فيلادلفيا نيوز
حدثني قبل سنوات الدكتور فاينو بورا وهو أحد أبرز الباحثين الاستونيين في الصخر الزيتي عن ضغوطات تعرضت لها استونيا من قبل الاتحاد السوفياتي عندما كانت أحد الدول الأعضاء فيه لوقف محطات توليد الطاقة من الصخر الزيتي في شرق استونيا على أن يتم تزويدها بالكهرباء من خلال محطات توليد الكهرباء من الطاقة النووية التي بنيت ذلك الوقت بالقرب من مدينة لينينغراد الروسية (سانكت بطرسبورغ حالياً)، الا أن هذه الضغوطات جوبهت بالرفض من الجانب الاستوني لاصرارهم على التزود بالكهرباء من مصدر وقود محلي على الرغم من ادراكهم أن تكلفة توليد الكهرباء من الصخر الزيتي أعلى من كلفة استيرادها من روسيا، وعندما استعادت استونيا استقلالها عن الاتحاد السوفياتي في عام 1991 وجدت نفسها ليست مستقلة سياسياً فحسب بل وجدت نفسها أيضاً مستقلة في مجال التزود بالكهرباء وأيضاً باتت تصدر الكهرباء لبعض دول الجوار وهذا ساهم بتعزيز استقلالها السياسي والاقتصادي، وهذا الاسلوب هو الأسلوب الطبيعي الذي تفكر فيه الدول التي تبحث عن مستقبل سياسي واعد لنفسها، وقد قامت المملكة الأردنية الهاشمية باتباع هذه الاستراتيجية في مرحلة من المراحل والتي أتت في استثمارات لها علاقة باستغلال الصخر الزيتي في اراضي المملكة كخيار لضمان أمن التزود بالطاقة من مصدر محلي والتخفيف من الاعتماد على مصادر الطاقة المستوردة.
في مقال سابق لي تطرقت لتاريخ الصخر الزيتي في الأردن وسوف استعير من ذلك المقال الجزئية المتعلقة بإصرار حكومة المملكة الأردنية الهاشمية في أوقات سابقة على انشاء محطة لانتاج الكهرباء من خلال الحرق المباشر للصخر الزيتي على غرار التجربة الاستونية والذي جاء بشركة (انيفيت) الاستونية (وهي شركة مختصة في انتاج الكهرباء من حرق الصخر الزيتي وانتاج الزيت الصناعي من تقطير الصخر الزيتي) والتي باشرت باجراء الدراسات الفنية والاقتصادية ذات العلاقة بالاستثمار في هذا المجال وبدخول شركة (واي تي ال) الماليزية (وهي شركة استثمارية عملاقة مختصة في توليد الكهرباء من حرق الفحم الحجري وتشغيل محطات الدورة المركبة) في ائتلاف مع الجانب الاستوني من خلال انشاء شركة عطارات للطاقة تم تعزيز التفكير بالاستثمار واتباع ذلك في عام 2010 بمباشرة المفاوضات مع الجانب الأردني وتم صياغة مسودة الاتفاقيات والتي لم ترفع لمجلس الوزراء في حينه حيث تم الاتفاق مع الائتلاف المستثمر على طرح العطاءات الخاصة بالمشروع والبحث عن التمويل لغايات تضمينها في معادلة السعر والتي تشمل كلف التعدين و البناء و التشغيل و كلف التمويل بالإضافة الى عائد معقول على الاستثمار يقل عن 10%. نهاية عام 2012 تم طرح عطاء من نوع التصميم والشراء والانشاء (EPC) لانشاء محطة توليد الطاقة الكهربائية من خلال الحرق المباشر للصخر الزيتي والذي تقدمت له عدة شركات عالمية مختصة بمثل هذا النوع من المشاريع وبعد التقييم الفني وفرز الشركات المؤهلة فنياً تم فتح العروض المالية حيث فاز بالعطاء الشركة المتقدمة بالسعر الأقل وهي شركة GPEC الصينية وكذلك تم طرح عطاء آخر للتعدين وتقدمت له