فيلادلفيا نيوز
لم يكن سهلا الغوص في عالم المشعوذين والدجالين الذين يختبئون خلف الشاشات الفضائية ومنصات التواصل الاجتماعي، والكشف عن أساليبهم الاحتيالية تحت ستار”الدين”، وسط تقصير صارخ من السلطات الرسمية العربية والمحلية لإيقاف بث “السموم القاتله فكريا واجتماعيا واقتصاديا”، وفق خبراء واختصاصيين.
ووجد هؤلاء الدجالون في الأفق الفضائي، سواء منه العلني أو المخفي، مساحة واسعة لبيع الوهم والدخول إلى بيوت الضحايا دون استئذان، للمتاجرة بأحلامهم والترويج لخدماتهم “المحرمة دينيا والمخالفة قانونيا”، فيما يجهل من يتابعهم ماهية الخلفيات الثقافية والعلمية لهؤلاء المشعوذين.
ومن خلال المقابلات التي أجرتها “الغد” مع دجالين للكشف عن أساليبهم الاحتيالية للتلاعب بعقول الناس مقابل مبالغ مالية، وجدنا أن أغلبيتهم أميون لا يقرأون ولا يكتبون، حتى إنهم يخطئون في قراءة حروف الكتب السماوية المقدسة عندما يبدأون طقوسهم المزعومة من فك السحر والرصد بأنواعه.
وقد يفاجأ القارئ بنماذج من هؤلاء الذين أثروا ماديا رغم أنهم لا يمتلكون أدنى مقومات النجاح، ومنهم طبال أفراح وبائعو عصائر وخردوات، ومسابح وبخور، غير أن بعضهم يمتلكون خلفيات ثقافية، ويتمتعون بشيء من الذكاء والحنكة، والقدرة على معرفة النفوس واتجاهاتها، بينما اتجه عدد من المتنفذين في دوائر رسمية وأمنية نحو “لعبة الدجل”، بعد تقاعدهم من أعمالهم، لجني الربح السريع.
وبمجرد الإعلان عن قدراتهم الخارقة التي تستهدف حل جميع المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي وجدت مع الإنسان على هذه الأرض، تنهال عليهم المكالمات العلنية والرسائل القصيرة التي قد تكون “مفبركة” لتصبح طعما للحالمين بعقد صفقات مالية وتحويلها إلى حساباتهم البنكية على الهواء مباشرة.
ومن باب “خليني أجرب.. شو راح أخسر”، يجد هؤلاء الفاسدون جمهورا كبيرا من رواد مواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات، حتى إن بعضهم على درجة من العلم، لكنه يقع في مطب هؤلاء الفاسدين وذلك لإتقانهم فن الخداع.
ويجني هؤلاء ثروات مالية “غير مشروعة” تصل مليارات الدولارات، وقد تسد ميزانيات دول متعثرة ماليا، إذ قدر أحد الدجالين الأردنيين الذي يدّعي العلاج بالطب النبوي في حديثه لـ”الغد”، أن مجموع ما يتقاضاه زملاؤه العرب من ضحاياهم يفوق 20 مليار دولار سنويا، يحصدها 6 آلاف مشعوذ ممن “يبيعون الوهم تحت ستار الدين”.. حسب مزاعمه.
ولم يقتصر دجلهم على فك السحر وجلب الحبيب ورد المطلقة وعلاج العقم، وتزويج البنات، والعلاج بالرقية الشرعية، بل امتد إلى فك سحر تعطيل الدراسة في المدارس والجامعات، فيما يحذر علماء وأكاديميون أردنيون من “الامتثال لطلب الدجال بالخلوة بالنساء تحت ستار القراءة عليهن، أو سؤالهن عن بعض الأمور الخاصة، أو محاولته لمس أجسادهن”.
أما بضائعهم الوهمية من “عظام الهدهد” و”حجر عرج السواحل” و”بيض القنفذ” و”شمع اسكندراني” و”أحجار كريمة مقروء عليها”، و”بخور وزئبق أحمر”، فهي الأكثر رواجا بين المشعوذين وأغلاها ثمنا، إذ يتم استيرادها من دول عربية معينة.
