فيلادلفيا نيوز
ذلك الرمز الذي نتابع أطيافه دوماً، ذلك الحاضر فينا والغائب عنا في ذات الوقت… يبزغ في طريقنا كمشكاة هداية، نتحلقُ بكياننا خلف خطواته، نتوجه إليه كانفلاق الصبح… يحدونا بحكمته، ويهدينا بمَلكته، ويطوقنا بإيمانه… نرنو إليه بعيداً، لنقوى بعزيمته وقوته ورشده ويقظته… يباغتنا عند كل خطوة ووقفة ومرحلة… يهل علينا كزبد البحر، وغثاء السيل، وطي الصحف فنحمل هالتهُ معنا دون أن نفل أو نكل أو نمل…
كأنهُ يقدس خصوبة أرضنا وسمائنا وتربتنا… نطالعهُ كنجمه تلهمنا المسير وتدلنا إلى البوصله، تغمرنا بنور الكفاية، فنمضي وهو يتلحفنا ويبهجنا… نُقدم إليه ونتقدم به.
لكل منا في أعماقه هذا الرمز المشفر، والنموذج المقدر، يخبئه في كنف قلبه، يعتمره ككوفية محارب، ويتكلل به كتاج ملكي فاخر يتباهى ويتماهى به… نقدم له القربان تلو القربان، والإنجاز تلو الإنجاز، لنقول لهُ:
– ها قد قدمنا، أعطينا، عملنا، تعبنا، أبدعنا، خلقنا، ابتكرنا…
وعند خط النهاية نسألهُ:
– هل رضيت؟ هل تقبلت؟… هل وصلنا الميقات؟
ثم تجتاحنا تلك الموجه العاتية من الفخار والعزة لمن خبأناهم، ولمعناهم، وأسقيناهم، وناجيناهم، وتقدسنا بحضرتهم… توقيراً وتقديراً واحتراماً ومهابة…
رموزنا محفورة في ذلك الأب الحاني، أو ذلك المعلم الباني، أو تلك الأم الملهمة، أو تلك الأخت المعلمة، أو ذلك الشيخ المهيب، أو ذلك الصديق القريب، أو ذلك المرشد البعيد، أو ذلك الشريك أو الزوج أو الحبيب أو الرفيق أو القائد أو المدير، أو ذلك البطل الخالد في سجل التاريخ العنيد.. رموز حياتنا كثيرة، وأبطال رواياتنا عديدة… تُحفظ من موقف أو تجربة أو قصة أو حكمة أو جملة أو عبرة أو طيف أو سند بانت حقيقته، وتلمعت كينونته، وظهرت حكمته… فجعلنا نبتهل نحوهُ ومعهُ وحولهُ وإليه… تجلى أمامنا كمشعل المنارة، وقبس الشرارة.
وفي الختام… ابحث عن بطل قصتك، وفارس يومياتك، ورمز حكايتك، وقبطان سفينتك، وقبلة انطلاقك، وجنة اشتياقك واندفاعك وانبهارك… لتقدم لهُ ويراك وتتقابلان هناك حيث الموعد والعهد والميثاق فلا خوف ولا رهبة ولا قلق ولاغصة ولا حزن… كنا اثنين فأصبحنا واحد، كنا بعيدين وها نحن في ذات المسرى والمعراج… فنستكين بالراحة، ونهدأ بالسريرة ونبتسم للحياة، وتتلاشى من حولنا تلك الضجة الصاخبة لنقول قد وصلنا.
وكما قال السابقون:
#”إن_الافكار_التي_نتوجه_إليها_هي التي_تمنحنا_القوة_للوصول_إليها”.
وكما قال الشاعر السوداني الهادي آدم وشدت أم كلثوم:
“أنت يا جنة حبي واشتياقي وجنوني
أنت يا قبلة روحي وانطلاقي وشجوني
أغداً تشرق أضواؤك في ليل عيوني؟
يا عزيزي:
فكر ملياً… فيمن ستَرفع له القبعة، وتقف لهُ احتراماً وتبجيلاً ومهابة… إلى الذي ألهمك الميراث وفتح لك سبيل الرشاد.