فيلادلفيا نيوز
(المسؤولية والسلطة والمسائلة ،،،
مؤسسة العشيرة في الزمن الذي لم تكن الدولة ككيان سياسي وقانوني موجودة أو في الزمن الذي لم تكن الدولة قد بسطت سيادتها على كل بقعة وكل المجاميع والافراد كانت هي السلطة التي لها قانون (العرف والعادة) تفرضه وتمارسه على أفرادها كبارا وصغارا وأيضا يحكم هذا القانون العرفي علاقة العشيرة وأفرادها بكل المجتمع والمحيط الكبير فالقانون العرفي العشائري هو الذي يسود ويطبق في غياب قوانين الدولة المدنية.
لذلك فالعشيرة كانت تمارس سلطتها على الأفراد الذين ينتمون لها كحاضنة وكحامية لهم فكان الدور الأول لها هو التربية وتبدأ هذه التربية من قانون البيت وما يحمله الأبوين من قيم وأخلاقيات وهما يعلمان أن السلطة الأولى على الأبناء للأب الذي يمارس فرض قانونه الخاص استناداً لقانون العشيرة التي هي المجتمع (قانون المجتمع) ويعلم الأب أنه يخضع لسلطة العشيرة العليا التي تطبق عليه وعلى أسرته قانون العشيرة الذي هو قانون المجتمع.
لذلك ففي القانون العشائري كما يعلم الجميع فالفرد أو ابن العشيرة إذا ارتكب فعلا مجرما يخالف القانون العشائري والأعراف والعادات فإن المجموع (العشيرة/خمسة الشخص) تسأل عن فعل الفرد الذي ينتمي إليها ، ويكون على (خمسة الفاعل لأي جرم) بالإضافة إلى عقوبة الفاعل نفسه عقوبات وغرم تؤديه هذه ( الخمسة) أو (العشيرة) لخمسة وعشيرة المجني عليه ، وعشيرة الفرد لها في (الغرم وفي الغنم ) وهذا بعينه تطبيق لمبدأ ((حيث توجد المسؤولية والسلطة توجد المحاسبة) ، فلأن مؤسسة العشيرة كما أسلفت كانت في حقبة غياب الدولة أو غياب مؤسسات الدولة وتشريعاتها وفرض سلطتها هي -اي العشيرة – المسؤولة أولا عن تربية الفرد والمسؤولة عن حماية المجتمع (العشيرة ومجتمع العشائر) فكانت أفعال الأفراد تنسب لعشائرهم ويفرض على العشيرة عقوبات إلى جانب معاقبة الفرد لأن المسؤولية جماعية ومسؤولية العشيرة هي التربية والضبط ومنع الأفراد من خرق القيم والأعراف وبالتالي منع مخالفة القانون العرفي العشائري الذي يحكم المجتمع لذلك فالقانون العشائري في محاسبة العشيرة أو الخمسة أنما يطبق المسؤولية التقصيرية في مواجهة العشيرة فيعتبر قيام أي فرد من أفراد العشيرة بفعل شائن وبفعل يشكل اعتداء وجرما بحق الغير سببه تقصير العشيرة في التربية والضبط وذلك ما يستوجب معاقبتها أيضا وهذا ايضا يدخل تحت باب الردع العام.
ولكن مؤسسة العشيرة في الأردن قد بدأ تراجع دورها كسلطة على أفرادها تمارس أدوار التربية والضبط والمحاسبة مع بداية بسط الدولة لسيادتها وسلطتها وسريان التشريعات المدنية للدول الحديثة على إقليم الدولة وهذا تدرج طبيعي وتحول في اتجاهين متلازمين متعاكسين في الإتجاه من حيث تقدم دور الدولة فيقابله تراجع دور العشيرة كمؤسسة إجتماعية وكسلطة فاعلة في فرض وتطبيق القانون السائد في المجتمع ،فلا يجوز أو ليس أمرا طبيعيا أن توجد دولة وتتطور في وجود (قانون قبلي أو عشائري) ومؤسسة ليست من مؤسسات الدولة هي التي تمارس السلطة والمسؤوليات في تطوير المجتمع وضبطه وحمايته في كل مناحي الحياة ،وبعبارة أخرى فإن العلاقة عكسية طبيعيا بين تراجع دور العشيرة وتقدم دور الدولة في حكم المجتمع وإدارته.
