فيلادلفيا نيوز
الأخ الدكتور البراري الذي نحترم ونجل لما عرفناه وخبرناه بك من غزير الثقافة والعلم وسمو الخلق وعميق الإنتماء -وهذه لا يجرؤ أحد أن يزاود عليك بها – إسمح لي أن لا أتفق معك فيما ذهبت إليه من تقديم إستقالة مبررة (بعدم إقتناعك بجدوى الإستمرار ) وهي بذلك لا معنى لها إلا أنها (إنسحاب ) , وأنت من كان سبب ضمه لهذه اللجنة ما أنت عليه من فهم عميق وإطلاع واسع على معطيات الحالة الأردنية وخصوصيتها وهو ما عبرت عنه تحليلاتك وكتاباتك عبر كل المنابر التي عرفك الناس من خلالها , مما يعني أنك لست الوافد الغريب على ما ما مر به الوطن ويمر من أوضاع وظروف على كل صعيد قد إستدعت إتخاذ خطوات من أعلى سلطة في البلاد للبدء أو السير أو إستكمال ما يسمى الإصلاح السياسي ومن هذه الخطوات أو المبادرات كان تشكيل اللجنة الملكية لتطوير منظومة التشريعات المتعلقة بالحياة السياسية والتي قبلت أن تنضم لها عندما دعيت لذلك .
وأجدني دكتورنا المقدر لا أتفهم هذا (الإنسحاب ) مهما كان المبرر لكونه يتناقض عندي مع مبرر قبولك الإنضمام فقد فهمت أنا شخصيا أنك لست ممن يحللون وينقدون لكنهم إذا ما تمت دعوتهم للإنخراط بأي مبادرة وخوض غمار أي معركة من أجل الوطن يحجمون ويتنصلون ويتقوقعون على ما لديهم ’ أي أنك لست سلبيا في تعاطيك مع الشأن العام وأنت من بلغ وعيه السياسي درجة إدراكك معنى مقولة (مارتن لوثر كينغ ) : ” أنت لست فقط محاسبا على ما تقوله , أنت محاسب على ما لم تقله حيث كان عليك أن تقول ” …؟؟؟؟ , والإنسحاب في هذا الموضع هو خروج من الساحة إلى حيث لا يثبت القول الذي تريد أو يدون في سجلات ليعيش ويقرأ كرأي مخالف مع ما سيتم تدوينه أو تسجيله والعمل بمقتضاه كلما رجع أحد إلى المحاضر ولو بعد أمد طويل , فالإنسحاب يعني حتى شطب كل أثر لوجودك في هذه اللجنة وقد عرف أن كل هيئة أو لجنة تضطلع بإصدار قرار ومنها الهيئات القضائية تعطي الحق لكل عضو -إن خالف الأغلبية – في تدوين التحفظ أو قرار المخالفة في ذات المحضر من باب إثراء المسألة وما يتعلق بها من معارف ليدون التاريخ جميع الآراء بغض النظر عن الرأي النافذ ..؟؟!!!
وعودا على بدء فلا يسعفك أو يقنعني شخصيا القول بأن غالبية الأعضاء في هذه اللجنة لا يمثلون حقيقة نبض الشارع أو أنهم ليسوا على ذات السوية من عمق الفهم الذي لديك أو أن توجهاتهم الفكرية أو السياسية في الغالب لا تتوافق مع توجهاتك فمن المفروض أنك تعرف معظم الأسماء التي تشكلت منهم اللجنة ولديك الحد الأدنى من المعرفة بتوجهاتهم وخلفياتهم كما أنك أيضا قد علمت السياق والنهج وتعرف التفاصيل كما تعرف العناوين , فكيف تكون الآن بعد مدة من إنخراطك متفاجئا أو مستغربا أو مصدوما فتقرر الإنسحاب ..؟؟؟!!!
