الأحد , نوفمبر 17 2024 | 8:46 ص
الرئيسية / stop / رايق المجالي يكتب : الأردنيون والمواقف الفردية

رايق المجالي يكتب : الأردنيون والمواقف الفردية

فيلادلفيا نيوز

منذ عودة الحياة البرلمانية للأردن وإجراء انتخابات ١٩٨٩ التي لحقت بإلغاء الأحكام العرفية وهذا الشعب يمارس حياته السياسية بناء على مواقف فردية بدأت بممارسة الديمقراطية والذهاب الإنتخابات على أسس ومعايير عشائرية والمعيار العشائري هو موقف فردي أيضا حيث يقوم المواطن بممارسة حقه وواجبه الإنتخابي على أساس انحيازه لمكونه الإجتماعي الذي هو العشيرة ، فيختار إبن عشيرته فقط ولسانه حاله يقول ” كاذبنا أفضل من صادق قريش” وهي مقولة من إنحازوا لمن ادعى نبوة من قومهم وانكروا نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم -..!!!

توالت الدورات البرلمانية وإجراء الانتخابات وبعدد من القوانين للإنتخاب تم سنها في كل مرحلة من أجل تحقيق أهداف محددة في افرازات الانتخاب وتشكيل المجالس النيابية ،وفي ظل قانون الصوت الواحد استمر المواطن والناخب الأردني على ذات المنوال وممارسة الانتخابات أيضا وفق موقف فردي وبقي الأساس أو المعيار العشائري هو المسيطر على ذهنية الناخب الأردني.

ثم جاءت دورات ووضعت قوانين انتخابية لم يتغير في الوضع شيء في ذهنية الناخب الأردني فبقي الانحياز لإسم قبيلة أو عشيرة هو بوصلة الأردني عند ممارسة الحق والواجب الدستوري لكن هذه الذهنية ساهمت في تشرذم العشيرة الواحدة فتفاقمت الحالة حتى وصلنا إلى معيار فردي أضيق وهو الانحياز لشخص بعينه ضمن العشيرة لأنه الأقرب في الدم وفي الجيرة وأصبحت المنافسة الشديدة إلى درجة الحرب الطاحنة تشتعل داخل العشيرة او القبيلة الواحدة ووجدت معايير سطحية أو تافهة تحكم الموقف الفردي للناخب فصارت عوامل أو عناصر تقدم مرشح في العشيرة على غيره من أبناء عمومته ترتبط بمصالح الأفراد أو الناخبين الضيقة فصار إبن العشيرة المرشح المفضل هو الذي يملك عناصر القوة الصلبة وأولها المال الوفير وكذلك بعض السلطة ولو من خلال علاقات وثيقة بالسلطات وشخوصها.

وحيث أصبحت المعايير الفردية أيضا مصلحية وفي إطار المعيار العشائري وتعمل هذه المعايير عادة بين الغالبية الفقيرة في القبيلة او العشيرة الواحدة فقد صارت حتى العشائرية والتي تفرغت من مضامينها القيمية تتعرض لإختراقات عظيمة فتدخل المال الأسود حتى صارت العشائر جميعها مجرد خزان أصوات (كازية انتخابات) يستطيع كل من لديه الأموال الكافية أن يتزود منها فصارت بعض العشائر تقف في الظاهر خلف اسماء مرشحين من ابنائها لكنهم لا يحققوا الفوز بالمقعد لأن أصوات القاعدة العشائرية تسربت وضخت في اقتراع سري على مرشح استطاع شراء الذمم مبتزا أحوال الناس الصعبة.

التفاصيل في هذا الشأن لا شك لا تحصى وتعد أو تفرز أو يستثنى منها منطقة أو عشيرة وقبيلة وتجارب الأردنيين كافة في هذا الإتجاه عظيمة وكثيرة ولا يوجد اردني واحد لا يعرف مئات القصص عن دورة انتخابية واحدة فما بالنا بالدورات جميعها حتى آخر دورة.

مررنا بكل ذلك وكررنا كشعب أردني نفس المعيار وذات الذهنية التي قادتنا إلى الوقوع في أزمات تلو الأخرى على مستوي الوطن وبقينا نمارس السياسة ولليوم بالاسلوب والمعيار الفردي.