وهذا أعلاه -كحقيقة وتطور طبيعي – قطعا يعني أن الأفراد داخل المكون الاجتماعي الذي هو (العشيرة) قد تحرروا أو رفعت عنهم وصاية العشيرة وسلطتها فلم تعد قوانينها هي التي تفرضها وتضبط بها سلوكيات الأفراد المنتمين لها وبالتالي فسلوكيات وتصرفات الأفراد صارت تخضع لمفهوم (المواطنة) والمواطنة تعني انتساب وانتماء الفرد لوطن له دولة والدولة لها دستور وتصدر وفقا لهذا الدستور تشريعاتها وتطبيقها من خلال مؤسسات الدولة الدستورية وفي القوانين المدنية ودساتير الدول الحديثة فمسؤولية الأفراد شخصية والتشريعات بأنواعها تسري عليهم بشخوصهم وبالنتيجة أيضا أن المسائلة والعقوبات شخصية فلا يسأل فرد عن فعل غيره بشكل مطلق في كل التشريعات مع وجود استثناء ضيق جدا ومحدود وهو مسؤولية (متولي الرقابة) وهو ” من وجبت عليه قانونا أو اتفاقا رقابة شخص في إلى الرقابة بسبب قصره او حالته العقلية أو الجسدية” والمسؤولية هنا مسؤولية مدنية وليست جزائية تتعلق بالضرر وجبره أو التعويض عنه عندما يقع من الفرد المراقب قانونا عمل أو فعل غير مشروع.
وعلى كل ما مر فإن أفعال الأفراد وتصرفاتهم وسلوكياتهم في المجتمع من الذين لا تعتريهم أي من أسباب شمولهم برقابة الغير من من القصر وممن لا يعتريهم عارض من عوارض الأهلية هي أفعال وتصرفات وسلوكيات تنسب للأفراد بشخوصهم وبالتالي فكل فرد صدر عنه خطأ أو تصرف غير مشروع ينسب فعله له حصرا وتسند الأخطاء والتهم له أيضا حصرا وتكون العقوبة والمسؤولية شخصية لا تطال غير هذا الفرد بشخصه وبلحمه وشحمه ودمه وبكيانه المعنوي أيضا فلا يجوز أن تنسب الأفعال المشينة لغيره ولا يجوز أن يمس كيان معنوي آخر سواء لأفراد أو لمجموعة ، فلا يلطخ الفعل الشائن (سمعة أب أو أم أو أخ) وبالضرورة فلا يجرح أو يلطخ فعل فرد شائن (سمعة عشيرة أو منطقة أو دولة) .
والأمر أيضا يمكن إسقاط مثال آخر دون تفصيل وتأصيل عليه فمثلا لا ينسب فعل مسلم ( القتل ،الزنا ، السرقة) يعيش في كنف دولة إسلامية ويحمل جنسيتها كدولة إسلامية تطبق الشريعة الإسلامية للإسلام وللشريعة الإسلامية فتلطخ سمعة الإسلام ويأخذ عليه بأن المسلمين أفرادا يرتكبون (الموبقات أو الأفعال المشينة).
وخلاصة القول والمقال جاءت في بدايته وعنوانه ((فمسؤولية العشيرة في ظل سيادة القانون العشائري العرفي قديما تختلف عن مسؤولية العشيرة في ظل دولة وسيادة قوانين الدولة) .
ولكن لا ينبغي أن ننسى تذكير الأجيال من أبناء الأردنيين -وكل الأردنيين أبناء العشائر والقبائل من شتى الأصول والمنابت – بأن هناك مسؤولية أدبية معنوية ما زالت على عاتق كل فرد ينتمي لمكون اجتماعي (عشيرة أو قبيلة أردنية ) وهذه المسؤولية تقتضي أن يلتزم كل مواطن وكل إبن عشيرة بقيم آبائه وأجداده وأن يراعي الأسماء التي تكتب خلف اسمه الأول حتى إسم العشيرة أو القبيلة وأن يحترمها لأن أفعال الفرد إذا وافقت قيم آبائه وأجداده وعشيرته جلبت المزيد من الاحترام لسلفه وإذا خالفت قيمهم فإنها وإن لم تنسب لهم إلا أنها تثير الحزن والشفقة على عقوق الخلف للسلف من جهة ومن جهة أخرى فقد تفطر قلوب أحبة الشخص فيموت (أبوه أو أمه أو اخوه) كمدا وقهرا من أفعال يرفضها المجتمع وتجعل المرتبطين بعلاقة مع مجرم يطأطئون رؤوسهم من الخجل هذا اذا لم يلحقهم أيضا تكبد أضرار مادية ومالية من أفعال اقربائهم لجبر أضرار الأشخاص المعتدى عليهن أو على أعراضهم أو أموالهم.
حمى الله الأردن وابقاه بكل مكوناته كريما عزيزا شامخا فخورا بتاريخ الإنسان الأردني فردا وعشيرة.
رايق عياد المجالي/ أبو عناد