دكتورنا المبجل والمحترم ,,,
أن خير من يعلم ويعرف تاريخ الشعوب التي ناضلت من أجل الوصول إلى مبتغاها وأحلامها ويعرف ما عانته المجاميع وما عاناه الأفراد وه مينشدون تحقيق الحلم بديمقراطية وعدالة ومساواىة وعيش كريم , وتعلم أيضا المثل أو القول المأثور : ” إن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة ” وكذلك المبدأ الفقهي القائل ” ما لا يدرك كله لا يترك جله ” والأهم أنك تعلم وتؤمن بأن النضال من أجل حقوق بأنواعها للإنسان والشعوب ليس طريقا ممهدا بالورود وليس نزهة وأن هناك دائما قوى للشد العكسي وأن وجود الصراع بين الفكر المحافظ والفكر المجدد في أي مجتمع هو صراع حتمي يطول ويشتد في أحيان ليصبح كحجري الرحى التي تطحن ما بينهما , وأن أعمار الشعوب وأهدافها ووسائلها ليست كأعمار وأهداف ووسائل الأفراد ومن الطبيعي أن تتلاطم الأفكار وأن يجري تيار بقوة في إتجاه يعاكس تيارا أضعف كما تعلم أن للنضال ضريبة وللتغيير ضريبة والسباحة ضد التيار متعبة جدا ولكنها لأهل الفكروالعلم والثقافة سباحة لا يجب أن تتوقف وأن تتوقف الأيدي والأرجل عن الحركة فإن لم يكن للتقدم إلى الأمام فعلى الأقل للصمود في نفس المكان وعدم الإنجرار مع التيار إلى أن تهدأ حدة وقوة الجريان لمواصلة التقدم ..؟؟!!!
الأخ الدكتور المحترم ,,,
أعلم أنك -ومن سيقرأ رسالتي هذه لك- ربما تلمسون أو تحتجون علي بأنني أتحدث برومنسية عن النضال وحراك الشعوب وأنظر عن تاريخ الحركات والشخصيات النضالية بصورة درامية وربما خطر في بالكم المثل القائل : ” اللي بوكل العصي مش مثل اللي بعدها ” أو ” اللي بدري بدري واللي ما بدري بقول كف عدس ” , ولكنني يا عزيزنا لم أبتدع حتى هذه الرومنسية وهذه الدراما التاريخية فهي حقائق ومصائر ومآلات ولم يصل شعب -نتخذه أمثولة أو نبتغي مقارنة أنفسنا به – إلى ما وصل إليه في العالم المتحضر إلا بها وبما تم دفعه من ثمن سواء من المجاميع أو الأفراد الذين لم يهادنوا أو يستسلموا أو ينسحبوا من أي معركة أو صدام أو صراع أو لم يعتزلوا وينسحبوا ليتخذوا مكانا قصيا بعيدا عن مجرى التيار الذي يعاكسونه أو يخالفونه , ولنا أفضل إسوة بخير البشرية -صلى الله عليه وعلى آله وسلم – ورسالته التي بدأت به وبثلاثة أنفس هم ( زوجته خديجة -رضي الله عنها – وإبن عمه علي -كرم الله وجهه – وخادمه زيد بن حارثة -رضي الله عنه – الذي آمن وصدق بعد خديجة وعلي وقبل أبو بكر الصديق -رضي الله عنه – ) , والأسوة لنا ليس فقط الأسبقية في الإسلام بل ما عاناه مع نبيهم -عليه أفضل الصلاة والسلام – من سبقوا في الإيمان وثبتوا حين لم يكن للإسلام وللنبي الكريم أية شوكة وكانوا مستضعفين في مجتمع الكفر والضلال وشراسة أعمدة الكفر .
إسمح لي يا دكتور في النهاية أن أعاتبك عتاب المحب وأن أشدد على مخالفتي لك في إعتزالك وإستعفائك بما يسمى إستقالة , وأن أسجل في هذه الرسالة تحفظي على كل من إستمر في التشكيك بشرعية هذه اللجنة وكذلك بالتشكيك من خلال أحادث التسريب بالنوايا وبتحفظي على من إستقالوا ومن سيستقيلوا -إن وجد- ومن إتخذوا كافة المنابر بأنواعها وقبل ظهور نتائج ملموسة ونهائية لعمل اللجنة لنسف ما لم يتيقنوا من وجوده أولا وما لم يوضع في قنواته الدستورية لسن أي تشريع -من التي كلفت اللجنة بدراستها ووضع توصياتها بشأنها -,مع أن المطبخ التشريعي الفعلي والشرعي لإقرار أي تشريع كقانون أو تعديل للدستور هو البرلمان الذي سيواجه أيضا إستحقاق ووجوب مناقشة التشريعات تلك على الملأ وتحت القبة قبل التصويت عليها وإقرارها .
سيدي الكريم : كما أن الحروب والمعارك العسكرية كر وفر فإن المعارك الفكرية والثقافية أيضا كر وفر ولا يقبل فيها الإنسحاب والإعتزال , وأنا أرى أن الإنسحاب من كل تلك المعارك لا وصف حقيقي له إلا ( التقهقر والهزيمة ) وعلى صاحب الإيمان بالمباديء والقضية التي يحملها أن لا ينهزم من داخله وإن تكسرت وتحطمت أسلحته وحتى وإن تمزقت دروعه .
عتب على قدر الإحترام والمحبة .
والله والوطن من وراء القصد .
أخوكم في الوطن : رايق عياد المجالي /ابو عناد ؟