الإثنين , أغسطس 18 2025 | 12:24 م
الرئيسية / stop / ا.د مخلد سليمان الطراونه يكتب:خدمة العلم بين الواجب ومتطلبات العدالة والأمن الوطني

ا.د مخلد سليمان الطراونه يكتب:خدمة العلم بين الواجب ومتطلبات العدالة والأمن الوطني

فيلادلفيا نيوز

تُعد خدمة العلم إحدى الركائز الأساسية لبناء الجاهزية الوطنية وتعزيز الانتماء، إذ تسهم في صقل شخصية الشباب وتنمية روح الانضباط، وتعزيز قيم المشاركة المجتمعية. في ظل المعطيات الجديدة والتهديدات التي تواجه الأردن، خاصة من الكيان الصهيوني، لم تعد خدمة العلم مجرد التزام قانوني، بل أصبحت ضرورة استراتيجية للأمن الوطني، تعكس قدرة الدولة على الصمود، وتطوير قدرات شبابها لمواجهة أي تهديدات محتملة، سواء كانت عسكرية، استخباراتية، أو إلكترونية.
ومع ذلك، فإن تطبيق خدمة العلم يحتاج إلى توازن دقيق بين الواجب الوطني من جهة، والاعتبارات الإنسانية والاجتماعية والتعليمية من جهة أخرى. وهنا تأتي مسألة الاستثناءات المسبقة كأداة تنظيمية حساسة تتطلب وضوحًا وعدالة وشفافية. منح الاستثناءات ليس ترفًا إداريًا، بل ضرورة عملية تراعي أوضاعًا خاصة مثل الحالات الصحية، أو استكمال الدراسة، أو إعالة الأسرة، أو الارتباط بوظائف حيوية لا يمكن الاستغناء عنها. ومن خلال التجارب الدولية، ظهرت آليات مبتكرة مثل الخدمة البديلة المدنية، حيث يُتاح لمن يتعذر عليهم أداء الخدمة العسكرية فرصة المساهمة في مجالات أخرى كالصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية، ما يضمن استمرار الجميع في دائرة العطاء دون شعور بالظلم أو التهميش.
لتعزيز الجاهزية الوطنية الشاملة، يمكن التفكير في الجيش الشعبي كآلية رديفة واستراتيجية، بحيث يتم تجهيز كل الشعب الأردني كقوة مساندة للجيش العربي الأردني الباسل عند الحاجة. هذه الفكرة لا تقلل من أهمية الخدمة العسكرية النظامية، بل تزيد من قدرة الوطن الدفاعية، وتحوّل كل مواطن إلى عنصر فاعل في منظومة الأمن الوطني، مع رفع مستوى الانتماء والمسؤولية الجماعية. ويمكن أن يشمل الجيش الشعبي برامج تدريبية عملية للشباب في الدفاع المدني، والإسعافات الأولية، ومهارات الاتصال والإبلاغ عن التهديدات، وكذلك المشاركة في تدريبات عسكرية مشتركة مع الجيش النظامي، بما يخلق بنية دفاعية وطنية متكاملة ومرنة أمام أي تهديدات خارجية أو طارئة.
بالإضافة إلى ذلك، أصبح الأمن السيبراني عنصرًا محوريًا في الدفاع الوطني، نظرًا للتهديدات الرقمية المتزايدة على البنية التحتية الوطنية والقطاع العسكري. لذا، من المهم تجنيد الكفاءات الوطنية في مجال الأمن السيبراني ضمن منظومة الخدمة الوطنية، سواء في إطار الجيش الشعبي أو الخدمة البديلة، لتكوين خط دفاع إلكتروني استخباراتي قادر على حماية الشبكات الوطنية، ومراقبة الهجمات الإلكترونية، وتحليل التهديدات الرقمية، وتعزيز قدرات المخابرات العسكرية في المجال الرقمي. هذا يتيح دمج المواهب التكنولوجية مع الأمن الوطني، ما يحول الشباب إلى قوة رديف إلكترونية فاعلة، تسهم في الحفاظ على أمن الأردن على كافة المستويات.
كما يُعد وضوح الإجراءات حجر الأساس لنجاح منظومة خدمة العلم؛ فالاعتماد على بوابات إلكترونية للتقديم، ولجان طبية وفنية مستقلة، وآليات استئناف للطعن بالقرارات يعزز الشفافية ويقلص احتمالات المحسوبية أو التلاعب. نشر تقارير دورية عن أعداد المتقدمين وأنواع الاستثناءات المقبولة والمرفوضة يزيد من مستوى الثقة المجتمعية ويظهر جدية الدولة في إدارة الملف. ويمكن تعزيز ذلك من خلال حملات توعية مجتمعية لتوضيح أهمية الخدمة الوطنية والخيارات البديلة، ودور كل مواطن في حماية الوطن والمساهمة في المجتمع.
يبقى التحدي الأهم في تحويل خدمة العلم إلى مشروع وطني شامل، لا يُنظر إليه كمجرد التزام قانوني، بل كفرصة للشباب للمشاركة الفاعلة في بناء الوطن، واكتساب المهارات والمعارف التي تعزز صمود المجتمع أمام التحديات الأمنية التقليدية والرقمية. وفي هذا الإطار، تمثل الاستثناءات المسبقة ضمانة لتحقيق العدالة الاجتماعية وحماية الفئات الخاصة، شرط أن تكون منضبطة وواضحة، لتجنب استغلالها للتهرب من الخدمة.
إن التوازن بين الواجب الوطني، ومتطلبات العدالة الاجتماعية، واستراتيجية الأمن الوطني التقليدي والرقمي هو ما سيحدد نجاح مشروع خدمة العلم في المستقبل، ليصبح نموذجًا وطنيًا يحتذى، مع تعزيز فكرة الجيش الشعبي وخط الدفاع السيبراني الوطني كخيارات استراتيجية تزيد من صلابة الوطن وقدرته على مواجهة التهديدات، وتؤكد أن كل مواطن جزء من منظومة الدفاع الوطني والمسؤولية الجماعية، وأن حماية الأردن هي واجب وطني، اجتماعي، وأخلاقي على حد سواء.

الكويت

طباعة الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تنويه
• تتم مراجعة جميع التعليقات، وتنشر عند الموافقة عليها فقط.
• تحتفظ " فيلادلفيا نيوز" بحق حذف أي تعليق، ساعة تشاء، دون ذكر الأسباب.
• لن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة، أو خروجا عن الموضوع محل التعليق، او يشير ـ تصريحا أو تلويحا ـ إلى أسماء بعينها، او يتعرض لإثارة النعرات الطائفية أوالمذهبية او العرقية.
• التعليقات سفيرة مرسليها، وتعبر ـ ضرورة ـ عنهم وحدهم ليس غير، فكن خير مرسل، نكن خير ناشر.
HTML Snippets Powered By : XYZScripts.com