فيلادلفيا نيوز
الإصلاح الاداري لا يكون إلا تشريعيا ليس فقط بتعديل التشريعات الناظمة لعمل الإدارات العامة بل بإيجاد جسم قانوني اداري بموجب قانون خاص مهمته خلق رقابة ادارية سابقة متخصصة ومباشرة على قرارات واجراءات الادارة العامة بحيث تكون(نيابه ادارية ) يقع من ضمن اختصاصاتها التحقيق بأي مخالفات ادارية اجرائية قد تحصل مخالفة للقانون قبل القرار الإداري النهائي حيث أن رقابة القضاء الإداري هي أولا رقابة لاحقة وثانيا لا يختص القضاء الإداري إلا بالطعون التي تقدم في القرارات الإدارية النهائية بعد صدورها وترتيب أثرها القانوني والإداري ؛ وعلى رأي المثل الشعبي “بعد الفاس ما تقع في الراس “..!
فطريقة الرقابة الحالية والتي تقع ضمن اختصاصات هيئة النزاهة ومكافحة الفساد ووفقا للآلية المتبعة غير ذات جدوى ولا تحقق الرقابة السابقة المياشرة حيث أنها ترتبط أيضا برقابة جزائية لاحقة من خلال احالة ما يشتبه بوجود شبهة فساد اي جرم جزائي خلافا لقانون العقوبات و/أو قانون هيئة النزاهة ومكافحة الفساد والقوانين التي وردت بها عقوبات جزائية لمن يدان بجرم جزائي كما أن استثمار الوظيفة والتربح منها وجلب المنافع من الصعب إثبات هذا التربح وطرق تقاضي الاموال والمنافع بينما في الإدارة فقد لا تشكل الأخطاء ومخالفة نصوص الانظمة الادارية جرما جزائيا لكنه فسادا إداريا سواء أتم بقصد التربح أو لعدم الكفاءة أو لإهمال واخلال وانتقام وهو يكمن في هذه الاخطاء والمخالفات وهذه عمليا لا رقابة حقيقية عليها والرقابة القضائية اللاحقة تتركز على ما يرتبط بالفساد المالي واستثمار الوظيفة لجلب منافع شخصية من الصعب اثباتها كما اسلفت بينما الفساد الإداري والذي يرتب اثارا كارثية على المصلحة العامة قد يحدث في الاغلب إما انتقاما او غيرة واستهدافا اوغباء او قلة كفاءة وهذا اثره اكثر واكبر ضررا من الفساد المالي.
كما أن الرقابة اللاحقة والتي تأتي بعد صدور القرارات النهائية وترتيبها للأثر الإداري وعند إلغاء تلك القرارات وإقتضاء اعادة الحال إلى ما كان عليه بحد ذاته يشكل ايضا ارباكا اداريا حيث يجب تغيير نتائج القرار الذي تم الغاءه والأهم أن الرقابة اللاحقة تفسخ او تلغي القرار فقط وتتكبد الخزينة العامة وحدها اثر هذا الالغاء من تكبد الرسوم والمصاريف التي يتحملها الطرف الخاسر للدعوى الادارية بالاضافة إلى تحمل الخزينة العامة لأي تعويضات قد يحكم بها نتيجة دعاوى مدنية بالتعويض والتي هي ايضا حق قانوني لكل متضرر من أي قرار إداري عند إلغاء هذا القرار وبالتالي لا يتحمل مصدروا القرارات الادارية المعيبة والتي استوجبت الفسخ والالغاء وطبعا” من أمن العقاب اساء الادب ” حيث يخالف كل هذا ايضا مبدأ شهيرا هو “حيث توجد السلطة توجد المسؤولية ” ففي نوع الرقابة القضائية اللاحقة على القرارات الإدارية في الأردن يفلت المخطيء بقصد او المهمل والغير كفوء من أي مسائلة وتتحمل الادارة العامة والخزينة العامة وحدهما دون أشخاص الإدارة الأخطاء والمخالفات الادارية وبالنتيجة فالمصلحة العامة غير محمية وفقط يتم حماية مصالح فردية ومراكز قانونية للأفراد او المؤسسات الخاصة والتي تتضرر من القرارات المعيبة.
وعليه فإن الحاجة الماسة لغايات الإصلاح الإداري الفعلي لإيجاد دائرة او جسم قانوني متخصص(مباحث ادارية ) على غرار التسمية والالية المعمول بها في جمهورية مصر العربية يكون لها صلاحيات الضابطة العدلية في جمع المعلومات والبيانات والتحريات عن الاخطاء والممارسات التي قد تؤدي إلى صدور قرارات نهائية معيبة وخاطئة وتضر بالمصلحة العامة وذلك لتحقيق الرقابة السابقة وكذلك لإيجاد مبدأ المسائلة الإدارية لشخوص الادارة العامة وأيضا وهو الأهم تلافي وتجنب صدور القرارات النهائية مزاجيا ودون أن يحسب حساب لأي مسائلة لمن يتولون المواقع الادارية ويمارسون الصلاحيات الإدارية التي هي غير مطلقة فالمبدأ والقاعدة القانونية العامة “أن تصرفات الإدارة مقيدة بالقانون ” وهذا التقييد يجب أن يوجد له صيغة تترجمه وهي كما بينت أعلاه تقييد الادارة من عدم اصدار القرارات المتسرعة او الخاطئة والمعيبة إبتداء ؛ على أن تتبع هذه المباحث الادارية لنيابة ادارية مختصة بالتحقيق بكافة الاجراءات الإدارية التي يشوبها أي خلل او عيب وفيها انحراف عن الانظمة الادارية أو فيها تضليل للمرجعيات العليا للادارات العامة.
هذه الفكرة العامة وتنفيذها لابد له من دراسة متخصصة مسبقة قبل وضع الصيغة النهائية لمشروع القانون او التشريع الذي يحقق الرقابة السابقة والمسائلة على الإدارات العامة.
المستشار القانوني رايق عياد المجالي.