فيلادلفيا نيوز
رغم عاصفة التضخم العاتية التي ضربت العالم خلال السنوات الماضية، إلا أن الأردن سطر قصة نجاح مميزة بالحفاظ على مستويات تضخم مقبولة سجلت على أنها من الأقل في العالم.
فمع الأزمات والتحديات التي ألمت في الاقتصاد العالمي مثل العدوان الإسرائيلي على غزة، ومن قبلها جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، وما خلفته من أضرار اقتصادية، طالت السواد الأعظم من دول العالم ومنها ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات مفزعة. إلا أن الأردن نجح في الإفلات من العاصفة بفضل السياسات المالية والنقدية الحصيفة التي قادها البنك المركزي، بحسب خبراء اقتصاديين.
ويعرف التضخم بأنه مقدار التغير الشهري للأسعار لسلة محددة من البضائع الاستهلاكية والتي تشمل الغذاء والملبس والنقل وغيرها.
وأشار التقرير السنوي للبنك المركزي الأردني إلى انخفاض معدل التضخم مقاسا بالتغير النسبي في الرقم القياسي لأسعار المستهلك، خلال عام 2023 ليبلغ 2.1 %، وذلك بالمقارنة مع تضخم نسبته 4.2 % في عام 2022.
وبحسب تحليل التقرير السنوي للبنك الذي صدر مؤخرا، جاء انخفاض معدل التضخم خلال العام الماضي محصلة لعدد من العوامل الخارجية والداخلية.
فعلى صعيد العوامل الخارجية، أدى استمرار التعافي التدريجي في سلاسل الإمداد والسياسات النقدية التشددية التي اتبعتها معظم البنوك المركزية عالميا إلى انخفاض أسعار السلع الأولية في الأسواق العالمية، والتي من أبرزها أسعار النفط التي تراجعت بنسبة 16.9 % والمواد الغذائية التي تراجعت أسعارها بنسبة 13.7 %، وذلك وفقا لمؤشر الأغذية الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة للأـمم المتحدة(الفاو) وقد انعكس هذا الانخفاض على معدل التضخم محليا.
أما على صعيد العوامل الداخلية، فقد أسهمت السياسات الاقتصادية المتوازنة التي طبقتها الحكومة والبنك المركزي في احتواء الضغوط التضخمية في المملكة.
إذ واصلت الحكومة خلال العام الماضي تطبيق العديد من الإجراءات التي اتخذتها في عام 2022 للتخفيف من الضغوط التضخمية، وفي مقدمتها استمرار تثبيت أجور النقل العام، وسعر أسطوانة الغاز المنزلي وأسعار الخبز، هذا فضلا عن استمرار التخزين الوقائي للمواد الغذائية الأساسية، وعقود استيراد الغاز طويلة الأجل والتي حدت من انعكاس الارتفاع في أسعارها عالميا على الأسعار المحلية.
ويضاف إلى ذلك استمرار البنك المركزي في اتباع سياسات نقدية تشددية ما ساهم في التخفيف من الضغوط التضخمية الناجمة عن عوامل مرتبطة بالطلب المحلي.
وفي الاثناء كشف التقرير الشهر لأسعار المستهلك (التضخم) الذي تصدره دائرة الإحصاءات العامة عن ارتفاع الرقم القياسي التراكمي للتضخم في الثلث الأول من العام الحالي، بنسبة 1.61 % مقارنة بنفس الفترة من عام 2023 إلا انها ما تزال أقل من نسبة التضخم المتوقعة من الحكومة في العام الحالي والمقدرة بـ2.7 %.
وبحسب مؤشر هانكي للبؤس العالمي عن العام 2023، تحتل الأرجنتين صدارة دول العالم بمعدل التضخم مع زيادة في أسعار المستهلكين تقدر بنحو 321 %. وفي المركز الثاني بقائمة أكثر الدول التي تعاني من التضخم، جاءت فنزويلا بمعدل 276 %، ثم لبنان 266 %، ثم سورية 251 %، ثم زيمبابوي 242 %، فالسودان 212 % فتركيا 108 %.
وأوضح الخبراء أن السياسات والقرارات الحكومية المتوازنة التي اتخذت للتعامل مع تداعيات العدوان الإسرائيلي على غزة بما فيها الاضطرابات في منطقة البحر الأحمر وما نجم عنها من ارتفاع لأجور الشحن والتأمين، ساهمت كذلك في الحد من ارتفاع الأسعار والكلف المعيشية محليا والسيطرة على معدلات التضخم خلال الأشهر الأخيرة.