طيارات خاصة للمشعوذين
يلجأ بعض الدجالين عبر الفضائيات إلى أسلوب كسب مصداقية المشاهد عن طريق كشف أكاذيب زملائهم بالمهنة “غير المشروعة دينيا وقانونيا”، عبر المحطات الفضائية، فيما ذهبت محطات فضائية إلى تخصيص برامج لعلماء دين لكشف أكاذيب الدجالين وتوعية المشاهدين بأساليبهم المخادعة.
ويراهن دجالون، بصرف النظر عن جنسياتهم العربية ويتخذون من الأردن مقرا لهم، على الحالة النفسية لضحاياهم لتحقيق مآربهم، حيث يبيعون منتجاتهم من الماء وزيت الزيتون والأحجار الكريمة وعظام طير الهدهد بمبالغ خيالية، وتتعدى خدماتهم القارات لتصل أميركا والمكسيك وأوروبا.
ومن هؤلاء دجال التقته “الغد” في مقابلة صحفية في شقته الفارهة بمنطقة الجاردنز بعمان، ويلقب بـ”الشيخ محمد المغربي”، الذي تغزو إعلاناته محطات فضائية بعقود مالية شهرية مغرية.
واشتهر “المغربي” باسمه المستعار، عبر محطاته الفضائية الخاصة التي أنشأها للكشف عن أساليب الدجالين من زملائه في المهنة من أردنيين وعرب، وفضح سلوكياتهم “اللاأخلاقية” بنشر فيديوهات خاصة لهم وهم يرقصون في نواد ليلية ويحتسون المشروبات الكحولية.
وبهذه الطريقة “الذكية” استطاع المغربي مد جسور ثقة متينة بينه وبين الضحايا الذين يهرولون إليه على أمل الشفاء، فيتمكن هو، وعلى الهواء، من عقد صفقات مالية سريعة التحويل إلى حسابه البنكي، بإرادتهم، إذ يصل إيراده من ضحاياه مبلغ 500 ألف دينار شهريا، حسب تأكيداته لـ”الغد”.
كما يمتلك المغربي 12 محطة فضائية خاصة، بتكلفة شهرية لحجز ترددها من الخارج بمبلغ 200 ألف دولار حسب قوله، لكنه رفض أن يكشف عن مصادر تمويله لها، فيما يدعي أنه “لا يبيع منتوجاته سوى بمبالغ بسيطة تكون في متناول الناس، وتتراوح من 20-50 دينارا”.
وعلى الرغم من أنه لا يجيد القراءة والكتابة، ولا يتعدى مستواه التعليمي المرحلة الابتدائية، فإن الستيني المغربي يعمل في الطب النبوي منذ 40 عاما، ومع ذلك يثق الناس بقدراته، حيث يردد دائما في برامجه أنه “لا يشفي أحدا بل إن الله هو الشافي”، حتى بات هو نفسه يصدق أنه “يشفي الناس ويفك السحر ويحصن منه”.
وقد ذاع صيت المغربي وباتت تأتيه طائرات خاصة من دول خليجية وغيرها لنقله شخصيا لعلاج مرضى من أمراء ومتنفذين.
وعلى الرغم من أن سوق الدجالين ينتعش كلما ضعفت الرقابة الرسمية عليهم، غير أن المغربي “لا يفضل علاج الأردنيين، ليس بسبب الرقابه فقط، بل لأن من طبيعة الشعب الأردني أن يشتكي عليه قضائيا إذا لم يحصل على النتائج المرجوة من منتوجاته، بينما يخاف البعض من الشكوى لاعتقادهم أن المشعوذين قد يجهزون لهم أعمالا سحرية تفتك بهم”، حسب مزاعمه.
ويحيط ببيت المغربي حرس أمني خاص، ونادرا ما يتنقل بسياراته في الأردن، وذلك “بعد تعرضه للتهديد بالقتل من زملاء مهنة، عقب كشف فضائحهم”، حسب مزاعمه.
بدوره، يشير مصدر أمني فضل عدم ذكر اسمه لـ”الغد”، إلى أن الأمن يتابع أي شكوى رسمية بحق الدجالين والمشعوذين “الإلكترونيين”، لكن “القبض عليهم يتطلب وقتا ومعلومات دقيقة عن أماكن تواجدهم المتنقلة”.
