فيلادلفيا نيوز
(لمحة من التاريخ)
“يوم ذي قار هو يوم هزمت به العرب العجم قبل مبعث النبي محمد، حيث وقع فيهِ القتال بين العرب والفرس في ذي قار وانتصر فيهِ العرب. وكان سببه أن كسرى أبرويز غضب على النعمان بن المنذر ملك الحيرة، وقد أوغر صدره عليه زيد بن عدي العباديّ لأنه قتل أباه عدي بن زيد، فلجأ النعمان إلى هانئ بن مسعود الشيباني فاستودعه أهله وماله وسلاحه، ثم عاد فاستسلم لكسرى، فسجنه ثم قتله. وأرسل كسرى إلى هانئ بن مسعود يطلب إليه تسليمه وديعة النعمان، فأبى هانئ دفعها إليه دفعاً للمذمة، فغضب كسرى على بني شيبان وعزم على استئصالهم، فجهّز لذلك جيشاً ضخماً من الأساورة الفرس يقودهم الهامرز وجلابزين، ومن قبائل العرب الموالية له، من تغلب والنمر بن قاسط وقضاعة وإياد، وولّى قيادة هذه القبائل إياس بن قبيصة الطائي، وبعث معهم كتيبتيه الشهباء والدوسر. فلما بلغ النبأ بني شيبان استجاروا بقبائل بكر بن وائل، فوافتهم طوائف منهم، واستشاروا في أمرهم حنظلة بن سيّار العجلي، واستقر رأيهم على البروز إلى بطحاء ذي قار، وهو ماء لبكر بن وائل قريب من موضع الكوفة”
في المشهد التاريخي لمعركة ذي قار تطابق تام مع أوضاع العرب والعالم اليوم ، فكان العرب في حينه في أشد فرقة بينهم وكانوا متشرذمين لا تجمعهم هوية إلا إسم (العرب) ولكنهم قد صارت فيهم لكل قبيلة هويتها وأسمها وحتى بين بطون كل قبيلة كان الإقتتال على أي شيء ، فتلك الحقبة العربية بلغت من الشرذمة قبل الإسلام بحيث قامت فيها حرب ضروس على سباق بين فرسين (داحس والغبراء ) وحرب أخرى وبين أبناء عمومة على (جوار ناقة) ، وكان العالم في حينه خارج الأرض العربية فيه ممالك بلغت من القوة والتنظيم كدول لها جيوش جرارة ما فاق قوة (أمريكا) اليوم وبقية الدول العظمى مقارنة بحال العرب ودولهم ، ففي تلك الفترة كانت العروبة (قبائل متناحرة) واليوم هي (دول أيضا متناحرة) لكن حدثا وغطرسة لأقوى حاكم في تلك الفترة (كسرى الفرس) ورغبته في الإمعان بإذلال العرب وإستعبادهم كانت السبب في أن يذيق العرب هذا (الكسرى) وجيشه العرمم -الذي كان من سابع المستحيلات أن يهزم- هزيمة نكراء في يوم (ذي قار) لأن شيخ قبيلة (هانيء بن مسعود) قد انتصر لعروبته التي أبت عليه أن يفرط في أمانة ووديعة (النعمان) وهم أهله ودروعه وأسلحته الخاصة.
قبيلة صغيرة وشيخها الطاعن في السن ولكنها قبيلة عربية أصيلة وزعيمها لم يقبل على نفسه أن يسجل عليه بأنه (فرط في أمانة لديه)؛كانوا سببا في توحد كل أشراف العرب وتداعيهم إلى ذلك المكان في الصحراء ليحولوه إلى مقبرة لأقوى قوة في عالمهم وقتها وليجعلوا دماء الفرس تحول لون الصحراء من الأصفر إلى الاحمر الداكن عندما أراقوا بسيوفهم دماء الجيش المتغطرس ومرغوا أنف كسرى بالتراب تحت نعالهم.
الحال للعرب كان أشبه حد التطابق بالحال اليوم والقوة عند عدو متغطرس كانت ربما أكبر من اليوم قياسا بمن يقابلها من العرب والعدو نذالته وأنه لا يرعى ذمة ولا يعرف محرمات إنسانية يتطابق مع عدو العرب والمسلمين والإنسانية الذي يحكم العالم اليوم ، وسبب إشعال النخوة العربية في رؤوس فرسان العرب وأشرافها هي أمانة ووديعة أيضا يظن من لا يعرفون ولا يفهمون معنى (المباديء والمعتقدات الإنسانية وفضائل الرجال) قيمة وعظمة (صون الأمانة) حتى لو كانت (قطعة قماش) فالقيمة في المعنى عند أهل الخصال والفضائل والعقيدة المعنوية.
هي معاني وأشياء لا مادية من المستحيل أن تدركها العقول والانفس وأصحاب المباديء والمعتقدات المادية البحتة ،(فالمادية ) كما نسميها اليوم هي (إلبهائمية أو البهيمية) في تلك ذلك الزمان بأن لا يدرك الإنسان ولا يطلب إلا (حاجات البهائم) من أكل وشرب ومرعى وإشباع الغرائز الحيوانية.
يوم (ذي قار) هو اليوم العربي الانصع في تاريخ العرب الذي أعطى الدرس المكتمل بأن ( القوة فقط في العقل وفي القلب) ولا في أسبابها الأخرى (فنخوة في رأس شيخ طاعن في السن) هي آلتي هزمت أقوى جيوش ذلك العصر ، ولعل هذه الهزيمة من العرب للفرس والمقتلة التي حدثت لهم هي أول مدماك في (أحقاد الفرس على العرب) التي بنت وشكلت كيانا سياسيا يدعى اليوم (دولة إيران) فهذه دولة غطائها إسلامي ولكن جوهرها مجوسي قد راكم الأحقاد وإستراجيتها (أن يثأر الأحفاد للأجداد) .
واليوم إنها والله (نخوة في رأس هاشمي وأردني) لا تقبل التفريط في أغلى من أمانة الملك النعمان (فهي أمانة الإيمان بالإنسان وحق الإنسان وأمانة الدين والعروبة) وبإذن الله ستصنع يوما للعرب وللمسلمين أشد وطأة على الأعداء اليوم من (يوم ذي قار) على كل (متغطرس جبار) ، وإننا لمنتصرون مهما (أوغرت علينا صدور) ومهما (نفث علينا أحقاد وتكالب حساد) .
وسجل يا تاريخ…
أبو عناد/رايق المجالي في ١٥شباط/٢٠٢٥ /عمان/المملكة الأردنية الهاشمية.