عدة شركات عالمية ومحلية وباتباع نفس الطريقة في التقييم الفني ومن ثم المالي تم ارساء اعمال التعدين عى ائتلاف شركتين محلية واسترالية والذي تقدم بالسعر الأقل، في شهر كانون أول 2013 تم ارسال مقترح التعرفة الكهربائية لشركة الكهرباء الوطنية وتم البدء بالتفاوض بشفافية تامة بوجود ممثلين للحكومة من أعلى المستويات – منهم من ما زال على رأس عمله في نفس الوظيفة ومنهم من تقدم بالمنصب – وكذلك بوجود المستشارين المعيينين من قبل الحكومة ممثلة بشركة الكهرباء الوطنية. عام 2014 تم انهاء التفاوض على وثائق المشروع بما فيها سعر التعرفة وهو سعر حدي تم أخذ فيه بعين الاعتبار التكاليف الرأسمالية الفعلية وكلف التمويل وتكاليف التشغيل المتوقعة والتي لم يضاف اليها سوى العائد على الاستثمار وعرضت على ممثلي الحكومة بكل شفافية من خلال نموذج مالي وعلى أثر ذلك تم توقيع اتفاقية شراء الطاقة واتفاقيات المشروع الاخرى مع حكومة المملكة الاردنية الهاشمية بتاريخ 2/10/2014 وعلى اثر توقيع الاتفاقيات قامت الشركة باستكمال كافة اجراءات التمويل وتثبيت الاتفاق مع المقاولين الى أن حصلت الشركة على القفل المالي بتاريخ 16/3/2017. بالمحصلة، فان المتابع يجد أن المشروع أخذ وقتأً كافياً من الدراسة وتم بحثه على مدار عشرة أعوام قبل أن يبدأ رؤية النور ولم يكن وليد اللحظة ولم يكن فيه اي نوع من الغبن اذ تم التفاوض مع لجنة توجيهية برئاسة وزير الطاقة والثروة المعدنية آنذاك وعضوية كل من أمين عام وزارة الطاقة والثروة المعدنية ومدير عام شركة الكهرباء الوطنية وممثل وزارة المالية وبوجود المكتب الاستشاري العالمي المعين من الحكومة.
ما زال مشروع العطارات يتعرض لكثير من المضايقات وهذا سوف يؤدي الى تأخير موعد انتهاء المشروع وهو ما يوحي باستهداف تأخير اتمام المشروع في الوقتّ المحدد؟! فإن كانت هذه هي النية فعلاً فعلى موظفي الحكومة المعنيين بهذا الأمر الجلوس مع ممثلي الشركة وبيان ملاحظاتهم بدلاً من محاولات القصف عن بُعد بحيث تقوم الأطراف بالرجوع الاتفاقيات المبرمة والتعامل مع نصوصها.
كما زالت بعض الاقلام توظَّف أو توظِّف أنفسها لنشر معلومات مجتزئة أو غير صحيحة حول سعر التعرفة وتكلفة المشروع السنوية لغايات التشويش على المشروع و إثارة وتأليب الرأي العام ضده، حيث يتداول من خلال هذه الأقلام أن سعر بيع الكهرباء هو 105 فلسات لكل كيلو واط ساعة -علماً أنه غير مصرح للشركة بالاعلان عن السعر- وأن المشروع سوف يكبد الخزينة 200 مليون دينار سنوياً على مدى 27 عام وهذا كلام غير دقيق البتة، فربما يكون سعر بيع الكهرباء في مثل هذه المشاريع مرتفعاً في البدايات كون الشركات ملزمة بتغطية نفقاتها الرأسمالية واستحقاقت المقرضين في بداية الاستثمار الا أن سعر التعرفة سيتناقص تدريجياً مع تقدم الزمن مما يجعل الكلفة على الحكومة أقل بكثير مما يشاع. إن كان هدف الحكومة من خلال التلميح حول تخفيض الكلفة على الخزينة من خلال خفض سعر التعرفة -والذي هو سعر حدي كما أشرت سابقاً- فعليها قبل كل شيء أن تتوقف عن اعاقة العمل في المشروع ومن ثم لكل حادث حديث.