فيلادلفيا نيوز
في مثل هذه الأيام من كل عام، لا نستعيد فقط الذكرى، بل نُجدد العهد.
فالـثورة العربية الكبرى لم تكن شرارة بندقية فحسب، بل كانت إعلان ولادة نهجٍ حرّ، غايتُه التحرر من الاستعمار، وبوصلتُه الكرامة العربية. حمل الشريف الحسين بن علي، بثوبه الممهور بتراب مكة، راية النهوض من ركام الخنوع، فكانت الثورة مشروع أمة لا ثأراً آنياً، بل رؤية بعيدة لا زالت تتجدد في روح الدولة الأردنية الحديثة.
ومع ذكرى الجلوس الملكي، نستذكر مسيرة حكم تأسّست على مشروعية الثورة لا على إرث الهيمنة. فالعرش الهاشمي في الأردن لم يهبط على البلاد مظلة، بل جاء تتويجًا لنضالٍ شريف وتضحيات نادرة، جسدها ملوك تعاقبوا لا كحكام، بل كحماة لرسالة، ورسّخوا دولة العدل، وسيادة القانون، والاحترام المتبادل بين الشعب والمؤسسة.
في هذا الوطن، ليست الملكية طقسًا سلطويًا، بل عقدٌ اجتماعي وسياسي، جذوره ضاربة في دم الثورة، وفروعه تمتد نحو مستقبل تسنده الشرعية الشعبية، والوعي الجمعي، والحكمة السياسية. وفي زمن تتهاوى فيه الكيانات وتتمزق الهويات، ظل الأردن صامدًا، لأنه بُني على توازن فريد بين الإرث والمبدأ، بين القيادة والشعب.
وإذا كانت الثورة العربية الكبرى قد انطلقت لتحرير الأرض من الطغيان، فإن الجلوس الملكي، كما نعيشه اليوم، هو استمرارٌ لذلك التحرر، بحماية المنجز، والدفاع عن الكيان، والتصدي لكل ما يهدد جوهر الأمة.
فلنقرأ الحدثين -الثورة والجلوس- لا كذكريات احتفالية، بل كمسؤوليات متجددة.
وطننا لا تحكمه الصدفة، بل تسيره الرؤية.
وشعبنا لا تقوده الشعارات، بل تبصره التجارب وتشدّ أزره القيادة.
في الذكرى، لا نُصفّق بل نُفكر. لا نُجامل بل نُحاسب أنفسنا:
هل نحفظ العهد كما يجب؟ هل نمضي على خطى الثورة كما أرادها من أشعلها؟ وهل نعضّ على الوطن كما أراده من جلس على عرشه لا متسلطًا، بل ضامنًا للعدل والكرامة؟
الجواب في قلوب الأردنيين، وفي وجدان من يعرف أن الثورة ليست ماضياً يُروى، ولا الملكية ترفاً يُحتفل به.
بل كلاهما مسؤولية، وتاريخ، ووعدٌ مستمرٌّ بالحياة الكريمة، والمواقف الشجاعة، والكرامة التي لا تباع.
حفظ الله الأردن آمنًا عزيزًا، وحفظ سيد البلاد جلالة الملك عبدالله الثاني، وولي عهده الأمين الأمير الحسين، ذخراً للوطن وسندًا لشعبه، وأدام على الأردنيين وحدتهم وكرامتهم ومجدهم.
