فيلادلفيا نيوز
بقلم المستشارة التربوية : بشرى سليمان عربيات
9/5/2020
بعد مرور ما يقارب شهر ونصف على تجربة التعليم عن بعد، لا بد أن نقف مع أنفسنا لتقييم هذه التجربة، والتي تعتبر الأولى من نوعها في عالم التعليم في الأردن. ومن المنطقي عدم إصدار أحكاماً متسرعة عن هذه التجربة، سواءً كان الحكم بنجاحها أو فشلها. ذلك لأنها تجربة جديدة، وربما تكون تجربة بدائية نوعاً ما إذا أخذنا بعين الإعتبار الأدوات والوسائل التي تمَّ استخدامها في هذه المرحلة.
لذلك أرى أن علينا كتربويين تقييم هذه التجربة بتجرد وموضوعية، وأن نبتعد عن الإنحياز لجهة دون أخرى، لأنه في نهاية المطاف فإن الرابح أو الخاسر الوحيد من هذه التجربة هو الطالب ، وبناءً على ذلك لا بد لنا أن نستمع لآراء الطلبة وأن لا نتجاهل رأي عدد كبير ممن لا يملكون أبسط الأدوات لاستخدامها في هذه المرحلة.
لا يقف الأمر عند أدوات تكنولوجية فحسب، فقد ضاعت فرصة التعلُّم على كثير من أبنائنا الطلبة بسبب ضعف الإمكانيات المادية والتقنية، ولكن – نتيجةً لعدم توفر الجاهزية والبنية التحتية – فقد كان هناك عدم وضوح الصوت في التسجيلات التي قامت الوزارة ومعظم المدارس بنشرها، إضافةً إلى الضعف الواضح في اللغة العربية عند المعلمين المشاركين في تسجيل المادة التعليمية، ناهيك عن التأثير السلبي لأجهزة الموبايل والكمبيوتر – وتحديداً الهواتف الذكية- على مستوى الرؤية والتركيز والجلسة الصحية لدى أبنائنا الطلبة. إن تسجيل المادة التعليمية ونشرها على اليوتيوب أو على أي موقع -حتى لو كان شاشة التلفزيون – لا يعتبر تعليم عن بعد، بل يعتبر ” تلقين” عن بعد، وبالتالي لا يمكن لجميع الطلبة تلقي المفهوم بشكل سليم، وهذا ما حدث على أرض الواقع.
لقد كان لهذه التجربة تأثيراً كبيراً في زيادة عمق الفجوة بين الطلبة والمعلمين، إضافةً إلى صعوبة التمسك بزمام الأمور أثناء التعليم عن بعد، كون أن المعلم لا يرى جميع الطلبة في ذات الوقت – هذا في حال كان نفس المعلم – ، ولكن الأسوأ أيضاً تغيير المعلمين في هذه الفترة وخصوصاً للمبحث الواحد، الأمر الذي يزيد من عمق الفجوة، ويقلل من الأثر الإيجابي لفكرة التعليم عن بعد.
ولا ينكر أحد فشل عملية التقييم عن بعد، سواءً من ناحية تقنية أو من ناحية علمية، فقد رافق هذه العملية الكثير من الأخطاء العلمية التي لا ترقى لأن نقول أن التقييم عن بعد يشير إلى نتائج واقعية لمخرجات التعليم، ناهيك عن إعتماد الأسئلة الموضوعية القصيرة التي لا تقيس مخرجات التعليم بشكل دقيق.
ربما تكون هذه التجربة خبرة جديدة على واقع التعليم، لكنها لن تكون أبداً بديلاً عن حال التعليم الحضوري والفيزيائي لكلا الطرفين – المعلم والطالب-، فالغرفة الصفيَّة لها نكهتها وهيبتها وحضورها وحرمتها، إضافةً إلى أن التفاعل المباشر بين الطالب والمعلم من أهم مقومات عملية التعلُّم والتعليم.
إن قراءة المعلم لملامح وجوه الطلبة أثناء الدرس، يمكِّنه من معرفة مدى حضور الطالب الذهني، وتركيزه أثناء الحصة، وهذا لا شك من العوامل الفاعلة لعملية التعليم، ولكنه للأسف مفقود في حالة التعليم عن بعد مما يؤدي إلى الملل الذي يشعر به كل من المعلمين والطلبة نتيجة لذلك.
لذلك أتساءل، وماذا بعد؟ هل سيتم العمل على تحسين البيئة التعليمية المناسبة في مثل هذه الحالات؟ وهل سيتم تدريب كل من المعلمين والطلبة؟ أسئلة كثيرة نحتاج الوقوف عندها، ويبقى السؤال الأكبر: وماذا بعد؟