فيلادلفيا نيوز
موضوع أو شأن الخدمة المدنية في الدولة من أهم الشؤون بل هو ركيزة إدارة الدولة والحجر الأساس في بنائها وفي تطويرها وإستمرارها فهي كل إدارة الدولة من مؤسسات ودوائر وهي -إذا جاز التشبيه – كالجهاز العصبي في جسد الإنسان الذي يتحكم بكل عضو في هذا الجسد ,فليست الخدمة المدنية شأنا أو غرضا أدبيا أو شعريا يخضع لذهنية افراد ومزاجهم أو خواطرهم ومستويات الإبداع الذهني لديهم ,إنما هي علوم متداخلة يجب أن تنتج قواعدا وأحكاما من شأنها أن تخلق نظاما سويا أو منظومة من التشريعات التي تدير كل القطاعات والمؤسسات والأنشطة العامة في الدولة ,هذا النظام -وكما قلنا – لا يفترض به أن يكون غامضا أو أن يكون مطواعا لكل يد كالمعجون فتشكله في كل لحظة كما تريد تلك اليد وفوق ذلك يتأثر هذا المعجون بتغيرات درجات حراراة المحيط أو ما يلامسه كاليد التي تمسكه ..؟؟؟!!!
وإذا إسترجعنا شريط الذاكرة التشريعية بخصوص الخدمة المدنية في الأردن ونظام الخدمة المدنية الذي يحكمها وفقط لعشر سنوات خلت لوجدنا هذا النظام قد تعرض للتعديل في عهد كل حكومة منذ 2013 مرات ومرات في عهد الحكومة الواحدة ,وكلما جاءت حكومة نقدت ما قامت به سابقتها ووضعت على برنامجها تعديل أو نقض ما تم من سابقتها , حتى اصبح موضوع تعديل نظام الخدمة المدنية -بحجة التطوير – شغل الحكومات الشاغل وما زال وسيبقى ما دامت ذهنية وعقل الدولة ينظر للموضوع على أنه شأن جانبي أو مجرد رديف لأمر أو شأن آخر وهذه العقلية أيضا تستسهل هذا الشأن لسهولة سن وتعديل التشريع الذي يحكمه وهو (النظام ) والذي أعطيت صلاحية سنه لمجلس الوزراء وفق المادة 120 من الدستور ..!!!
إن هذا الشأن من الشؤون التي تتعلق وترتبط بكافة مناحي الحياة بالنسبة للأفراد وللمؤسسات بأنواعها مما يعني أن كل أنواع المعاملات تسير في كل القنوات التي توجد سندا لأحكام النظام الذي يقسم العمل والإختصاصات ويوزع الصلاحيات ويحدد الحقوق والواجبات ويضع الضوابط والروافع وينظم كل أدوات العمل العام وهي (الوظيفة والموظف ) ومثل هذه المعاملات يجب أن تخضع لمبدأ (إستقرار المعاملات ) فهي بلا إستقرار لا تبني ولا يبنى عليها وإستقرار المعاملات لابد له من أرضية ثابتة ومستقرة هي دائما (التشريع الأساس والقواعد والأحكام العامة الثابتة المنظمة لكل شأن ) ففي الخدمة المدنية يجب أن يكون التشريع الأساس (الأرضية ) مستقرا حتى يؤدي الوظيفة أو الوظائف الإستراتيجية في أدارة الدولة فالتشريعات الأساسية لأي مجتمع دولة يجب أن تكون شبه ثابتة وأن لا تكون مرونتها تصل إلى الدرجة التي تفقدها سمة الإستقرار فتتحول إلى حالة الميوعة أو ما قد يسمى (بالإسهال التشريعي ) كلما ألم بالدولة والمجتمع (عارض ) طفيف تتحرك دوائر سن التشريعات فتبدأ بالتغيير والتعديل وبسرعة وسهولة وإرتجال فتكون المخرجات مجرد فضلات سامة تلطخ كل شيء ..؟؟؟!!!
وكما هو (الإسهال عند الإنسان ) عرض يؤكد وجود مرض فهو كذلك في الدول فإذا كان هناك (إسهال تشريعي ) بمعنى كثرة التشريع والتعديل في كل شأن فهذا يؤكد أيضا أن هناك مرض قد إعترى الدولة والأصح والأجدى أن يتم تشخيص المرض ووضع وصفة علاج له لا أن نركز على العرض وبطريقة (داوها بما كانت هي الداء ) …؟؟؟!!!