تحرش جنسي ومخدر قوي يسقط الضحايا
من الأساليب الاحتيالية التي يلجأ إليها بعض المشعوذين، الاتفاق مع أشخاص مقابل مبلغ مالي، ويقوم هؤلاء الأشخاص بأداء مشاهد تمثيلية، منها الوقوع على الأرض بمجرد أن يقرأ المحتال على رؤوسهم آيات من الذكر الحكيم، ويزعمون أن الالم قد زال من جسمهم فورا.
كما يلجأ البعض إلى وضع مخدر قوي على يده، وبمجرد أن يقربها من أنف الضحية تقع مباشرة، وخصوصا مع النساء اللواتي يطلب الدجال منهن خلوة لينال منهن أو يتحرش بهن، خاصة عندما يطلب منها أن يكتب على بطنها، وفق ما أظهرت فيديوهات مصورة موثقة تم نشرها على “يوتيوب” وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا ما أكده الملقب بـ”المغربي” في حديثه لـ”الغد”.
ويتقن هؤلاء تغيير أسمائهم وأرقام هواتفهم، مثل أبو حذيفة، وأبو أصيل، وأبو رائد، وثمة عدة ألقاب وهمية لدجال أردني واحد مشهور، ما يزال ينشر إعلاناته الوهمية عبر محطات فضائية (سلايدات) محلية، فيما تعلن الدجالة “أم زمرد” عن خدماتها العلاجية عن بعد، وفك السحر، في الأردن، فيما يمارس زوجها الأعمال ذاتها في مصر، حسب رصد “الغد”.
وجميع هؤلاء يدفعون أثمان إعلاناتهم مباشرة وبلا تردد، إما عن طريق تحويلات بنكية أ و عبر الخدمات السريعة “وسترن يونيون”، لكن أغلبهم يفضلون الدفع نقدا للمحطات عبر وسطاء حتى لا يكشفوا عن شخصيتهم الحقيقية.
من جهته يؤكد المدير العام لهيئة المرئي والمسموع الدكتور محمد قطيشات “ملاحقة المخالفين قانونيا وتحويلهم الى المدعي العام، بيد أن صدور درجات الحكم القطعية تتطلب وقتا، فضلا عن إجراءات روتينية حكومية أخرى”.
وتستند الهيئة إلى قانون الإعلام المرئي والمسموع، المادة 21 لسنة 2015، التي تمنع منعا باتا “بث مواد إعلامية أو إعلانية تروج للشعوذة والتضليل والابتزاز وخداع المستهلك”، كالإعلانات عن ترويج العلاج وحل المشاكل بالقرآن والرقية النبوية أو السحر.
ومنح القانون 2015 الهيئة؛ صفة رجال الضابطة العدلية المدير أو الموظف المفوض من قبله، والتي تمكنه من دخول محطات البث أو إعادة البث ودور العرض وأي مكان آخر يتم فيه تداول المصنفات لتدقيق المستندات والموجودات والتحفظ على أي منها، حسب قطيشات.
ومن بين 14 محطة (سلايدات محلية) تم توجيه تنبيه خطي إلى 3 منها تنشر إعلانات متعلقة بالدجل والشعوذة، وفق قطيشات الذي أشار إلى وجود مديرية المتابعه في الهيئة ترصد المخالفات وتوثقها بتسجيلات، فضلا عن توثيق شكاوى من أشخاص تضررت مصالحهم من نشر إعلانات المخادعين.
إلى ذلك، تتعاون الهيئة بدورها مع مزودي الترددات من خارج الأردن، منها قبرص ومصر واليونان وغيرها، لإيقاف أي محطة غير مرخصة في الأردن، يكون محتواها موجها للجمهور الأردني، حسب تأكيدات قطيشات، الذي قال: “غالبا ما يكون بث المحطات المخالفة من الخارج”.
ووفق القانون: “يعاقب كل من المرخص له إذا مارس أعمال البث أو المسجل لإعادة البث الذي يخالف أحكام الفقرة (ل) من المادة (20)، من ضمنها بند 4 المتعلق ببث إعلانات مضللة للجمهور، بغرامة لا تقل عن خمسة آلاف دينار ولا تزيد على ثلاثين ألف دينار، مع إلزامه بالتعويض وإزالة الضرر الناشئ عن المخالفة”.
