال التنمية الاجتماعية وإعانات الناس ممن سحقتهم الدنيا والظروف.
أتمنى على كل من يقول ان له صلة بالقانون ومن يدعي انتماء حقيقيا لهذا الوطن أن يقف اليوم مع صحيح القانون ومقتضيات الصالح العام لا مصالح فئات وأشخاص وحتى يكون مردود هذا العفو الذي وجه له جلالة الملك مردودا فعليا على كل الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية وأن يكون الفرحة الحقيقية لهذا الشعب من خلال مكرمة الملك آلتي قطعا هذا هدفها.
رايق المجالي..مستشار قانوني.