الثلاثاء , يونيو 24 2025 | 11:24 م
الرئيسية / stop / ا.د. مخلد سليمان الطراونه يكتب : “جامعاتنا في الأطراف: بين الأزمة المالية وغياب الحُكم الرشيد”

ا.د. مخلد سليمان الطراونه يكتب : “جامعاتنا في الأطراف: بين الأزمة المالية وغياب الحُكم الرشيد”

فيلادلفيا نيوز

في ظل التحديات المتسارعة التي تعصف بمنظومة التعليم العالي في الأردن، تبرز الجامعات الطرفية كأكثر المؤسسات عرضةً للاهتزاز والضعف، ليس فقط على الصعيد المالي، بل في بنيتها الإدارية وقدرتها على القيام بدورها التنموي في المحافظات. جامعات مؤتة، الحسين بن طلال، الطفيلة التقنية، اليرموك وغيرها، تعاني بصمت، بينما تتوالى الأزمات وتتعاظم الفجوة بينها وبين الجامعات المركزية في عمان وإربد.
هذه الجامعات وُلدت من رحم فكرة سامية: تعزيز العدالة التعليمية وتحقيق التنمية في الأطراف.

لكن الواقع المرير يكشف عن عجزٍ كبير في الموارد، وتراجع في أعداد الطلبة، وضعف في البنية التحتية، وتخصصات أصبحت خارج دائرة الجذب أو الحاجة الفعلية لسوق العمل. لم تعد هذه الجامعات قادرة على تطوير برامجها أو تحديث مناهجها أو حتى الحفاظ على كادرها الأكاديمي، وسط بيئة تفتقر إلى المرونة والتمويل والاستقلال الحقيقي.
لكن اللافت في مشهد الأزمة ليس فقط الضائقة المالية التي تثقل كاهل هذه المؤسسات، بل الغياب شبه التام لمجالس الأمناء عن أداء دورهم الحقيقي. فقد تحوّلت بعض هذه المجالس إلى منصات شكلية يشغلها رموز اجتماعية أو سياسية لا تتفاعل مع قضايا الجامعة، ولا تتحمل مسؤولياتها الاستراتيجية في التخطيط والمساءلة واتخاذ القرار. كثيرون يجلسون على مقاعد مجالس الأمناء بوصفها موقعاً “بريستيجياً”، لا بوصفها أمانة ومسؤولية وطنية يجب أن تُترجم إلى أفعال ومبادرات وقرارات جريئة.
واقع الحال يُشير إلى خلل عميق في المعادلة: اعتماد مفرط على مخصصات الدولة في ظل شحّ الموارد، يقابله عجز في تنمية الإيرادات الذاتية أو بناء شراكات فاعلة مع القطاع الخاص. وفيما تتراجع أعداد الملتحقين ببعض البرامج غير الجاذبة، تزداد الأعباء التشغيلية وتتعاظم الديون. وما يزيد الطين بلة هو غياب الفكر الإداري المتجدد، وغياب أدوات الحوكمة الحديثة، واعتماد نماذج تقليدية في الإدارة لا تتناسب مع روح العصر أو تحدياته.
السبيل إلى الإنقاذ لا يكون عبر دعم مالي عابر أو ترحيل للأزمة من عام إلى آخر، بل يتطلب رؤية وطنية شاملة لإصلاح التعليم العالي في المناطق الطرفية. لا بد من إعادة النظر في تخصصات الجامعات الطرفية، بحيث تُوجَّه نحو المجالات التقنية والمهنية ذات الصلة بالبيئة المحلية. كما يجب تفعيل مجالس الأمناء على أساس الكفاءة والمساءلة، لا المجاملة والمكانة الاجتماعية. وتمكين الجامعات من تنويع مصادر دخلها عبر الاستثمار، والوقف التعليمي، والشراكات، وبرامج الدراسات العليا المتخصصة. وفي سياق الإصلاح الاقتصادي، تبرز فكرة الخصخصة الجزئية لبعض مرافق الجامعات كخيار استراتيجي، خاصة في مجالات الخدمات والمرافق التجارية والتعليم المستمر.حيث يمكن طرح هذه المرافق للاستثمار أو التشغيل بالشراكة مع القطاع الخاص، مع ضمان الرقابة والجودة. هذه الخطوة من شأنها تخفيف الأعباء المالية وخلق فرص دخل جديدة.
ما نحتاجه اليوم ليس فقط دعماً مالياً، بل ثقة بأن هذه الجامعات تستطيع أن تكون منارات حقيقية للعلم وخدمة المجتمع، إذا ما توفرت لها القيادة الحكيمة والرؤية الواضحة والدعم المنهجي. تجاهل أزمتها هو تجاهل لكرامة الأطراف ولحق المواطن الأردني في التعليم الجيد أينما كان. إنها دعوة للاستفاقة، لا من أجل إنقاذ جامعاتنا الطرفية فقط، بل من أجل إنقاذ العدالة التعليمية والتنمية الوطنية برمّتها.

طباعة الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تنويه
• تتم مراجعة جميع التعليقات، وتنشر عند الموافقة عليها فقط.
• تحتفظ " فيلادلفيا نيوز" بحق حذف أي تعليق، ساعة تشاء، دون ذكر الأسباب.
• لن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة، أو خروجا عن الموضوع محل التعليق، او يشير ـ تصريحا أو تلويحا ـ إلى أسماء بعينها، او يتعرض لإثارة النعرات الطائفية أوالمذهبية او العرقية.
• التعليقات سفيرة مرسليها، وتعبر ـ ضرورة ـ عنهم وحدهم ليس غير، فكن خير مرسل، نكن خير ناشر.
HTML Snippets Powered By : XYZScripts.com