إلى ذلك، يدعو أستاذ علم الفقه والدراسات الإسلامية الدكتور منذر زيتون، الحكومة إلى “التخفيف عن المواطنين وتقليل التحديات التي تواجههم، ومساعدتهم على حل مشكلاتهم بالطرق الصحيحة، درءا لفساد اللجوء إلى عصابات الدجالين”.
وقال إنه “يتعين على وزارة الأوقاف والجهات الدينية تعليم الناس الرقية الشرعية، من خلال عقد دورات بسيطة، أو نشرها على القنوات التلفزيونية والإذاعية لتعميم الفائدة”، مؤكدا أن “الإسلام حرم التعامل مع الدجالين بأي شكل من الأشكال”.
ويضيف “لو كان الدجالون ينفعون الناس لنفعوا أنفسهم، لكنهم نصابون، يتبعون كل وسيلة خاطئة من أجل المال، وهذا دليل عجزهم، معتبرا أن “الاستعانة بهؤلاء المشعوذين دلالة على السفه وقلة الإيمان، والتعلق بالوهم، وتضييع المال”.
ضحايا “فيس بوك” و”واتسب”
يتوجه بعض الدجالين والنصابين الذين لا يملكون ثمن البث الفضائي من داخل المملكة وخارجها الذي يقدر بآلاف الدولارات، إلى منصات التواصل الاجتماعي و”وتسب” و”يوتيوب” بهدف اصطياد ضحاياهم، تحت أسماء وألقاب وهمية، ويعلنون عن خدماتهم، بما فيها إجراء كشف روحاني مجاني، وحلول لأمراض مستعصية خلال 24 ساعة، فيما يفضل البعض طرح مشكلته على البريد الخاص، في وقت ينشط هؤلاء بتوظيف فريق للكتابة عن قدراتهم الخارقة بحل مشاكلهم، ويدعون أن “أعمالهم مضمونة ونتائجها مبهرة”.
“الغد”، بدورها، تواصلت مع عدة مشعوذين من الأردن وخارجها عبر تطبيق “واتسب”، بيد أن أسرع رد جاء من أحد الدجالين الأردنيين الملقب بـ”أبي عمر الروحاني”، بينما كان رد زميله من العراق الملقب بـ”الصابئي” أنه “سينتظر الوقت المناسب لحل مشكلتي المزعومة”.
من جهتها طلبت “الغد” شراء حجر سلطاني “لتحقيق المحبة والقبول”، لكن الملقب بالروحاني استعد لتحضير خاتم سليمان خلال يومين، كون مفعوله “أقوى مع أن ثمنه غال”، طالبا مبلغ 800 دينار وواعدا بأن يكون مقروءا عليه “محبة هيبة طاعة وقبول وتيسير الأمور”.
“أما النتائج فستكون ملموسة فور ارتدائي للخاتم” وفق روحاني الذي أضاف: “لا يابوي أنا واثق من شغلي زين، اسئلي عني محل ما أخذت رقمي”.
غير أن الدجال الروحاني، باسمه الوهمي الذي حاورته “الغد”، لم يضع صورته على الشبكة العنكبوتية أو “يوتيوب” بل قدم نصيحة عامة بأن “الحياه تطيب لمن يستغفر”، فهو يدعي أنه “أردني ومتجوز في المغرب، ويحضر إلى الأردن كثيرا، وأن الأحجار الكريمة يحضرها معه من كازبلانكا لأنها غير متوفرة في عمان”.
ورفض أن يلتقي بمعدة التحقيق شخصيا لتسليم الخاتم الذي قد لا يتجاوز سعره من بسطات وسط البلد دينارين، بحجة أنه “لا يعرف كثيرا من المناطق في الأردن، لكنه ألقى بالمهمة على عاتق أحد الأشخاص لإيصال الخاتم، عقب اعترافه أن هذه الشغلات ممنوعة”.
إحصاءات رسمية
استقبلت وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية في العام الماضي ما يزيد على 4 آلاف شكوى، 50 بالمئة منها حولت للقضاء، من ضمنها شكاوى تتعلق بأعمال نصب واحتيال بداعي الشعوذة عن طريق موقع “فيس بوك”، وفق تصريحات مدير الوحدة رائد الرواشدة لـ”الغد”.
