فيلادلفيا نيوز
الأستاذ الدكتور اخليف الطراونة
في ذاك الزمان الذي عاش فيه الآباء والأجداد، كان الجميع فيه يتنافسون على الخدمة والكرم والطيب وفعل الخيرات، وكانوا يعملون كالبنيان المرصوص يشد بعضهم أزر بعض، فكانت كل أيامهم هدأة بال وخير وبركة.
وعندما يغفل أحدهم عن السؤال عن الآخر أو يقصر في عمل شيء تجاهه، فغالبا ما كان يقوم الآخرون بإنجازه نيابة عنه دون منة أو إشعار بالقصور، فكانت أخوتهم وتعاضدهم مع بعض مضربا للمثل وعنوانا لمحبتهم وألفتهم ، يزين هذه العلاقة بُعدها عن النفعية؛ والجدلية؛ والخصام.
لقد كانت حقا أيام بركة وهناء، يتعاون الناس فيها على الحصاد والبناء، ويتشاركون في إقامة أفراحهم، ويضمدون أحزانهم وجراحهم بالمحبة والتشارك، بالرغم من ضيق ذات اليد عند البعض، ومن قساوة العيش عند الكل، حيث لم يكن هناك أي وسيلة من وسائل الترفيه الحديثة أو قنوات تواصل كما هو حالنا اليوم.
نحن اليوم، أبناء هذه النُخبة الصالحة من الأهل والعزوة والعشيرة، الآباء والأجداد تغمدهم الله بواسع رحمته، لدينا كل سبل ووسائل الراحة وتقنياتها، وانخرطنا في التعليم العام والجامعات على اختلاف مسمياتها وطبيعة تخصصاتها: محليا؛ وعربيا؛ ودوليا، وبدلا من حُسن توظيف واستخدام هذه الوسائط التقنية وقنوات التواصل الاجتماعي- أصبح بعضنا يستخدمها كقنوات تناحر اجتماعي، يُعظم من خلالها السلبيات، ويقلل من شأن الإيجابيات، وينكر كل قنوات الخير الممدودة ويبث كل أشكال الطاقة السلبية، ويفرق بين الأزواج والأشقاء وأبناء العمومة الواحدة، وينفث سموم الحسد والغيرة والبغضاء والشحناء في كل اتجاه بقصد أو بغيره.
البعض يكتب ويشتم، ولا يرى غير النصف الفارغ من الكأس، والبعض الآخر يعارض من أجل المعارضة والمناكفة فقط حتى يجلب الانتباه إليه من أجل منفعة شخصية أو إبراز دور أو للشعور بحظوة معينة.
لم يسأل الآباء والأجداد ماذا عمل فلان أو علان؛ لأن الجميع يتنافسون على الخدمة، وعند انتهاء المهمة يشعرون كلهم بالفرح الغامر والسرور على نعمة الإنجاز، لأن قلوبهم عامرة بالمحبة والخير.
أما نحن الأبناء، فمطلوب منا يومياً تقديم كشف إثبات على ما يقدم الواحد منا، ويخضع الكشف للتضليل أو التقليل أو التبخيس، ثم يطل أحدنا بالقول إن الأجداد عملوا ولم يطلبوا الشكر من أحد ولم يمن علينا أحدهم بما قدم.
لله درهم أجدادنا وآباؤنا : كيف كانت أخوتهم وصلة أرحامهم ناصعة نقية كنقاء سرائرهم وطيبة قلوبهم!
أما – نحن أبناءهم- فإن قدم أحدنا خدمة لله شككنا في نواياه، وإن قدم خدمة عامة – قلنا هذا واجب الحكومة، فلماذا يقوم بها فلان لولا أن لديه مصلحة عند الدولة أو عند العامة، إن ساعد محتاجا أو فقيرا، قلنا هذا شراء طاعة أو غيره من المصطلحات الدارجة البعيدة كل البعد عن روح الأخوة والمحبة وعن الواقع والحقيقة، وإن أجاب عن السؤال الدائم : ماذا قدمت؟ ، يقال من يقدم يجب أن لا يمن على الناس مثلما كان يفعل الأجداد …..
نعم صحيح إن من أهم واجبات الدولة تأمين كافة الاحتياجات لأبنائها، وعلى رأس هذه الأولويات إيجاد فرص العمل؛ وتوفير العيش الكريم لهم ؛ وتأمين الصحة والتعليم للجميع، وحسن إدارة المرافق العامة وصيانتها… ولكن في المقابل أيضاً تقع على عاتق الأغنياء وأصحاب الشركات وأصحاب الفكر مسؤوليات اجتماعية حيال مجتمعاتهم ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الرسمية، في حال حاجتها للدعم والمساعدة المادية أوالمعنوية.
العمل بروح الفريق وتضافر الجهود والتنافس لتقديم خدمة للناس، وتعزيز القيم الإيجابية، والشكر على القليل، وتعظيم الإنجاز، هي أمور من شأنها ترسيخ مظاهر الأخوة والمحبة، وتعزيز اللحمة بين الناس، وإعادتنا إلى أيام الخير والبركة.
رحم الله الآباء والأجداد ، وهدانا الله، سبحانه وتعالى، جميعاً إلى ما يحب ويرضى ، وجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم لا تحرمنا أجر آبائنا وأجدادنا، ولا تفتنا بعدهم، إنك عليم سميع مجيب الدعاء.