فيلادلفيا نيوز
تواصل السلطات الإسرائيلية ممارساتها الاستفزازية في حرم المسجد الأقصى المبارك وسط انتهاكات صارخة لقدسيته تهزّ مشاعر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
هذه الممارسات حملت مؤخرا عنوانا جديداً هو مصلى “باب الرحمة”، الذي تمكن المقدسيون في فبراير / شباط الماضي من إعادة فتحه إثر توترات وصدامات مع السلطات الإسرائيلية.
وأغلقت الشرطة الإسرائيلية “باب الرحمة”، عام 2003 في أوج الانتفاضة الفلسطينية، وجددت تمديده سنويا، وصادقت محكمة الصلح على ذلك الإجراء، عام 2017.
وتشهد مدينة القدس منذ أواسط الشهر الماضي حالة من التوتر إثر إصرار السلطات الإسرائيلية على إعادة إغلاق المصلى.
ويتكون المصلى من قاعة كبيرة داخل أسوار الأقصى، قرب “باب الرحمة”، بمساحة 250 مترًا مربعًا، وبارتفاع 15 مترًا، وتعلوه غرف كانت تستخدم مدرسة.
التصعيد الإسرائيلي وصل الثلاثاء الماضي حد إخراج قوات الشرطة الإسرائيلية جميع المصلين من المسجد الأقصى بالقوة، وإبقاء أبوابه مغلقة، وذلك بعد سلسلة من عمليات الاقتحام، وقيام شرطي إسرائيلي بتدنيس مصلى باب الرحمة بحذائه.
هذه الخطوات أثارت حفيظة عمان، وحذر الملك عبد الله الثاني بن الحسين، من تبعات التصعيد، خلال لقائه الثلاثاء، أعضاء بالكونغرس الأمريكي.
وشدد على أهمية الحفاظ على الوضع القائم في الحرم القدسي الشريف، محذرا من “مواصلة التصعيد الإسرائيلي بالقدس وتبعاته على فرص تحقيق السلام”.
بدوره، وصف وزير الأوقاف الأردني عبد الناصر أبو البصل، في بيان الثلاثاء، تفريغ المسجد الأقصى من المصلين بأنه “اعتداء صارخ على كل القيم الدينية والحقوق والمواثيق”.
يشار إلى أن دائرة أوقاف القدس التابعة لوزارة الأوقاف والمقدسات والشؤون الإسلامية في الأردن، هي المشرف الرسمي على المسجد الأقصى وأوقاف القدس (الشرقية).
وفي انتظار ما ستسفر عنه مفاوضات جارية بين الأردن وإسرائيل، أرجأت محكمة الصلح الإسرائيلية في القدس، الثلاثاء، لمدة أسبوع قرارا بشأن طلب النيابة العامة الإسرائيلية إغلاق مصلى باب الرحمة.
لكن تخطيط منظمات إسرائيلية متطرفة لاقتحام جماعي للأقصى، اليوم الخميس، من شأنه أن يصب الزيت مجددا على النار المتأججة في الأساس.
وتحت شعار “معًا نمنع المسلمين من السيطرة على باب الرحمة” دعا ما يسمى “اتحاد منظمات الهيكل” أنصاره والمستوطنين إلى مشاركة واسعة في اقتحام المسجد الأقصى الخميس.
**نقطة فاصلة
ويرى مراقبون أن “باب الرحمة” أصبح اليوم بمثابة نقطة فاصلة جديدة في العلاقات الأردنية الإسرائيلية.
وكشفت صحيفة إسرائيلية أن رئيس جهاز “الشاباك” داف أرغمان زارعمان مؤخراً؛ للتفاوض مع المسؤولين الأردنيين حول التوتر في المسجد الأقصى بعد إعادة فتح باب الرحمة المغلق منذ 2003.
وقالت صحيفة “إسرائيل اليوم” إن “إسرائيل عرضت على الأردن إغلاق باب الرحمة مقابل السماح بإعادة ترميمه، ولكن بشرط أن تتم عمليات إعادة الترميم تحت إشراف سلطة الآثار الإسرائيلية”.