وحسب شكوى رسمية حولها المدعي العام رامي الطراونة الشهر الماضي إلى إدارة البحث الجنائي، تم إلقاء القبض على مشعوذة تزعم أنها تعالج بالقرآن عبر صفحتها الشخصية على “فيس بوك”، باسمها الوهمي “الشيخة نور الزهراء”.
وتفاصيل الشكوى التي حصلت “الغد “على نسخة منها، أن المدعوة “نور الزهراء” تطلب من كل ضحية بطاقات شحن لتلفونها من فئة 12 دينارا للتواصل معهم على نفقتهم الخاصة، وبعد عدة أيام من التواصل تؤكد للضحية أن “العلاج بالقرآن والرقية لم يجديا نفعا، لأن السحر الأسود الذي أعد له كان في يوم نحس وسبب لها ضيقا في الرزق”.
وتضيف: “يتطلب فك السحر لإبطال نفور زوجة المشتكي ومرض والدته، شراء عظام الهدهد وطحنها، ويبلغ ثمن كل عظمة 1500 دينار، والضحية يحتاج إلى عظمتين بقيمة (3) آلالف دينار، أما الشمع الاسكندراني والبخور فيصل سعرهما إلى 250 دينارا”، حسب المشتكي الذي قال: “أوهمتني أنه بدون هذه المواد فإن اللعنة ستزيد علي”.
وهكذا تدهورت الحالة المادية للمشتكي الثلاثيني، الذي اقترض المال ولم يطرأ أي تحسن على وضعه الاجتماعي، وعند الاتصال بالشيخة زهراء بدأت تتهرب منه، حيث يقول: “اتصلت بها عده مرات لكنها تعطيني حججا واهية حتى إنني أدركت أنني وقعت ضحية نصابة”.
وهذه ليست الشكوى الوحيدة بحق هذه الدجالة التي تقطن في منطقة تلاع العلي، وتسلم منتوجاتها في أماكن تحددها هي وبحذر شديد، إذ أكدت الطالبة الجامعية زينب (اسم مستعار) لـ”الغد”، أنها “استجابت لمطالب الدجالة الزهراء بعد أن باعتها شمعا إسكندرانيا لجلب الحبيب الذي تركها، بعد أن نال منها وفقدت عذريتها”.
وثمة شكوى رسمية أخرى قدمتها الشابة راما (اسم مستعار) بحق المشعوذه “نور الزهراء” للمدعي العام، ونسخة ثانية إلى وحدة الجرائم الإلكترونية التابعة لمديرية الأمن العام، وتتضمن “احتيالا ماليا كبيرا عليها، بعد أن أقنعتها المشعوذة ذاتها أن الرقية الشرقية بالقرآن الكريم لن تجدي نفعا”.
ومع كل هذه الشكاوى ما تزال المشعوذة إياها تمارس طقوسها، وتعلن عن خدماتها عبر “فيس بوك”، من دون اتخاذ أي إجراءات قانونية بحقها.
وفي هذا الصدد، يعرب الدكتور زيتون عن أسفه من “حكومات تراقب من تعتبرهم خطرا على الشؤون السياسية، لكن تتجاهل من لهم علاقة بالشؤون الأخلاقية والدينية، خصوصا أن كثيرا من هؤلاء المشعوذين معروفون كأشخاص ومؤسسات، ومن السهل متابعتهم وملاحقتهم، لكن التقصير الحكومي تجاه ذلك واضح تماما”.
شعوذة طوائف
راج مؤخرا إعلان لإحدى الطوائف من خارج الأردن عبر “فيس بوك”، بإقامة طقوس للشعوذة في العاصمة عمان.
وبحسب الإعلان المنشور فإن “علماء في فك السحر من الطائفة السامرية تقوم بزيارات متكررة للعاصمة الأردنية، بهدف جلب الحبيب (…)، وفك جميع أنواع السحر، وعلاج الأمراض المستعصية”.
إلى ذلك، تطورت أعمال بعض الدجالين، وصولا إلى تدريس الراغبين بتعلم هذه المهنة المربحة، وفق إعلان آخر على “فيس بوك”، جاء بعنوان “تعلم الروحانيات علي يد أكبر الروحانيين في العالم، وجلب الحبيب وعلاج السحر”.
