فيلادلفيا نيوز
دائما ما نستخدم المصطلحين معاً، ودائما ما نسعى لتكاملهما بشكل فعّال.. ولكن هناك مسافة فاصلة بين النموذجين ويا ليت التطابق وتقليل الفجوة يكون الحل.. فبين أن تكون معلماً لتعطي معلومة وتقدم معرفة، وبين مربٍ فاضل تقدم أنموذجاً في التأثير والحياة تكامل وتناسق ولكنهُ ليس تطابق وتفاعل.. وهنا تكمن المعادلة في بعد المسافة بين النموذجين..فبين بناء روبوت أو خلق انسان مساحة، وبين صنع آلة تخزن الكثير لتسترجع وتدون وتخط وتعمل مساحة أكبر، وبين إنسان يخلق الأثر ويبني خُلق ويُقوم فعل ويدمج روح مسافات ومسافات.. وهذه هي الجدلية..
فهما نموذجان نحاول تقليص الفجوة بينهما.. ولكن المعضلة الحقة تكمن في الإكتفاء بالآلة على حساب الآدمية، أو الاعتكاف على إبراز المصنع وملئه بدون معنوياته وروحه ونبضه وهنا قد نختلف كثيراً ونتجادل أكثر بين من ينظرون للنموذج الأول على حساب الثاني، أو من يختزلون الأول كوعاء للثاني.. ولكن الحل في محاولة تقليص الفجوة وجعل المعرفة تعانق المعنوية، والمعلومة تستشعر بالأثر، والنظرية تتفاعل بالممارسة لنكون عندها قادرين على إعادة صنع الحضارة والتي تكاملت وزهت وتقدمت بالنموذجين معاً.. وهنا يكمن المعنى العميق “الحضارة ما نحن والمدنية ما نستخدم”.
ما نحاول صياغته في هذه الكلمات هي الإنكفاء السائد هذه الأيام على تلقين المعرفة والإعلاء من شأن التقانه والمادية على حساب القيم الراسخه والأخلاق الرفيعة والرحمة الإنسانية التي تخلق حالة الفعل الإنساني، وتعلي من مكانة الإنسان وكرامته وتحتضن معها ذلك الإرث الطويل من الثقافة المختزلة والتي تناقلناها جيلاً بعد جيل.. أما ما هو سائد اليوم للأسف يُنذر بخراب العمران الإنساني وتفاعلاته المختلفة كما صاغها ابن خلدون سابقاً في المقدمة مستدركاً حالة التقدم للشعوب والمجتمعات في الإعمار والتفاعل البشري والذي صُنِعت الآلة وتقدمت لخدمته وتسهيله، وهذا هو سر التربية في الوصول إلى هذا المرمى العميق من الوجود الإنساني.. وبكلمات أقل ما نحتاجه اليوم في عالم المعاصرة وما بعد الحداثة هو الاستثمار في إعادة صناعة الإنسان والإعلاء من كينونته على حساب الآلة، وبناء قدراته وتمكينه بتسخير هذه الآلة وتقنياتها لخدمته ورعايته وتقدمه وليس الصراع معه ونبذه وطرحه لتحل هي مكانه.. وهذا هو الوبال الحديث والمستحدث.. فالحياة الرقمية الحديثة وتكنولوجياتها المعاصرة، وتطبيقاتها الخفية والمعلنة تحاول إقصاء هذا الركن الأساسي وللأسف ها هي تجد مؤيديها وصانعيها ورعاتها يحاولون الإندماج معها لقتل حالة الإبداع الإنساني القابع في ذات الإنسان العظيم كما خلقها الله الأعظم بكل أبجدياتها ودلالاتها ومعنوياتها..
فإلى كل الحالمين والممجدين للتقانة والتكنولوجيا والرقمنة حاولوا مزاوجة الإنسان معها ليكون سيّدها كما كان، وكما سيكون على الدوام.. وهنا نرفع الرايات لكل المعلمين ومقدمي المعرفة ليكونوا مربين وينمذجوا ما يقدموه لإعادة الإنسان والجيل حيث حقيقته وإنسانيته فيبقى خالداً وعندها ستخلدون معه.. نعم أنا لست روبوت.
والله ولي التوفيق
د. ابراهيم أحمد العدرة يكتب
الجامعة الأردنية
كلية الآداب