فيلادلفيا نيوز نجعل الخبر مبتدأ
فيلادلفيا نيوز
بقلم : الدكتور محمد رسول الطراونة
في مساءٍ من المساءات، حين يكون الدفء الأسري يلف البيت، وتعلو الضحكات في أرجائه، قد تحل لحظة طارئة تختبر سرعة الاستجابة وجودة الرعاية في مؤسساتنا الصحية. هكذا كان حال أسرتنا حين سقطت شقيقتي الكبرى، فجأة، لتحصل إصابة مؤلمة نتج عنها كسر في كلا الكاحلين. في تلك اللحظة الحرجة، كان الخوف سيد الموقف، لكن سلسلة من الأحداث اللاحقة حولت هذا القلق إلى طمأنينة، وتركت في نفوسنا أعمق مشاعر الامتنان، خاصة تجاه مستشفى الأمير حمزة وأطقمه البطلة.
من اللحظة الأولى، وبعد اتصالنا بالدفاع المدني، بدأت رحلة العناية ، وصلت فرقة الدفاع المدني بسرعة واحترافية، تعاملوا مع الإصابة بحذر شديد، ونقلوا شقيقتي بتأنٍ ورفق، مما خفف من وطأة الألم والخوف، كانوا حلقة الوصل الأولى في سلسلة الإنسانية التي كنا على موعد معها.
وعند بوابات الطوارئ في مستشفى الأمير حمزة، استقبلنا شعور مختلف، لم يكن مجرد “استقبال” روتيني، بل كان ترحيباً إنسانياً يشع طمأنينة، فريق الطوارئ تعامل مع الحالة بجدية وسرعة فائقتين ، لكن دون ذرة من التكلف أو التجهم. كانت الابتسامة تعلو وجوههم، والكلمات اللطيفة تسبق إجراءاتهم، مما خفف كثيراً من رهبة الموقف على شقيقتي وعلى جميع أفراد الأسرة المرافقين، تم إجراء الفحوصات اللازمة والأشعة بسلاسة، والتنسيق مع أقسام المستشفى كان منظماً ومحكماً، مما مهد الطريق لقرار إدخالها إلى المستشفى لتلقي العلاج المناسب.
لم يكن القرار مجرد إجراء طبي، بل كان بداية رحلة من الرعاية الشاملة، تم تحويلها إلى قسم العظام، حيث بدأت رحلة علاج حقيقية قائمة على التخطيط الدقيق، كانت الإصابة معقدة وتتطلب تدخلاً جراحياً دقيقاً. هنا برز دور “أطباء خبراء” حقاً في مجالهم، شرحوا لنا حالة شقيقتي بوضوح، واطلعونا على خطة العملية الجراحية التي تطلبت مهارة عالية، مبدين ثقة كبيرة نابعة من خبرتهم الطويلة. أثناء الجراحة، كنا خارج غرفة العمليات نترقب بقلق، لكننا كنا على يقين بأنها بين أيادٍ أمينة. وبفضل الله أولاً، ثم براعة هؤلاء الجراحين وتفانيهم، تمت العملية بنجاح تام، لم تكن مجرد إصلاح عظم، بل كانت إعادة أمل في المشي والعودة للحياة الطبيعية.
ولكن قصة الرعاية لم تنته عند باب غرفة العمليات،ففي قسم العظام، وجدنا جوهر الإنسانية يتجسد في فريق التمريض،لم يكونوا مقدمي خدمات صحية فحسب، بل كانوا ممرضين وممرضات بقلوب كبيرة،رعايتهم كانت تتجاوز تنفيذ التعليمات الطبية إلى العناية بالمريضة كإنسانة. كانوا حاضرين بابتسامة صباحية تبعث الأمل، وبكلمة تشجيع تمسح الألم، وبحرص دقيق على سلامتها وراحتها. كانوا يتابعون أدق التفاصيل: من تسكين الألم، إلى مساعدتها في الحركة البسيطة، إلى مراعاة حالتها النفسية. لقد جعلوا من الغرفة الباردة مشفىً دافئاً، ومن فترة النقاهة فترة تعافي حقيقية بكل أبعادها الجسدية والنفسية.
وفي خضم هذه الرعاية المتكاملة، لا يمكن أن تمر هذه الشهادة دون وقفة إجلال وامتنان لمن كان لهم الفضل الكبير في متابعة الحالة وضمان سير العملية العلاجية بأعلى معايير الجودة. على راسهم الزميل العزيز مدير عام المستشفى، الدكتور كفاح أبو طربوش، وجوده الميداني ومتابعته الشخصية، رغم أعباء منصبه الكبيرة، لم يكن أمراً عادياً، لقد نقل متابعته لشقيقتي من خلال زيارات طمأنتنا بأن القيادة الإدارية العليا ليست بعيدة، بل هي قلب نابض يهتم بكل تفاصيل راحة المرضى ورضاهم. لقد كان قدوة في القيادة الخادمة التي تضع المريض في مركز اهتمامها.
أما الزميل العزيز، الدكتور هاني حبش ، رئيس قسم العظام، تواضعه الجم، وتواصله المباشر والواضح معي، جعلني أطمئن تماماً ،الزميل الطبيب المعالج الدكتور محمد عطية فقد كان يتابع التقدم يومياً، ويشرح لنا أدق المستجدات، ويتأكد من أن كل شيء يسير على الطريق الصحيح. حرصه لم يكن على الشفاء الجسدي فقط، بل على أن تكون رحلة العلاج كلها بتجربة إنسانية مشرفة.
بعد هذه التجربة، ندرك أن الصحة نعمة عظيمة، وأن وجود مؤسسات صحية وطنية بهذا المستوى من الاحترافية والإنسانية هو نعمة أكبر. مستشفى الأمير حمزة، بقيادة الدكتور كفاح أبو طربوش، وإدارة قسم العظام برئيسه المتميز، وجميع الأطباء الجراحين، وفريق التمريض الرائع في القسم، وفريق الطوارئ والدفاع المدني، جميعهم قدموا لوحة متكاملة من الإخلاص في العمل والرحمة في التعامل.
لقد خرجت شقيقتي وهي لا تحمل فقط شرائح ومسامير تجمع عظام كاحليها، بل تحمل في قلبها ذكرى جميلة عن مكان كان مصدر ألمها، ثم أصبح مصدر شفائها وأملها. نحن كأسرة، نهدي هذا المقال كتعبير متواضع عن امتناننا العميق الذي لا تفي به الكلمات. فشكراً لكل من ساهم في رحلتها، لقد كنتم سنداً حقيقياً في وقت الشدة، وبرهاناً على أن العطاء والإنسانية هما أساس المهنية الحقيقية.
حفظ الله بلدنا، وأدام على مؤسساتنا الصحية التميز، وأبقى كوادرها الصحية سنداً لكل مريض.
أمين عام المجلس الصحي العالي السابق
