فيلادلفيا نيوز
لطالما كان الفن والإعلام والدراما هو الوسيلة والأداة الحديثة والمتطورة في النقل والإخبار والإرتقاء في ذائقة الأفراد والمجتمع على مر العصور … على اختلاف أشكاله وأنواعة وسياقاته… وفي عصر العولمة والحداثة والتكنولوجيا والوسائل الاتصالية يعتبر الفن والدراما والسينما والبرامج المتلفزة والمصورة والتي ينفق في إنتاجها آلاف الدنانير علامة على قوة وقدرة هذه الأعمال على التأثير في المتلقي والمتابع والمدقق والمتأثر فتنعكس ضخامة هذه الأعمال على سلوكه ونشاطه اليومي، وتُختزل في نمط شخصيته القادم…
وعلمياً في إطار العلاقة بين وسائل الإعلام ومدى تأثيرها على الفرد والمجتمع والجماعات المختلفة فهي نتيجة حتمية لا بد منها ولكن اختلف المنظرين والعلماء في مدى وجدلية هذه العلاقة وقوة التأثير المتبادل فبعض النظريات ركزت على التأثير القوي والمطلق لوسائل الإعلام وهي التي تسمى ب (سلطان الإعلام أو الطلقة السحرية)، وهناك نظرية التأثير الإنتقائي أو المحدودية التي تبين أن هناك العديد من العوامل التي تدخل ضمن آليات هذا التأثير، وهناك نظرية ثالثة فسرت العلاقة التفاعلية والتأثيرية بالإعتدال والوسطية… وفي كل الحالات أو النظريات آنفة الذكر نركز على وجود هذه العلاقة وديمومتها الواضحة والصريحة.
ولعل جيل الشباب والمراهقين والأطفال أيضاً هم الفئة الأكثر عرضه وتفاعل وانسجام مع هذه القوى والتوحد في سياقاتها المختلفة كنتيجة لعملية التفاعل والإنصهار التام في العالم الإفتراضي معتبرين بأن هذه البرامج والصور والأشكال هي النموذج أو الشكل اللائق والمقبول، وهو الموجه في ضبط بوصلة حياتهم وتطوير ذواتهم ضمن عملية القولبة والإندماج… وهنا تكمن الخطورة في أن يصبح جيلنا القادم مختزل لكل ما يُعرض عليه على اعتبار بأنهُ المثال الطبيعي والذي لا بد من تقليده أو الاعتماد عليه في المستقبل عند بناء العلاقات والقيام بالنشاطات أو هو مصدر الحقيقة الكلية التي تبنى عليها تراكمية المعرفة اللاحقة في تشكيل السياق الفكري والاتجاه العام والرأي والإيمان بالمنظومة الفكرية والفلسفية العليا وغيرها.
وهذا ما نشهدهُ اليوم بما يُقدم من بث متواصل على الفضائيات والقنوات الإعلامية ومواقع التواصل الجديدة والتي خلقت حالة من الفوضى المنظمة والمدسوسة والمزيفة في أحيان كثيرة لعقول أبنائنا لتشكيل ما تريده هي في برمجتمهم وترسيخ اعتقاداتهم والعمل على انسلاخهم من حقيقة موروثهم العظيم وبنائهم الأخلاقي إلى منظومة جديدة من الفراغ الثقافي، والعنف الممنهج، والواقع المزيف، والحقائق المقلوبة، وحالة من التضليل والضبابية غير معروفة الخواتم والنهايات…
وهنا نضرب العديد من الأمثلة والبرامج والمسلسلات التي تعرضها أقوى هذه الفضائيات حيث اجتاحتنا بالإضافة للوبائيات الحقيقية المرضية والكورونية… طفيليات فكرية وأيديولوجية وتطبيعية تعمل ضمن منهج منظم ومدروس يهدف لإحلال حقائق مزيفة، وأفكار هلامية، وصرخة تطبيعية، وإدارة فكرية صنعت من نموذج العدو الدائم صديقاً مقرباً، ومن الاحتلال إلى الاحلال، ومن الظلم والاعتداء والقهر إلى الدفاع والبطولة والسلام، لتقدم لنا نماذج مقلوبة، غريبة، ملتوية، معكوسة، متدنية على أن لها جوانب ووجوه أخرى غير التي اعتدنا عليها وتلوثنا بنتانتها وانغمسنا تحت وطأة ظلمها واعتدائها… وبقدر ما تعددت الأبواق وهتفت لمغتصبيها ستبقى الحقيقة قائمة، جلية، لا تحتاج إلى هذا المستوى الرخيص من الهشاشه والسطحية والدونية وملخصها بأن فلسطين عربية إسلامية والقدس هي العاصمة الأبدية لكل الشرفاء والنبلاء والفرسان… ولن تعود إلا بمجدهم وبطولتهم والتفافهم.
