الثلاثاء , أغسطس 19 2025 | 12:27 ص
الرئيسية / stop / د. منذر الحوارات يكتب : معركة المساعدات الأردنية

د. منذر الحوارات يكتب : معركة المساعدات الأردنية

فيلادلفيا نيوز

كان أمامي الكثير من القضايا الإقليمية لأتناولها هذا الأسبوع؛ بدءاً من تصريح نتنياهو حول «إسرائيل الكبرى»، مروراً بلقاء ترامب – بوتين في ألاسكا، إلى تطورات الأوضاع في سورية واستعصاء الحل في لبنان، كلها ملفات ساخنة تستحق الأولوية، لكني فضلت التوقف عند محاضرة الدكتور حسين الشبلي، أمين عام الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية في جمعية الشؤون الدولية، ليس لأنه كشف حجم الدعم الإنساني الذي يقدمه الأردن للأشقاء في غزة والضفة الغربية فحسب، بل لأنه أضاء على حجم العراقيل التي تضعها إسرائيل أمام وصول تلك المساعدات.

فمنذ عبور شاحنات المساعدات الأردنية جسر الشيخ حسين تبدأ رحلة التعطيل والمعاناة؛ فالتفتيش الذي لا يحتاج أكثر من دقائق يتحول إلى ست ساعات بفعل التعقيدات الإسرائيلية المتعمدة، أما داخل الضفة، فيمارس المستوطنون شتى أشكال التعطيل والابتزاز تحت أعين الاحتلال، لتصل الشاحنات بعد أكثر من ستة وثلاثين ساعة بدل بضع ساعات، ولم يقتصر الاستهداف على البر، بل طالت الحملات الممنهجة أيضًا المساعدات الجوية الأردنية، التي وُصفت زورا بأنها استعراضية رغم أنها شريان حياة عاجل لعائلات قد تعتاش على علبة فول واحدة، هذه ليست انتقادات عفوية، بل جزء من إستراتيجية إسرائيلية لتشويه صورة الأردن وتقويض إنجازه، فيما يصرّ على أداء واجبه الوطني والإنساني مهما كانت العراقيل.
لم يعد خافياً أن الأردن بات في دائرة الاستهداف الإسرائيلي المباشر، لأنه أصبح بمثابة طوق نجاة لغزة، فالثقة الدولية والإقليمية التي تحظى بها الهيئة الخيرية الهاشمية حولتها إلى «ماركة مسجلة» عالمياً في مجال العون الإنساني للمناطق المنكوبة، أما في غزة، فإنها تقف تماماً في مواجهة الهدف الإسرائيلي: “تجويع السكان تمهيداً لتهجيرهم”، وهذا ما يجعل ما تقوم به إسرائيل ليس مجرد عرقلة سياسية، بل “بغضا إستراتيجيا” لدور الأردن الذي يُثبِّت أهالي القطاع على أرضهم، وفق ما ذكره الدكتور الشبلي، فإن إسرائيل تمارس سياسة يمكن تسميتها بـ”هندسة التجويع” فهي لا تمنع المساعدات كلياً، بل تتحكم في مسارها وزمنها وطريقة توزيعها، إذ  تدخل الشاحنات تحت رقابة مشددة، وتُترك لتُنهب أمام العالم، بينما تُشن في الوقت نفسه حملة تشويه ضد المؤسسات التي تحاول التنظيم، وفي مقدمتها الهيئة الخيرية الأردنية.
لماذا تفعل إسرائيل كل ذلك؟ الجواب ببساطة: لأن الأردن حين ينقذ آلاف العائلات من الجوع لا يقوم بعمل إنساني فقط، بل بعمل سياسي هدفه تعزيز صمود الغزيين على أرضهم، وهذا ما تسعى إسرائيل إلى تقويضه، إنها لا تريد أن يرتبط اسم الأردن بالإنقاذ، بل بالفوضى والاتهامات، حتى يفقد مصداقيته ويصبح متهما بدل أن يكون منقذاً، لهدف قادم في ذهن قادتها، فهم يدركون أن كثيراً من الأردنيين لهم أقارب في غزة، وبالتالي يراهنون على أن يظهر الأردن مقصراً في أعينهم لغايات مستقبلية، كما تسعى إلى إفقاد الشركاء الدوليين ثقتهم في قدرته، فلا يعودون للتعاون معه، وفي الوقت الذي تُعرقل فيه شاحنات الإغاثة، تمر شاحنات التجار بسهولة تامة، لتُباع بضائعها في الأسواق بأسعار خيالية، هذا التمييز المقصود ليس صدفة، بل سياسة مدروسة تهدف إلى زرع الهزيمة في نفوس الفقراء، وإقناعهم أن الهروب أشرف من الصمود، بمعنى آخر، فإن عرقلة الجهود الأردنية ليست تفصيلًا إدارياً، بل جزء من حرب إسرائيلية شاملة تستهدف ضرب الأردن وغزة معاً.
رغم كل ذلك، يملك الأردن ما يفاخر به: إنقاذ الأرواح وصون كرامة الأهل في غزة عبر الصمود والبقاء، قد يرى البعض أن على الأردن أن يتجاوز الإغاثة إلى مواقف سياسية أو عسكرية، لكن الواقعية تفرض حدوداً صارمة، وأي مغامرة في هذا السياق ستكون انتحاراً لا دعماً، ومع ذلك، فإن إنقاذ طفل من الموت جوعاً سواء كان براً أو جواً، هو فعل مقاومة في ذاته، ومن يقف ضد هذا الدور يلتقي موضوعياً مع الهدف الإسرائيلي: قتل الغزيين أو تهجيرهم.
بالنتيجة فإن إسرائيل لا تحارب الأردن بالسلاح المباشر، لكنها تعمل على تشويه دوره وتكسير صورته كفاعل إنساني موثوق، لأنها تدرك أن ما يقوم به الأردن اليوم سيبقى ورقة قوة في المستقبل، ولذلك تُخطط لإضعافه، وبينما تهندس إسرائيل للجوع، يقاوم الأردن بهذا الدور الإنساني النبيل، ممثلًا بالهيئة الخيرية الهاشمية، إن الدفاع عن هذا الدور ليس واجبًا أردنياً فقط، بل واجب فلسطيني وعربي ودولي، فالمعركة ليست على الشاحنات وحدها، بل على الوعي وكرامة الإنسان وحقه في الغذاء والبقاء على أرضه، بالتالي فإن كل من يشتركون في هذه الحملة الظالمة يلتقون مع إسرائيل في هدفين، الأول إضعاف صمود أهل غزة والثاني تهيئة المناخ الأردني لأهداف إسرائيلية مستقبلية.

طباعة الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تنويه
• تتم مراجعة جميع التعليقات، وتنشر عند الموافقة عليها فقط.
• تحتفظ " فيلادلفيا نيوز" بحق حذف أي تعليق، ساعة تشاء، دون ذكر الأسباب.
• لن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة، أو خروجا عن الموضوع محل التعليق، او يشير ـ تصريحا أو تلويحا ـ إلى أسماء بعينها، او يتعرض لإثارة النعرات الطائفية أوالمذهبية او العرقية.
• التعليقات سفيرة مرسليها، وتعبر ـ ضرورة ـ عنهم وحدهم ليس غير، فكن خير مرسل، نكن خير ناشر.
HTML Snippets Powered By : XYZScripts.com