**توترات لا تغيب
ورغم أن العلاقات بين عمان وتل أبيب لا تتعدى الأطر الدبلوماسية التي تفرضها معاهدة السلام بينهما، إلا أن هذه العلاقات باتت على شفا تدهور جديد جراء التصعيد الأخير.
ويقول أحمد سعيد نوفل، أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك الأردنية (حكومية) إن الممارسات الإسرائيلية تتناقض مع بنود اتفاقية السلام بين الجانبين.
واعتبر، في حديث للأناضول، أن “الحكومة الأردنية لا تمارس ضغطاً فعلياً، وعلى الأردن أن يهدد إسرائيل بسحب سفيره من تل أبيب وطرد السفير الإسرائيلي من عمان”.
وأوضح أن “سفراء الدولتين (الأردن وإسرائيل) جاؤوا تحت سقف اتفاقية وادي عربة، وممارسات إسرائيل تتناقض مع الاتفاقية”.
من جانبه، يقول يحيى السعود، رئيس لجنة فلسطين في مجلس النواب الأردني (الغرفة الأولى للبرلمان)، للأناضول إن “الموقف الشعبي والرسمي يرفض رفضاً قاطعاً ما تتعرض له المقدسات من تهويد”.
وأوضح أن “هذه مرحله خطرة تستفز مشاعر المسلمين في العالم، وقد تساهم بخلق حالة من التطرف وخطاب الكراهية الذي يهدد الشعوب برمتها”.
وزاد “السعود” بقوله “نفتخر بالدبلوماسية الأردنية في الدفاع عن القضية الفلسطينية، والملك عبد الله الثاني بن الحسين “يمثل صوت الحكمة والعقل والاعتدال والوسطية”.
وأكد أن “الحكومة هي صاحبة الولاية على طرد السفير الإسرائيلي”، مشدداً على أن “إسرائيل لا تريد السلام ولا تحترم القوانين وقد اخترقت معاهدة السلام مع الأردن في أحد بنودها”.
ولفت إلى أن “الأردن لن يقف مكتوف الأيدي تجاه باب الرحمة، وهذا سيؤدي إلى خلق صراع مع إسرائيل كون الأردن هو صاحب الوصاية على القدس والمقدسات الإسلامية”.
** صدام سياسي أردني إسرائيلي
ويقول حمادة فراعنة، الكاتب المتخصص في الشأن الإسرائيلي الفلسطيني، إن التصعيد الإسرائيلي يأتي في إطار الدعاية الانتخابية لليمين الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو، قبيل الانتخابات.
وأشار، في حديثه للأناضول، إلى أن الإجراءات الإسرائيلية تجاه المسجد الأقصى تتسم بالاستفزاز والتطرف، لأن الشعب الفلسطيني وخصوصاً أهل القدس هزموا الإسرائيليين خلال الأشهر الماضية أكثر من مرة.
وأوضح فراعنة “في شهر يوليو / تموز 2017 قرر نتنياهو وضع البوابات الإلكترونية والجسور الحديدية والكاميرات الذكية عند بوابات الأقصى، وأجبر أمام صلابة أهل القدس على إزالتها”.
وتابع “الانتصار الثاني في شهر فبراير / شباط 2018 عندما فرض نتنياهو قوانين إجراءات على الكنائس المسيحية فانتفضت كنيسة القيامة بالقدس وأجبر على التراجع”.
والانتصار الثالث، وفق فراعنة، كان في أكتوبر / تشرين الأول من العام نفسه، عندما قررت إسرائيل إزالة قرية الخان الأحمر شرقي القدس وأجبرت لاحقاً – أمام الصمود والتضامن الفلسطينيين – على التراجع.
وتابع “هناك غطاء وتفاهم أردني فلسطيني للتصدي للتصعيد الإسرائيلي انعكس بتشكيل مجلس الأوقاف الإسلامية يوم 14 فبراير الماضي”.
وعن العلاقة الأردنية الإسرائيلية في هذا الخصوص، اعتبر الكاتب الأردني أنها في “حالة تصادم سياسي عال المستوى”.
الاناضول