فيلادلفيا نيوز
لعلّ هذا المقال لن يعجب الكثيرين والكثيرات، لأنهُ سيعاكس كل الأسطوانات المشروخة والمنتشرة هذه الأيام حول النسوية ومتطلباتها وقضاياها ومشكلاتها.. ومع الإبحار في تيارها ومتطلباتها وهدم الأسطورة الرجولية على حد تعبير المتحدثات باسمها.. أصبحت الهوية الذكورية لجيل شبابنا ورجالنا اليوم في حالة من التهديد والتخوف… فمع توسع دائرة العولمة، وتمدد الثقافات الإستهلاكية، وموجات الثقاقات الغربية المطالبة بالحقوق – كما تدعي- والمدافعة عن الشذوذ والتحول الجنسي والإنحلال وغيرها.. أصبحت القضية المركزية لشبابنا وخاصة الذكور هي فقدان حقيقي لمفهوم الذات وانفلاش في تكوين هوية حقيقية واضحة المعالم ومحددة الأفق وقادرة على القيام بالأدوار بوضوح ودقة وبالتالي الوصول إلى إنجاز فعلي ملموس يحقق لهؤلاء الشباب حاجاتهم ومطالبهم ويكون مستوى الرضا لديهم متوازي مع موروثهم ومعتقداتهم وثقافة أهلهم وبيئاتهم… ما أعتقدهُ اليوم أن تيارات الشد العكسي، والتطبيل للثقافة الغربية، والتقليد الأعمى، والمدنية الإستهلاكية الجوفاء وإحلال الإناث في الأدوار الرجولية، وإقحامهم في الواجبات والمهام الرجولية، واكراههن في خوض عالم المنافسة والمساواة.. وتبدل أشكال الأسرة وأنماطها، وتغير الأحوال ومعاكستها جعل حالة الضبابية والتشتت هي المسيطرة على واقع شبابنا اليوم وخاصة الذكور منهم لأنهم غير قادرين على تحقيق هذا التوازن النفسي والفكري والإجتماعي والديني والقيمي وذلك نتيجة وقوعم في شرك التناقضات والتيارات المتداخلة، وحالة هلامية من التبدل والتغير والتقولب جعلت منهم فريسة للإحباط والشعور بالإخفاق وأحيان كثيرة الهروب والإنسحاب من السياق المهني والعملي والإجتماعي والشأن العام ككل..
إن استمرار المنادة والإصرار على تمكين المرأة في كافة النواحي على حساب تمكين الرجل عملية تحتاج إلى إعادة التنسيق والتوازن والحكمة، فلا نريد للميزان أن ينعكس وللأمور أن تتشقلب، وللمعادلة أن تخسر…
مستويات البطالة بين شبابنا اليوم، وانتشار ثقافة التقاعس والتذمر والتراخي، وحالة الإحباط العام والشعور بالإخفاق، وانتشار آفات الإدمان والمخدرات والإنحراف والجريمة كلها عوامل تزيد من الضغط النفسي والمادي على الشباب، بالإضافة إلى قلة الدخل وعدم القدرة على الإنفاق ورفض الزواج وعدم الإقبال على تشكيل الأسرة نتيجة لعوامل كثيرة كلها مهددات خطيرة لقتل الهوية الرجولية، والموت البطيء لإنجازهم، وبالتالي إنهيار حُماة الديار والوطن وانكسار عمودنا الفقري معهم.. فإذا انكسر أبنائنا كُسرنا أكثر، وإذا تلاشت قدرتهم على الإنجاز والإنتاج والقوة سيشعرون بالغربة في بيئاتهم ومكانتهم وبيوتهم..
اليوم علينا جميعاً أن نعيد لشبابنا الرجال أملهم في مستقبلهم، وبناء هويتهم، والعودة لأدوارهم.. لا تسلبوهم حقهم في أن يكونوا ما خلقوا عليه وله ومعه وهذا حقهم، عندما تتبدل الأدوار، وتتشتت البوصلة، ويموت القبطان ستضيع السفينة.. شبابنا أماننا، هم درعنا وحياتنا، هم الأخوة والعزوة والقوة والمنعة، هم الآباء والقادة والرواد، هم العصبة والدرع الحصين تمسكوا بهم ولا تتركوهم لآفات البطالة والفشل والإنزواء.. وهذا دور تشاركي على جميع الأطياف والمؤسسات والجهات العمل به بشكل مدروس وموزن لأن المتطلبات الثقافية والوجودية للشباب تقع على عاتقهم بشكل أكبر وأشمل ضمن الموروث العريض لثقافتنا الممتدة.. أما حالة الإقصاء في بيئة العمل والدراسة والتطوع والمناصب والتمكين والتدريب حالة مؤذية قد تنعكس سلباً في السنوات القادمة..
لذا ندق ناقوس الخطر في إعادة الميزان إلى وضعه ضمن الضوابط والأسس التي تحقق للجميع القدرة على القيام بأدوارهم وتحقيق أهدافهم وبالتالي تقدم مجتمعاتهم وتنميتها وتطويرها بعيداً عن أبواق التمدن والتحضر الواهم والزائف في كثير من الحالات.
دمتم بود والله الموفق
د. ابراهيم العدرة
كلية الآداب
الجامعة الأردنية