فيلادلفيا نيوز
بقلم المستشارة التربوية: بشرى سليمان عربيات
مما لا شك فيه أن للمعلم – المربي – دوراً كبيراً في تشكيل شخصية الطالب والتأثير على سلوكياته، وهذا الجانب لا يمكن تحقيقه أثناء التعليم عن بُعد، خاصة إذا طالت المدة الزمنية، هذا من جانب، ومن جانب آخر عند التعامل مع المراحل الأساسية الدنيا فإن هذا التأثير يكاد أن يكون معدوماً، وخصوصاً ما شاب مرحلة التقييم الإلكتروني هذا العام من تشوية نتيجة اللجوء للغش سواءً بطريقة مباشرة أو بمساعدة أولياء الأمور أثناء تأدية الإختبارات التقييمية، الأمر الذي يعمل على تشويه القيم السلوكية مدى الحياة للأطفال، وتشويه القيم لمن تربى عليها من اليافعين.
تعمل البيئة المدرسية بشكل عام على التأثير في سلوك وشخصية الطالب سواءً من المسؤولين داخل المدرسة – إدارة ومعلمين -،أو من الطلبة الآخرين ولا يمكن أن نغفل أثر هذا العامل في تكوين شخصية الطالب وتقويم سلوكه، وربما يكون هناك تأثيرات سلبية في بعض الحالات من البيئة المدرسية على سلوك الطالب ، والسبب يعود إلى فقدان المعلم القدوة في الآونة الأخيرة، ولهذا فإن تأثير البيئة المدرسية والإدارة يبدو واضحاً في تصرفات وسلوكيات الطلبة داخل وخارج أسوار المدرسة سواءً كانت إيجابية أم سلبية.
وإذا أردنا تقييم مرحلة التدريس عن بُعد من حيث الدور التربوي الذي قام به المعلمون، فأنا أرى غياب واضح للدور التربوي في هذه الفترة، وذلك لعدة أسباب، ولعل من أهمها أن الأساتذة الذين كانوا على منصة درسك ليسو من داخل وزارة التربية والتعليم، وليسو معلمين في المدارس الحكومية. وبالتالي لا توجد لغة تواصل بينهم وبين الطلبة سوى المادة التعليمية، عندئذٍ يختفي الجانب التربوي تماماً، وخصوصاً في المواد المسجلة على شاشات التلفزيون وعلى اليوتيوب. أضف إلى ذلك، بعض ما شاهدنا وسمعنا من بعض الأساتذة عبر كثير من المواقع وعلى منصة درسك الذين يتلفظون بألفاظ غير تربوية أثناء الشرح، الأمر الذي ينعكس على الطلبة سلبياً، لأن هذه الألفاظ مستهجنة من أي تربوي أو معلم ولا تليق بالعملية التعليمية ولا التربوية.
إن دور المعلم لا يقتصر فقط على إعطاء المادة العلمية، فقد لاحظنا أن الدور التعليمي للمعلمين في فترة التعليم عن بعد، لم يكن على قدر كافي من المسؤولية، فكيف يمكن لمن بقصِّر في دوره التعليمي أن يبدع في الدور التربوي، إلا إذا كانت له أهداف شخصية معينة!
ومن خلال مجموعة من المشاهدات، فقد قام بعض المعلمين في المدارس الخاصة بإعادة كتابة المادة العلمية كما هي في الكتاب المدرسي على أوراق – وبخط اليد – ونشرها على مواقع التواصل الإجتماعي، إن هذا التصرف ستكون له تبعات نفسية على الطالب في عدم الثقة بكفاءة المعلم، إضافة للتأثير السلبي في التحصيل العلمي.
وقد قام بعض المعلمين بإعطاء الأسئلة فبل الإمتحان على شكل مراجعة، وكان التقييم الإلكتروني يشمل نفس الأسئلة– والتي تحتوي نفس الأخطاء العلمية – وبالتالي سوف يؤثر هذا على الجيل الحالي بعدم وجود مصداقية من المعلمين ومن المشرفين ومن المدارس الخاصة الذين تمت مراجعتهم بهذا الشأن.
ولكن يجب أن لا ننكر أن هناك فئة قليلة من المعلمين تزرع الخير أينما كانت وبأي طريقة، سواءً كان التعليم عن بُعد أو عن قرب، وربما تكون هذه الفئة قد زرعت التفاؤل وحب العلم في نفوس الطلبة خلال أزمة كورونا، إضافة إلى توجيه الطلبة بالإعتماد على النفس وعدم اللجوء للغش، وتعزيز شعور الخشية من الله أثناء تأدية الإمتحانات الإلكترونية. لكني أرى أن هذه الفئة لا تشكِّل نسبة كبيرة – للأسف الشديد -، ولذلك فإن تأثيرها كان ضعيفاً.
لقد غاب الدور التربوي للمعلمين والمعلمات داخل المدارس الحكومية والخاصة منذ سنوات عديدة، الأمر الذي نتج عنه العنف المدرسي سواء كان من المعلم للطالب وسواء بين الطلبة أنفسهم. ولذلك فقد لمسنا آثار غياب الدور التربوي منذ سنوات مضت، والأسوأ أن يستمر هذا الغياب إذا استمر التعليم عن بعد فترة أطول، الأمر الذي يؤدي إلى فوضى مجتمعية لا يُحمد عقباها، وبذلك ستكون وزارة التربية والتعليم قد ساهمت بشكلٍ مباشر وبعناية فائقة في القضاء على التربية والتعليم. أقول ” وزارة التربية والتعليم ” ، لأنها لم تكن يوماً وزارة للتعليم فقط، ولكن الهدف الأول للمدارس كان تربوياً بالشراكة مع أولياء الأمور، ومن ثمَّ تأتي عملية التعليم لأن أول ما يتعلمه الطفل من المعلم هو الصدق والأمانة والمحافظة على الغرفة الصفية والنظافة، وغيرها من الأمور التي تبدو بسيطة، ولا يُلقى لها بالاً، ولكنها تبقى محفورة في شخصية ونفسية الطفل مدى الحياة.
إن الدور المأمول من المعلم كبير جداً ومهم أيضاً، ولا شك أن هذا الدور قد ضعف وتراجع بشكلٍ ملحوظ منذ سنوات طويلة، والأسباب كثيرة لا مجال لذكرها، ولكن علينا أن لا نرضى بحدود تأثير المعلم الدنيا إلى إشعارٍ آخر، لأن ذلك يعتبر مؤشر خطير على الجيل الحالي والأجيال القادمة.
للأسف الشديد، فإن دور المعلم التربوي يكاد يتلاشى – إلا في حالات نادرة – ولذلك علينا أن نفكر سوياً كيف ننهض بالمجتمع كافةً، ويقع الدور الرئيسي على عاتق وزارة التربية والتعليم، لكن لا بد أن تتضافر الجهود بين جميع مؤسسات ووزارات الدولة من أجل النهوض بالجيل الحالي، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، والعمل على حماية الأجيال القادمة من أخطار تحدّق بنا وبهم، فالخطر ليس فيروس فحسب! لأنَّ هناك أخطار لا ينفع معها حجر أو لقاح.