وفي ذات السياق نقدم مثالاً آخر
كنموذج مستحدث من السخرية والاستخفاف الممزوج بالعنف والإيذاء، بل والتمتع والمتفنن في تعذيب الضيوف على شكل شيطان دموي منفر الشكل والمضمون والهيئة يتلذذ ويستمتع في شكل مسرحي مبتذل وسخيف لا يحمل أي قيمة أو هدف ليبتزنا كمشاهدين فنقدم ضحكة صفراء خالية من الروح ومليئة بالحزن على واقع مرير وصعب وقاهر ومؤلم… والأدهى من ذلك هو حالة الاستخفاف العام في عقول الجماهير على اعتبار أن ما يحدث هو كاميرا خفية غير مرتب لها، وقد مللنا هذا الاستهتار الطويل من تلك القناة وهذا البرنامج ونحن نعرف تماماً أننا أمام مسرحية سوداء بلهاء الكل يمارس دوره ويقبض راتبه ويملأ جيوبه على حساب وقتنا ومتابعتنا ومشاعرنا بالإضافة إلى مستوى متدني ومبتذل من طريقة الكلام والحوار والتعليقات… ونحن في ظل شهر كريم وعظيم ننادي فيه بالزهد والورع والاتكاء على الدعاء والاقبال على الله، وفي أزمة عاصفة بكينونة البشرية من الوباء والرجاء لإزاحتها عن كاهلنا بكل لطف وسلامة… وهنا نتسائل عن كينونة هذه البرامج التي يروج لها وقد هدمت كل ما ننادي به من الأخلاقيات العامة، والأعراف، والآداب والحقوق والتاريخ… وكل ما أكدت عليه الإتفافيات والمواثيق الدولية في نبذ ثقافة العنف والتنمر واحترام حقوق الانسان… وأين هو دور المنظمات والجمعيات والمؤسسات الدولية في التصدي لمثل هذه البرامج التي تروج لثقافة الترويع والتعنيف والتعذيب على اعتبار أنها وسيلة للمزاح والهزل واللعب والاستمتاع؟؟؟
وفي ذات الإطار وعند الولوج في عالم الدراما الرحب لم نشهد أي عمل درامي جريء وقوي يتناسب مع الذوق العام يعيد لنا أي قيمة دينية أو خلقية أو تاريخية أو فكرية أو حتى بعض الكوميديا السوداء التي قد تملأنا بالبهجة أو المتعة، بل على العكس تيار من الضخ المتواصل الذي لا نستطيع معه إيقاف وتوجيه زر التحكم (الريموت) عنده لنتوقف ونهلل قليلاً أو نستجمع بعض ما فاتنا أو نستحضر بعض ما سيأتينا أو بعض الشيء من الذكريات القديمة…
#فذكر_إن_نفعت_الذكرى..
وختاماً أقول …
لا حول ولا قوة الا بالله… الله كريم ورمضان مبارك… علنا في العام القادم نشهد نماذج أفضل وأرقى وأقوى تحترم الذوق العام وتقدر قيمة ما وصلنا إليه وتقدم وجبة حقيقية دسمة بعيداً عن الإسفاف والإبتذال والهبوط والدونية، بعيداً عن الاحتفاء بالهشاشة والسطحية والرجعية والتطبيعية…
والله الموفق.
د. ابراهيم أحمد العدرة
الجامعة الأردنية.
ما شاء الله عليك يا دكتور مش جديد انك مبدع ورائع
ودايما بتعبر عن مشاعرنا وبتقول الحق وبتعبر عنه
فعلا ?كل كلمة صح والله
مبدع دكتورنا ??♥️
الدكتور المبدع الرائع سلمت هذه الأنامل والله يعطيك العافية?