ودخولا إلى موضوع ما يتوجب على الدولة الأردنية أن تقوم به في موضوع الخدمة المدنية وبالإشارة إلى ما تم بيانه أعلاه فقد كان الحري بها أن توجد (قانون الخدمة المدنية ) الذي يضع القواعد والأحكام العامة لتنظيم الخدمة المدنية (بقانون ) يصدر عن السلطة التشريعية (المؤسسة الدستورية وأدواتها ) كسائر القوانين العامة ويترك لمجلس الوزراء والسلطة التنفيذية وفقا للمادة 120 من الدستور سن الأنظمة التنفيذية لهذا القانون وهي الأنظمة والتعليمات التي تتماشى وتتناغم مع المتغيرات ضمن الهامش الذي يسمح به القانون وقواعده وأحكامه العامة دون أن تتعارض معها , وذلك ما تقتضيه أصول التشريع لدولة فالقوانين العامة تضع احكاما وقواعدا عامة تنفذها وتفسرها أنظمة وتعليمات وقرارات تستند لتلك القوانين , وليس مباشرة إدارة الدولة من خلال عملية معكوسة بحيث يتخذ القرار أولا أو التوجه لتحقيق أمر ما ثم يتم نسج تشريع لمجرد شرعنة القرار المسبق , فلا تدار الدول والمجتمعات بالمقلوب أو لا تدار دولة كما تدار الشركات الخاصة بحيث تفكر ادارة الشركة وتقرر ثم يتم التنفيذ من خلال قيام مجلس الإدارة -الذي هو مجلس تشريع الشركة -بإصدار القرارات التي تشرعن القرار أو تعطيه صفة الشرعية ..؟؟؟!!!
ومما نعيشه واقعا كما اشرت أعلاه فموضوع الخدمة المدنية وتاريخه ومنذ اكثر من عقد من الزمان يخضع لخواطر شخوص الإدارة العامة وأعضاء الحكومات ودليل ذلك كما ذكرت هو كثرة التعديلات -بحجة وذريعة – التطوير أو الإصلاح – مما شكل ما أسميه أنا شخصيا (إسهال تشريعي ) بهذا الخصوص تحديدا , وقد قلتها ذات إجتماع في البرلمان مع لجنتي المالية والإدارية فيه قبل عشر سنوات تقريبا -والجلسة مسجلة طبعا صوتا ومحاضرا وهو إجراء معروف داخل البرلمان للأرشفة والتوثيق – ” إن محاولة اجراء التعديلات على نظام الخدمة المدنية لموكبة متغيرات ولمعالجة مشاكل كأداء في القطاع العام بشكل ارتجالي وسريع هو بالضبط كمحاولات إلباس “حصان ” ثوب إنسان فالتغيرات التي طرأت على طبيعة وشكل وظروف الإدارة العامة والقطاع العام لا يمكن لنظام كهذا قد وضع أول مرة وفقا لطبيعة وشكل الإدارة في حينه أن يكسوها ويغطيها فتتحرك براحة وبالشكل الصحيح , فطبيعة الجسم تغيرت وايضا تغيرت طريقة حركته وحتى تغيرت الوظائف والمهام المطلوبة فكيف نلبس حصانا ثوب إنسان ثم نريده أن يركض في مضماره بشكل طبيعي …؟؟؟!!!
إن واقع الحال وما يلمسه المواطن- مهما كانت صفته -هو تشوه أرضية الخدمة العامة وأساسها إلى الحد الذي لم يعد مفهوما ما هي الوظائف أو الأهداف المراد تحقيقها ,بل إن الطامة الكبرى أن الواقع والأرقام والميزانيات سنة بعد سنة تفيد بتراجع كارثي في أداء المؤسسات العامة وبتكبد الخزينة العامة كلفا مالية طائلة شكلت هدرا ماليا (مشرعنا ) بذريعة (التطوير ) فصار واقع الحال (تغيير لمجرد التغيير ) ومؤتمرات وسن تشريعات وإنشاء دوائر وهيئات وبلا طائل يذكر حتى تاهت البوصلة تماما وانطبقت على هذا الموضوع (قفشة كوميدية درامية لمن يلعب دور طبيب في مسلسل يفترض أنه أخصائي نسائية وتوليد ) حين قال لأهل المرأة الحامل بعد خروجه من غرفة العمليات ” إحنا ضحينا بالأم والجنين عشان خاطر تنجح العملية “…؟؟؟!!!
وفي هذا الشأن وشؤون أخرى ….يا قلب لا تحزن ,,,!!!
رايق المجالي /أبو عناد .