فيلادلفيا نيوز
مفهوم الدولة راسخ، أرض شعب ونظام حكم واقاليم برية وجوية وبحرية ومؤساسات، وقوانيين وتشريعات، والعلاقة الأفضل معها هي علاقة المواطنة المبنية على الحقوق والوجابات وينتج عن ذلك وطن ينتمي إليه الجميع.
القبيلة، وليس القبائلية، مؤسسة اجتماعية وحياة لها قيمها وأعرافها وجمالها، وأما القبائلية فهي سلوك سلطوي مرفوض، ولا تمت للحداثة بشيء.
لا تبدو هذه المقدمات مستساغة لدى البعض، لكن من الموجعات وطنياً، أن نعود مائة عام للحديث عن فضيلة الدولة، في مقابل حالة اللاوعي بالعودة للقبائيلة، التي تأخذ نزعة عنصرية غير قائمة على صلات الدم، بل على سلطوية فجة، وهي اشبه بالأصولية الصلبة العنيفة.
النزعة القبلية ردة عن الدولة، والدعوة لزج القبيلة في مواجهة الدولة، سلوك غير حضاري، وهي تطرف عنيف مبني على اذكاء النزعة الجهوية والعنصرية. وما يحدث احيانا أن يظهر من يجعل نفسه قائداً منتظراً ليعيد لهذا الحلف مجده الغابر الذي يعود لزمن ما قبل الدولة.
لقد جاءت اللحظة الليبرالبية الديمقراطية الوطنية الأردنية 1989 مع تحول ديمقراطي عالمي، ومع انتصار الرأسمالية العالمية التي عبر عنها فرانسيس فوكوياما في كتابه «نهاية التاريخ»، لكن تلك اللحظة الأردنية خبت بعد قانون الصوت الواحد، الذي هو معظلة التمثيل والإصلاح لما بعده من قوانيين ومجالس نيابية.
آنذاك 1989 افرزت القبائل والعشائر والاحلاف الحزبية افضل ما لديها من شبابها، حيث كانوا مسيسين بما يكفي بأن يجعل ذلك التسيس مجلس النواب، هو الأفضل في الذاكرة الجمعية، والسؤال لماذا؟
لم يكن آنذاك هناك جهد اصلاحي كما اليوم بعد ثلاثة عقود على التحول الديمقراطي، ولم يكن التعليم كما اليوم، فاليوم مؤسسات التعليم والمتعلمون أكثر، والسكان ايضاً كانوا أقل من اليوم بكثير والجامعات ومؤسسات التحديث أقل بكثير، لكننا لم نتقدم دميقراطياً.
وبرغم الانفتاح السياسي والاقتصادي عبر ثلاثة عقود، إلّا أنّ البعض يرى أنّ الماضي أفضل، إنها معظلة ليست أردنية وحسب، هنا يجب الذهاب بمساحة نقدية أكثر، ولا يعني هذا أن الديمقراطية هي الأفضل بل ربما هي الأسوأ إذا ما قورنت بغيرها كنظام حكم كما يرى تشرشل رئيس وزراء بريطانيا وقائد انتصاراتها العظيمة.
السؤال أيضاً، ماذا لو انتخبنا وانتجنا قانون انتخاب افضل من الحالي، هل سنحل مشكلاتنا في الطاقة والاقتصاد وضعف الإدارة العامة والفساد والتعليم…الخ؟ الجواب قطعاً لا. لكن المساءلة في البرلمان والسماح للبرلمان بمحاسبة الحكومات هو الذي يجعل الحياة أفضل ويقلل الغضب الشعبي على ـاخر وعود التنمية، وهو الذي يعطي للتمثيل الانتخابي قيمته.
للاسف يريد البعض اليوم العودة للقبائلية، والبعض يريد العودة لحظن القبيلة الممثلة بالدولة الأبوية، ذلك يأتي من خوف الفرد من استقلاليته التي لا تحميه فيؤ مواجهة المسائلة، بالتالي تصبح القبلية هنا حاضنة، للفرد بذاته، وبهنا للأسف أيضا تلجأ الحكومات لمرعاة ذلك الانتماء فيب حساب وماحسبة الناس، وفي التعيين والتمثيل فنقع في مطب المحاصصة.
إنّ الخوف من التغيير يسكن كثير من المجتمعات، لكن بقاء الحال من المحال هو الحتمية البشرية الكونية، وما يحتاجه الأردنيون ليس الخوض في جدل الليبرالية، من حيث خطرها ونفعها وضررها، فهذا جدل اردني بامتياز فكل من أراد الشعبوية هاجم الفكرة الليبرالبية، التي هي كفكر ونهج غير معنيه بفساد رجالنا وتأخر مصائرنا.
اليوم يحتاج الناس لما ينفعهم، وما يحدث التغيير في حياتهم، والقول بأن العشيرة والقبيلة مؤسسات اجتماعية، هذا صحيح، لكنها ليس بديلاً عن الدولة، ولا تخلق إلا القيم الخاصة بها، وهي ملاذ آمن لكل من اراد تخطي مفهوم القانون وحماية نفسه، كونها لا تعطي الرزق ولا تبني الكفاءة المهنية، ومن الشجاعة القول: إن القبيلة والعشيرة تخصنا كل واحد منا في ذاته وحمايته، لكن ليس اداة لصناعة مستقبلنا وتغيير ظروفنا وتحسين حال الوطن. ونحن إن رفعنا القبيلة فوق الدولة، فإننا نغتال الدولة بأيدينا ونذكي التطرفات.