فيلادلفيا نيوز نجعل الخبر مبتدأ
فيلادلفيا نيوز
يولد الإنسان على الفطرة؛ صفحةًد. سعود ساطي السويهري يكتب :
حين تنحرف الفكرة عن الفطرة بيضاء نقية، وعقلاً متوازنًا، وروحًا تميل إلى الخير والعدل والرحمة. فطرته الأولى تحب الحياة وتكره الإقصاء، تبحث عن الحقيقة دون أن تحتكرها، وتؤمن أن الاختلاف زينة الوجود لا عيب فيه. غير أن تقلبات الواقع، وضجيج الصراعات، وضباب الجهل والانغلاق، قد تُعكر صفاء هذه الفطرة، فتبدأ رحلة الانحراف عن خط الوسط.
إنّ التطرف لا يولد فجأة، ولا يبدأ بسلاحٍ أو بشعارٍ صاخب، بل يولد في صمتٍ داخل النفس، حين يختار الإنسان أن يُغلق نافذة الحوار، ويُطفئ نور التسامح في قلبه. في تلك اللحظة، تتحول الفكرة من وسيلةٍ للفهم إلى وسيلةٍ للحكم، ومن سبيلٍ للوعي إلى سجنٍ من التعصب.
تبدأ القصة دائمًا ببذرةٍ صغيرة: فكرة مشوشة، أو ظلم غير مفهوم، أو إحباط يتسلل إلى الداخل.ثمّ يجد الإنسان نفسه يبحث عن يقينٍ مطلق يُسكِت اضطرابه، فيجد في الفكر المتشدد ملاذًا زائفًا يمنحه شعورًا بالانتماء والقوة. لكنه في الحقيقة لا يدري أنّه فقد ذاته حين سلّم عقله لغيره، وأنّ التطرف ليس قوةً في الإيمان، بل ضعفٌ في الفهم، وهروبٌ من التفكير.
تؤكد الدراسات النفسية أنّ المتطرف يعيش غالبًا حالةً من التناقض الداخلي، بين خوفٍ من العالم ورغبةٍ في السيطرة عليه.
يبحث عن هويةٍ في عالمٍ مُربك، فيتشبث بأفكار جامدةٍ تمنحه وهم الثبات. لكنه كلّما ازداد تشددًا، ازداد اغترابًا عن الناس وعن نفسه.
إنّ انحراف الفكرة عن الفطرة لا يحدث دفعةً واحدة، بل هو تراكم بطيء من الانغلاق، والرفض، والبحث عن أمانٍ في الظلام.
ولهذا فإنّ المواجهة الحقيقية للتطرف لا تبدأ في السجون أو المحاكم، بل في العقول والقلوب، حين يتعلم الإنسان أن يشكّ ليفهم، لا ليهدم، وأن يختلف ليبني، لا ليعادي. العودة إلى الفطرة هي العودة إلى الاعتدال، إلى التوازن، إلى صوت الضمير الإنساني الذي يقول: الحق لا يُحتكر، والإيمان لا يعني الكراهية، واليقين الحقيقي لا يُخيف، بل يُضيء. فكل تطرفٍ يبدأ من فكرةٍ انحرفت عن فطرتها،
وكل اعتدالٍ يولد من قلبٍ عاد إلى نوره الأول…
إستشاري العلاج النفسي