وبغية المحافظة على استقرار معدلات التضخم محليا عند مستوياتها الحالية، طالب الخبراء بضرورة استمرار السياسة النقدية المنتهجة من الحكومة، إضافة إلى استدامة الحكومة إجراءتها التي اتخذتها وتشديد الحكومة رقابتها على الأسواق، إلى جانب ضرورة وجود مرجعية وتقاليد حكومية في التعامل مع التضخم والسياسات الخاصة به، وأن يتم عكس ذلك على السياسات والقرارات الاقتصادية التي تتبناها الحكومة.
وقال الخبير في السياسات النقدية زيان زوانة، إن انتهاج البنك المركزي خلال السنوات الماضية سياسات نقدية في قمة الحكمة والالتزام والتوازن جنبت الاقتصاد الأردني لهيب التضخم الذي طال كثير من دول المنطقة والعالم، إذ ساهمت سياسات المركزي الحكيمة في السيطرة على مستويات التضخم محليا عند مستويات مقبولة ومطمئنة، حيث انها بقيت عند قرابة 4 % فقط في ذروة ارتفاعها عالميا عام 2022.
وأضاف زوانة أن معدلات التضخم المسجلة خلال الثلث الأول من العام الحالي مطمئنة للغاية ولن يكون لها أثر سلبي على القدرة الشرائية للمواطنين، كما انها أقل من التوقعات المحددة في الموازنة العامة للعام الحالي.
وتابع زوانة أن سياسات المركزي منذ جائحة كورونا حتى اليوم جنبت المواطن الأردني تبعات صعوبة العيش والارتفاع الحاد في أسعار الغذاء الذي عانت منه أغلب دول المنطقة، إذ استقرت القدرة الشرائية لدى الأردنيين حلال السنوات الماضية.
وأوضح أن البنك المركزي نجح في توظيف السياسة النقدية في دعم السياسات المالية للحكومة، حيث لم يقتصر دور البنك المركزي على تحقيق الاستقرار النقدي فحسب بل أنه كان لسياساته دور أيضا في تحقيق الاستقرار الشامل للمواطن.
وأكد أن برامج تأجيل القروض التي سنها المركزي إبان جائحة كورونا، إضافة إلى تخصيصه نحو 2 مليار لدعم القطاعات الاقتصادية المختلفة، وتسهيل حصول هذه القطاعات على القروض، لعب دورا حاسما كذلك في حماية الاقتصاد الوطني وصموده على مدار الأعوام الماضية، التي ألمت خلالها بالعالم أزمات سياسية واقتصادية كبرى.
وتوقع زوانة أن تبقى معدلات التضخم في الأردن خلال العام الحالي عند مستوياتها المحددة في الموازنة العامة أو اقل من ذلك، في ظل ثبات السياسات النقدية المتبعة محليا إضافة إلى الانحسار التدريجي لارتفاع نسب التضخم عالميا.
بدوره، أكد الخبير الاقتصادي وجدي مخامرة أن السياسات المالية والنقدية الحصيفة التي اتبعها البنك المركزي على مدار الأعوام الماضية ولا سيما بعد اجتياح المد التضخمي دول العالم، ساهمت في احتواء معدلات التضخم في الأردن عند نسب مريحة للغاية قياسا بمعدلات التضخم التي سجلت في المنطقة والعالم.
كما اعتبر مخامرة أن السياسات والقرارات الحكومية المتوازنة التي اتخذت لتعامل مع تداعيات العدوان الإسرائيلي على غزة بما فيها أزمة منطقة البحر الأحمر وارتفاع تكاليف الشحن والتأمين،كان لها بالغ الأثر في الحد من تضخم الأسعار محليا خلال الأشهر الأخيرة.
ونوه المخامرة إلى أن استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والاضطرابات في منطقة البحر الأحمر، قد تؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم خلال الأشهر القادمة، داعيا في هذا الصدد إلى ضرورة استمرار السياسة النقدية المنتهجة من الحكومة، إضافة إلى استدامة الحكومة إجراءاتها التي اتخذتها وتشديد الحكومة رقابتها على الأسواق وضبط الأسعار خاصة السلع والمنتجات الغذائية.
إلى ذلك، قال الخبير الاقتصادي حسام عايش إن معدلات التضخم في الأردن تسير بصورة استثنائية قياسا مع ما يحدث في العالم الذي ما زال يعاني من استمرار الضغوط التضخمية وتداعياتها وتنامي الكلف المعيشية على مواطنيها، إذ ان نسبة التضخم خلال الأشهر الماضية من العام بقيت دون 2 %، ويعد ذلك أمرا إيجابيا للاقتصاد الوطني. – الغد