فيلادلفيا نيوز
آدم لِمَ لم تعد تتذكرني! هي سبع سنوات مدة غيابي عن أرض الوطن، سبع سنوات ليست كفيلة بتحويل الأشياء عن بكرة أبيها، فما زال بيت جدي في مكانه، وما زالت تلك الحفر تستقر صدر الشارع، حتى إن ماسورة الماء ما زالت تصنع البركة نفسها في طرف الطريق من تسريبها الماء عندما يأتي دور الحي في نصيبه من المياه. وعلى أثر ذلك تعاني جدتي من سرعة نفاذ الماء في الخزانات، فتلجأ للبحث عن تنك تتفادى به قسوة فقد الماء.
بيت جدي الذي جبل أبناؤه على حب العلم، فرغم الشهادات الجامعية التي تملأ حائط الديوان إلا أن ما زال فيهم خريجان لم يتعينا، وما انفكا عن البحث عن فرصة عمل، على الرغم من أن أحدهما تم شطبه من قوائم ديوان الخدمة المدنة لتقدم سنه، فهو القابض على جمر الوطن عسى أن يتعين ويخدم وطنه فهو الحاصل على شهادة الدراسات العليا في الاستشراف.
آدم هل تعلم ما هو الاستشراف وكيف تقوم الدول الأخرى الاستثمار به، وأن خريجوا هذا المجال في الدول لهم دور بارز في التطور والتحول و مجاراة التقدم السريع؟!.
نعم غبت سبعة أعوام وما زالت الكهرباء في قريتنا تنقطع، وما زال هنالك وعد ملكي قديم بإقامة كلية زراعية في قريتنا لكونها منطقة زراعية بحتة، يمكنها أن تثري المنطقة، وتستقطب أساليب زراعية جديدة لتطوير القطاع الزراعي الذي لم يعد كما كان.
آدم لقد عرفت كل شيء و تذكرته حتى أنني عرفت نفس العم صاحب البقالة الذي كنا نذهب إليه بمعية جدي لشراء بعض الحاجات، وكان يشكو من الحالة الاقتصادية، ومن ديون أهل المنطقة التي تزداد يوما بعد يوم، ولا يستطيع ردهم؛ لأنه يعلم سوء أحوالهم المعيشية.
حتى إني رأيت الكثير من نساء الحي المنهكات جراء الملاحقة القانونية، فأصبح ينادى عليهن بالغارمات، ما زلن يخشين من أن يسجن لعدم التزامهم بسداد الأقساط، و ما زلن يشكين من أن الجهات المانحة قد منحت جميع نساء المنطقة والمناطق المجاورة قروضا ورخصا لنفس المشاريع مما جعل بضاعتهم تكسد ولا تباع.
حتى إني ذهبت إلى نفس الأماكن التي كنا نلعب فيها وما تغير فيها قيد أنملة فمخاطرها بقيت على ما هي عليه!.
سبع سنوات لم يتغير شيء علي الوجوه المتعبة.. الواجمة.. والغاضبة ، معاناة الأهالي واحدة ومشتركة..
تاليا عزيزتي
اعذريني لأني لم أعرفك، فبعد مغادرتك البلد قد بدا عليك شخص آخر غير مثقل بهموم الحياة اليومية فأحلامك الطفولية هي ما تؤرقك، وهي مختلفة عن أحلامنا..
تاليا نعم كل ما ذكرته صحيح فما زالت الأحوال والأماكن والوعود على حالها إلا إننا نعيش في خوف دائم فأنا لا أعلم ما هو مستقبلي فمنذ عامين و أنا أتعلم عن بعد و لا يوجد أي بنية تحتية للدراسة فجهاز الآيباد إن وجد يفتقد للانترنت، فأسعار الانترنت المرتفعة مع بطئه وعدم جودته تجعلنا نتخلى عن الدراسة في كثير من الأيام .
تاليا لقد مر علينا في السنوات السبعة ما شغلنا وجعلنا ننسى الكثير من الأمور، لقد مر علينا حكومات عابرة أثقلت كاهل الكبير والصغير في قرارات خاطئة غير مدروسة دمرت الاقتصاد و أنهكت الشعب.
تاليا لقد أصبحت المحاصصة و التنفيع أمر مفروغ منه فالمسؤول يعنى بحاشيته وخاصته و باقي الناس لا بواكي لهم.
تاليا إنهم يصرون على أن لا نتكلم أو نشكي و قد سنوا لنا قانون الجرائم الإلكترونية لتكميم أفواهنا حتى إن القوانين لا تطبق على الجميع فالعقاب والحساب والثواب يخضع لمزاجية المسؤول .
تاليا ألم تسمعي ببرنامج الخصخصة الذي بيعت فيه مقدرات الوطن و مؤسساته بثمن بخس وأصبحنا دولة وظيفية بامتياز لا نعلم إلى أي وجهة نحن ذاهبون؟ ألم تسمعي بالأموال المنهوبة، وأبطالها الذين خرجوا من البلاد؟ ألم تسمعي بمجلس نواب الديكور الذي مثل ونكل بالشعب؟ ألم تسمعي بالحكومات العابرة التي أسقطت بأيدي الشعب؟ ألم تسمعي بمن يريد تزوير تاريخ أجدادنا و سلبهم حقهم ؟ ألم تسمعي بأن نسبة العاطلين عن العمل من الشباب بلغت ٥٠% وأن مديونية البلد تقارب ٥٠ مليار؟ ألم تسمعي بأننا ورغم ذلك نمنح بعض المدراء و المناصب رواتب فلكية؟. ألم تسمعي بأن أحدهم أخذ كلبه بنزهة بسيارة حكومية وأثار في الشارع الرعب؟
تاليا ألم تسمعي بقانون الطوارئ الذي دمر أصحاب المحلات وشرد عائلات بفقدانهم مصدر رزقهم ؟ ألم تسمعي بالرجل الذي قتل ابنته لأنها لم تنجح بمادة جامعية؟ ألم تسمعي بمن اعتدى على الفتى صالح فقطع يديه و فقأ عينه؟ ألم تسمعي بأن البلد قد قطعت عنه الكهرباء بسبب طير؟
تاليا ألم تسمعي باللجنة الملكية للإصلاح ؟
هنا أتوقف عن الحديث، ولا تلوميني تاليا فأنا المثقل بتلك الهموم ففي بعض الأحيان أنسى اسمي، فلا تطلبي مني اعتذارا فأنت وجيلك ستشكلون بارقة أمل عسى أن يتغير الحال .