السبت , ديسمبر 6 2025 | 1:58 م
الرئيسية / stop /  د. سعود ساطي السويهري يكتب : التعفُن الدماغي

 د. سعود ساطي السويهري يكتب : التعفُن الدماغي

فيلادلفيا نيوز

انتشر مؤخرا مفهوم التعفن الدماغي، وكان مصطلح العام لعام 2024 م، وفقا لجامعة أكسفورد، والحقيقة أنه كما ينمو التعفن على الأشياء، فإن الدماغ أيضا يناله جزء من التعفن، بحيث تصبح الأفكار أقل جودة ورداءة، وتتراجع العديد من العمليات المعرفية، وأولها الأفكار والتركيز والانتباه واليقظة.
والتعفن الدماغي مفهوم غير طبي، عبارة عن خمول أو تدهور في القدرات العقلية؛ يعزى إلى نمط غير صحي من الاستخدام المفرط للحياة الإليكترونية، والمحتويات التافهة وغير المفيدة، والانجراف وراءها بشكل لا إرادي يُغيّب ويستنزف العقول، وله تأثيرات سلبية على الناحيتين العقلية والنفسية، وهو وليد الحياة الافتراضية التي تلقي بظلالها وأضوائها على المراكز العصبية في الدماغ، فتحدث استثارة زائدة، واستنزاف عصبي وعُصابي (نفسي)، وقلة نوم، واستغراق زمني ومكاني، خارج نطاق الزمان والمكان.
ولنذهب في رحلة قصيرة في عالم التعفن الدماغي، والتأثيرات السلبية على العقل، ولنرى كيف يسرق التعفن الدماغي روحك وعقلك ونفسك، فعند الاستخدام المفرط للتكنولوجيا يصبح العقل سجنا، ويكون أكثر تعطلا، ويكون الدماغ أكثر تركيزا للمحتوى السطحي والمشتت، وأقل قدرة على الانتباه للمثيرات المحيطة، وانخفاض الإبداع؛ مما يؤدي إلى الإرهاق العقلي، وضعف الذاكرة، وزيادة القلق والضيق النفسي، والتعلق العصبي المضطرب للآلة ومحتواها، ومن هنا يمكن القول بأنها رحلة تدفق في الإطار السلبي المهلك للدماغ، ونسيان الذات في ظلمات الإدمان الرقمي، الذي ينشر بكتيريا وفطريات نفسية سامة ومدمرة؛ تعمل على تحلل القدرات العقلية، نظرا للتأثيرات التي يمارسها الاستخدام المفرط للمحتوى الرقمي من ألعاب إليكترونية، والتطبيقات التي لا تحفز الدماغ بشكل إيجابي.
وعن تأثيرات التعفن الدماغي فهي كثيرة ومتعددة، ومنها :
التدهور في القدرات الدماغية، والتأثير على النواحي والقدرات المعرفية والأكاديمية والمهنية والاجتماعية والإنتاجية، وكذلك تأثيرات الحالة الجسدية، ليس فقط من الناحية الإنتاجية والعمل، بل أيضا من خلال زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والسمنة، والعديد من الأمراض المرتبطة بنمط الحياة غير الصحي.
ولمواجهة هذه المشكلة يتعين اتباع مجموعة من الاستراتيجيات للكبار والصغار على حد سواء، فالتكنولوجيا تؤثر على العقول دون النظر إلى عُمر أو حالة أو غيرها، ومن هذه الاستراتيجات :
– الوعي بحقيقة التعفن الدماغي، والفطنة للتأثيرات السلبية له.
– التقليل من استخدام الشاشات، وترشيدها بشكل مناسب، واستخدام أنشطة بديلة غير رقمية.
– اتباع نظام مناعة يعزز من إعادة إحياء العقل؛ من خلال التحفيز الإيجابي للعقل وتنميته من خلال القراءة، وتعلم مهارات جديدة، كبدائل تحل محل سلبيات التكنولوجيا.
– إدارة الوقت بشكل احترافي، وتنظيم المهام والأوقات؛ والنوم الكافي من خلال الحصول على قسط معقول يحفز الدماغ، ويجدد النشاط، ويعيد تهيئة النفس لاستقبال الجديد.
– الاندماج الاجتماعي؛ من خلال التفاعل والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية.
– اتباع نمط حياة صحية من حيث الطعام والحركة والنشاط الرياضي.
– الاسترخاء والتأمل، والخروج للطبيعة، وممارسة هوايات محببة.
– ممارسة نشاط ذهني إيجابي مثل حل الألغاز.
– في الحالات الشديدة يفضل اللجوء للمختصين، على سبيل المثال: أخصائي في علم الأعصاب؛ للحالات التي تعاني من أي أعراض عصبية، وأخصائي التغذية، الذي ينظم ويوفر نظام غذائي يدعم صحة الدماغ، وكذلك الأخصائي النفسي الذي يرسم الطريق لحياة نفسية أفضل تعزز من القدرة النفسية على مجابهة الإدمان الرقمي، وتفهم الذات والشخصية.
وأخيرا؛ ينبغي التذكير بأن صحة الدماغ لا تساهل ولا تكاسل تجاهها، فالدماغ هو المسؤول عن سائر أعضاء الجسم، وهو بمثابة القائد للأتباع، وأي خلل يصيبه يعطل ما تبقى من أعضاء، فمحاولات إيقاف تعفن الدماغ، وتعزيز إنتاجيته، ووضع الحدود للإفراط الرقمي ضرورة لا تهاون فيها، وخصوصا لدى الصغار ..

طباعة الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تنويه
• تتم مراجعة جميع التعليقات، وتنشر عند الموافقة عليها فقط.
• تحتفظ " فيلادلفيا نيوز" بحق حذف أي تعليق، ساعة تشاء، دون ذكر الأسباب.
• لن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة، أو خروجا عن الموضوع محل التعليق، او يشير ـ تصريحا أو تلويحا ـ إلى أسماء بعينها، او يتعرض لإثارة النعرات الطائفية أوالمذهبية او العرقية.
• التعليقات سفيرة مرسليها، وتعبر ـ ضرورة ـ عنهم وحدهم ليس غير، فكن خير مرسل، نكن خير ناشر.
HTML Snippets Powered By : XYZScripts.com