وها نحن مقبلون على استحقاق الإنتخابات التي هي أهم عملية في الحياة الأردنية وبها يتحدد ما يمر به الوطن من ضيق أو رخاء وهذا الاستحقاق القادم يأتي بعد سنوات طويلة عجاف شهد الشعب الاردني خلالها ويلات على كل صعيد وضيق غير مسبوق في أحوال الناس وتراجع كبير في أداء إدارة الدولة ومر هذا الشعب بأزمات عامة كالجائحة ثم الحرب على غزة وما قبلهما ويرافقهما من مشاريع خبيثة احيكت ضد المنطقة وفلسطين وبالضرورة الأردن, وقد عاش الأردنيون هذه السنين وهذه الظروف وهم في تذمر وصبر في ذات الوقت ومرت عليهم حكومات ومجالس امطرت هذا الشعب بالوعود الجوفاء ولم تأتي حكومة ولم يأتي مجلس إلا وساءت الأوضاع وضاقت الأحوال حتى وصلنا إلى حالة من الإختناق مصحوب بإحباط شديد افقدا المواطن الأردني كامل الثقة بكافة مؤسسات الدولة وبشخوصها.

هذا واقعنا الذي لا يمكن إنكاره ومن سينكر والدليل الصريح الواضح ما وضع ورسم من خطط إصلاح سياسي واداري واقتصادي مثلت اعترافا صارخا بسوء أوضاعنا في هذا الوطن ،والبديهي أن لا إصلاح أو تصحيح في أي مجال يمكن أن يحقق شيئا إلا إذا وجدت مؤسسات دولة صحية وحقيقية تستطيع تنفيذ الخطط وضبط البوصلة بحق وهذه المؤسسات لن توجد إلا بوجود برلمان حقيقي وقوي يعمل للأمة والشعب.

ويفترض أن مرور الشعب الأردني بكل ما مر به من تجارب ومصائب ومحن عامة قد جعل هذا الشعب أكثر وعيا ، فإذا كان الوعي الذي تحقق وعي حقيقي فإن أول ما يجب أن يدركه العقل الجمعي لهذا الشعب أن المواقف أو المعايير الفردية لا يمكن أبدا أن تبني وطنا أو تحميه وإذا مر بضائقة فلا يمكن للفردية المؤطرة تحت تسميات مضللة كالعشائرية أو الحزبية الجديدة أن تخرجه من ضائقته أو تعيد نهوضه وبناءه.

على الأردنيين إن كانوا حقا ضاقوا ذرعا بالزيف والنفاق والفساد والمتاجرة بالوطن والشعب أن يتخلوا عن الذهنية والمواقف الفردية في مسألة الانتخابات البرلمانيه لأن هذا الإستحقاق وهذه العملية هي الأهم في حياة الأردنيين وبها تتحدد كافة المسارات ومن خلالها تحدد أيضا بوصلة هذا الوطن وهذا الشعب ويتحدد إلى أين نحن ذاهبون جميعا وبلا إستثناء على الإطلاق.

لذلك فعلى الأردني أن ينعش ذاكرته جيدا ويتذكر أن الموقف الفردي والبحث عن مصلحة ضيقة في ممارسة الحق والواجب الدستوري بالانتخاب لم يحقق له بالنتيجة إلا هذا الضيق والاختناق العام وأنه وإن فرح لأيام بتحقيق مصلحته الفردية فقد دارت الأيام عليه وعلى ابنائه ولينظر لحاله اليوم ولكن بصدق مع نفسه ،فإذا صدق مع نفسه سيصدق بالنتيجة مع وطنه…والباقي عندكوا.

أبو عناد.

طباعة الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تنويه
• تتم مراجعة جميع التعليقات، وتنشر عند الموافقة عليها فقط.
• تحتفظ " فيلادلفيا نيوز" بحق حذف أي تعليق، ساعة تشاء، دون ذكر الأسباب.
• لن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة، أو خروجا عن الموضوع محل التعليق، او يشير ـ تصريحا أو تلويحا ـ إلى أسماء بعينها، او يتعرض لإثارة النعرات الطائفية أوالمذهبية او العرقية.
• التعليقات سفيرة مرسليها، وتعبر ـ ضرورة ـ عنهم وحدهم ليس غير، فكن خير مرسل، نكن خير ناشر.
HTML Snippets Powered By : XYZScripts.com