ويقول الإعلان ذاته: “أنا محمد من الأردن، أدرس علوم الروحانيات وفنون السحر الأحمر في المغرب لفك التسلط الشيطاني وعلاج المس العاشق، فقط في7 جلسات، للتواصل على هاتف(…)”.
وللتفريق بين ما ورد في السنة النبوية وبين ما يدعيه الدجالون، يستعين المعالجون بالرقى الشرعية بكلام الله، وأسمائه، وصفاته، والدعاء إليه لكشف الغم وتحقيق الرجاء وإجابة المطالب، أما الدجالون فيستعينون بالأعمال السحرية، والكلام غير المفهوم الذي يخاطبون به أولياءهم من الجن والشياطين، وعقد الخيوط والحبال، والأشربة المجهولة، والأدخنة والبخور.
النساء ضحايا قنوات “الشيطان”
تضعف معظم النساء أمام الخوف من المستقبل، ما يدفع بعضهن للاستعانة بمنتجات ما تروجه قنوات الشعوذة، بعيدا عن أعين أسرهنّ، غير أنه من الصعوبة أن تبقى هذه المنتجات بعيدة عن عيون الأهل، خصوصا عند التسليم.
ومن خلال رصد الغد لمحطات الدجل والشعوذة، لوحظ أن معظم المتصلين بهذه القنوات من النساء والشباب الذين يجهلون حقيقة الدجالين من ذوي القدرة على ربط أقوالهم وأعمالهم بالدين، ليوهموا الناس بصحة افتراءاتهم.
وبحسب المدير التنفيذي لمعهد جمعية تضامن للنساء منير ادعيبس، فإن “منظمات المجتمع المدني مقصرة جدا في تبني هذا الموضوع الاجتماعي الذي قد يهدم حياة أسر بأكملها”.
ويؤكد ادعيبس أن هذا الأمر “يستدعي تدخلا حكوميا لتشديد عمليات الرقابة على هذه القنوات، إلى جانب توفير برامج توعوية للسيدات، للكشف عن الدجالين”، مطالبا بضرورة “استرجاع الأموال من المشعوذين واستثمارها في تحسين ظروف النساء الاقتصادية، بدلا من هدرها على نتائج غير مضمونة”.
من جهته، يروي الدكتور زيتون من خلال متابعته لقضايا الدجالين، أن “امرأة شكت إلى دجال عدم وفاقها مع زوجها، فأراد أن ينال منها، فطلب منها إحضار ماء رجل غريب لتحسين علاقتها بزوجها، ودلها على رجل صديق له، فوقعت في فخ الاعتداء عليها جنسيا”، وفق د.زيتون، الذي دعا إلى “أهمية تعريف النساء بقدسية أجسادهن وأفكارهن، حتى يحمينها من الدجالين، لأن الجسد له حرمة”.
تقصير حكومي وإرشادي
دعا خبير في مجال أمن المعلومات والاتصال الرقمي الدكتور سالم عمران، مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي، إلى التبليغ عن هذه الصفحات لإدارة تلك المواقع وللجهات الأمنية.
كما طالب عمران الجهات الأمنية، باستخدام القانون “للضرب بيد من حديد على كل ما يحاول استغلال حاجة الناس والنصب عليهم باسم الدين أو الشعوذة أو العلم، وتقديمهم للمحاكمة حال الكشف عن زيفهم”.
ولا يلمس زيتون وعمران أي دور فاعل للوعاظ والأئمة في محاربة هؤلاء الدجالين، فيما يلقي مدير الوعظ والإرشاد في وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الشيخ إسماعيل الخطبا بالمسؤولية على “عاتق الجهات الأمنية لملاحقتهم قانونيا ومنع خطرهم”.
وأضاف الخطبا لـ”الغد”، أن “الوزارة تبذل جهدها من خلال خطة مدروسة لإرشاد وتوعية المواطنين حول الأساليب الاحتيالية المتبعة لدى المشعوذين، من خلال خطب الجمعة التي تستهدف مليوني مصلّ في الجوامع التي يزيد عددها على 6700 مسجد في المملكة”.