الأحد , ديسمبر 22 2024 | 9:36 م
الرئيسية / كتاب فيلادلفيا / د. سعود السويهري: دور الوالدين في تشكيل شخصية الأبناء

د. سعود السويهري: دور الوالدين في تشكيل شخصية الأبناء

فيلادلفيا نيوز

إن أساس استقرار المجتمع يبدأ في استقرار الأسرة التي تُعد وسيطة المجتمع للحفاظ على معاييره، وهذا الاستقرار والطمأنينة النفسية تعد من أهم العوامل في تشكيل شخصية الأبناء والتأثير عليها، وحرصت الشريعة الإسلامية على سلامة هذه النواة من خلال تأدية كل فرد فيها لدوره على أتم وأحسن وجه، فقال عليه الصلاة والسلام: “كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ.. وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ.” (متفق عليه)

وقال: “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي” (رواه الترمذي وابن ماجه).

وقد اهتم المجتمع الغربي بالأسرة خاصة في العقود الأخيرة بعد ظهور العديد من المؤشرات التي تدل على انهيار هذه المنظومة، ويقول المفكر الاجتماعي الفرنسي “إيميل دوركايم”: “يزداد المرء تعرضًا لخطر الانتحار كلما انفصمت العُرى التي تربطه بجامعة أيًّا كانت، أي كلّما أوغل في الحياة الأنانية، فحرص المرء على حياته يزداد أو ينقص تبعًا لاندماجه في جماعة منزلية، وتبعًا لتركيب تلك الجماعة.”

وأوضح عالم الإنسان “جورج ميردوك” في دراسته عن البناء الكلاسيكي أن للأسرة أربعة وظائف في معظم المجتمعات التقليدية:

1 –     تنظيم النشاط الجنسي، إذ لا يوجد مجتمع يترك لأفراده هذا النشاط متاحًا دون ضوابط.

2 –     وظيفة الإنجاب، ومسؤولية استمرار الحياة.

3 –     التنشئة والتربية، إذ أن الإنجاب وحده لا يكفي، فالأطفال يحتاجون لعناية بدنية ونفسية، وتوضيح المعتقدات والقيم والأخلاقيات، وتنمية المهارات.

4 –     الوظيفة الاقتصادية، فهي مسؤولة عن توفير الحاجات الأساسية لجميع أفرادها.

وللأسرة دور كبير في تعزيز الأمن الفكري للأبناء؛ فهي البيئة الأولى التي يَتلقى فيها الأبناء جميع السلوكيات والقيم والأخلاق والثوابت، وعلى عاتقها يقع الدور الكبير في وقاية أبنائها من جميع أشكال الانحراف الفكري، وتعزيز المناعة الفكرية لديهم منذ طفولتهم، لينشؤوا قادرين على مواجهة التحديات الفكرية وخاصة في ظل الانفتاح العالمي على كافة الثقافات والتوجيهات المختلفة.

كما أنها تقوم بعملية التنشئة الاجتماعية لإدماج الأبناء في الإطار الثقافي العام لمجتمعهم، عن طريق إدخال التراث الثقافي في تكوينه، ويؤدي ذلك إلى اكتساب الطفل لغته، وعاداته، وعقيدته، ويتعرف على طرق التفكير السائدة، والأفكار والمعتقدات وأساليب السلوك القيّم الاجتماعية في مُجتمعه، وتصبح من مكونات شخصيته التي تؤثر على حياته مستقبلاً.

وغياب المسؤولية الاجتماعية لدى الزوجين، وجهلهم بأدوارهم التربوية، قد يؤدي إلى إفساد الطفل وتنشئته بشكل غير سوي؛ إذ أن عملية التربية تتطلب وعيًا وجهدًا ومثابرة وعطاءً مستمرًا، فالأعباء المادية تعتبر أمرًا هينًا مقابل الأعباء الذهنية والنفسية المطلوبة من الوالدين، ولكنها وإن كانت عملًا شاقًا فمن رحمة الله أنها مشقّة نافعة، وبأنها غرسٌ يجني الوالدين أُكله لاحقًا.

ومن أعظم هذه الثمار:

1 – اكتساب المربّين للعديد من الفضائل والصفات الجيدة، التي لم يكونوا ليكتسبوها لولا خوضهم في ميدان التربية، ومنها الصبر، وضبط النفس، والتغاضي عن الأخطاء.

2 – تَخلّي المُربّين عن العديد من عاداتهم السيئة حرصًا منهم على صحة وسلامة أبناءهم، ورغبة منهم في أن يكونوا قدوة حسنة، فقد يقلع الأب عن التدخين خوفًا على صحة أبنائهم، أو تحرص الأمهات على أداء الصلاة في وقتها لتشجيع أطفالها على ذلك.

3 – زيادة الثقافة إجباريًا، إذ لا مناص ولا مهرب للوالدين من أسئلة أبناءهم الفضولية.

4 –    أجرٌ بعد انقطاع العمل، ففي الحديث الصحيح: “إذا مات ابنُ آدمَ انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقةٍ جارية أو علم يُنْتَفَعُ به أو ولدٍ صالح يدعو له” [مسلم].

فكن على قدر المسؤولية، واشكر الله على النعمة التي حباك إياها؛ ليكون أبناءك صدقة جارية لن يخفى أثرها عليك في الدنيا والآخرة.

 

بقلم د سعود ساطي السويهري

 

 

طباعة الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تنويه
• تتم مراجعة جميع التعليقات، وتنشر عند الموافقة عليها فقط.
• تحتفظ " فيلادلفيا نيوز" بحق حذف أي تعليق، ساعة تشاء، دون ذكر الأسباب.
• لن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة، أو خروجا عن الموضوع محل التعليق، او يشير ـ تصريحا أو تلويحا ـ إلى أسماء بعينها، او يتعرض لإثارة النعرات الطائفية أوالمذهبية او العرقية.
• التعليقات سفيرة مرسليها، وتعبر ـ ضرورة ـ عنهم وحدهم ليس غير، فكن خير مرسل، نكن خير ناشر.
HTML Snippets Powered By : XYZScripts.com