فيلادلفيا نيوز
تعتبر المقلوبة أبرز الطبخات في مجتمعنا الأردني لما لها من أهمية وسحر خاص نتيجة لخلط مجموعة من المكونات الكثيرة ثم قلب كيانها رأساً على عقب فأصبحت رمزاً للشبع والنهم.. ومع الزمن انتقل هذا السحر العجيب إلى باقي أنماط حياتنا الإجتماعية والثقافية والفكرية لنقف مقلوبين أمام العديد من الخلطات والمكونات.. ولكن المفارقة هنا كانت بأنّ مذاقها لا يشبه سحر المقلوبة الأم، وكيانها ليس كتلك لهُ معنى وتقدير وهيبة..
بل على عكس كل ذلك جاءت الطبخة الجديدة لتتحول من أكلة إلى صرعه، ومن مقلوبة إلى مقلب، وكأنهُ أكبر المقالب في حياتنا.. فعندما قلبنا المفاهيم انقلبت بنا المقادير، وعاكسنا التقاليد، وأقصينا القيم، وغيرنا أثوابنا لنلبس أثواباً ليست من مذاقنا ولا من رائحتنا.. اليوم إنقلبت بنا الدنيا لنتعاكس مع ذواتنا، ونتصارع في كياننا، ونتناقض مع مجريات وممارسات سلوكنا.. فكما فعلت الحمامة التي قلّدت الطاووس فلا هي بقيت حمامة ولا مع التكرار أصبحت طاووساً بل بقيت معلقة بين الحالتين، وتماهت مع كائن آخر حرمها من ممارسة ذاتها النقية والأصيلة وضلت تندب حظها طويلاً، وهكذا تمضي بنا السُبل، فلا المدارس أصبحت للتعليم، ولا الجامعات للمعرفة، ولا المساجد للعبادة، ولا الزواح للسكينة، ولا الصداقة للألفة، ولا العمل للإنجاز، ولا الترفيه للمتعة، ولا، ولا، ولا..
كل تلك المفاهيم أصبحت متداخلة، متضاربة، متناقصة كما هي مقلوبتنا الأم.. ولكن في الأولى الحل بسيط قد نكتفي بإلقائها بعيداً إذا لم تعجبنا، أو لم ترقى لذائقتنا أما مقالب حياتنا، وتناقض مفاهيمنا، ومعاكسة ذواتنا أصبحت جزءاً منّا وغير قادرين على رميها أو رفضها أو إلقائها..
والسؤال المطروح إلى متى هذا الحال المقلوب؟ وإلى أين سنصل؟
الموضوع يحتاج التأمل، والتأني، والبدء من جديد، والتحضير لإعداد مُلهم وأصيل وحقيقي يتناسب مع مقاسنا وشكلنا ومذاقنا وروحنا حتى لا نبقى في تلك المساحة الضائعة بين حقيقتنا وبين ما نصبو إليه، بين ما نحن على الواقع وبين الرغبة في ماذا سنكون.. وهنا قد لا تنقلب بنا مكونات الحياة.
دمتم بود.
د. ابراهيم العدرة
الجامعة الأردنية
كلية الآداب
٤- ١٠ – ٢٠٢٣