فيلادلفيا نيوز
تلعب مجالس الأمناء في الجامعات الحكومية دورًا جوهريًا في رسم السياسات الاستراتيجية ومراقبة جودة الأداء الأكاديمي والإداري، كما تمثل حلقة الوصل بين الجامعة والمجتمع، وتسهم في تحقيق الحوكمة الرشيدة. إلا أن هذا الدور المنشود يصطدم في كثير من السياقات بعقبتين رئيسيتين: الأولى تتعلق بعشوائية التشكيل، والثانية بانعدام آلية التفعيل. وهذا الواقع ينعكس سلبًا على فعالية التعليم العالي، ويحول دون تطوره المؤسسي واستقلاليته الأكاديمية.
تعاني عملية تشكيل مجالس الأمناء في الجامعات الحكومية من غياب معايير واضحة ومعلنة لاختيار الأعضاء، حيث تغلب عليها اعتبارات غير أكاديمية، مثل المحاصصة الاجتماعية أو التدخلات السياسية، ما يفقد المجلس تنوعه المعرفي وقدرته على إحداث التغيير الفعلي. وتكرار تعيين الأسماء ذاتها دون تجديد أو تقييم يعزز من الجمود المؤسسي، ويمنع دخول كفاءات جديدة ذات رؤى تطويرية. كما أن ضعف تمثيل التخصصات المختلفة في بعض المجالس ينعكس على محدودية الطرح أثناء النقاشات، ويؤدي إلى غياب الرؤية الشاملة لقضايا الجامعة.
وفي الجانب الآخر، فإن المجالس القائمة لا تتمتع غالبًا بصلاحيات فاعلة أو إطار تنظيمي يحدد مسؤولياتها التنفيذية. تُعقد اجتماعات دورية غالبًا ما تكون شكلية، دون وجود آليات واضحة لمتابعة التوصيات أو قياس الأثر الناتج عن قرارات المجلس. كما أن غياب أدوات المساءلة والتقييم يجعل المجلس جهازًا استشاريًا هشًا، غير قادر على التأثير الحقيقي في مسار الجامعة أو إصلاح اختلالاتها البنيوية. هذا الانفصال بين الهيكل والتفعيل يجعل المجلس في موقع رمزي فقط، فاقدًا للدور العملي.
يترتب على هذا الخلل المؤسسي تداعيات واسعة على البيئة الجامعية، أبرزها ضعف استقلالية القرار الأكاديمي، وتباطؤ عجلة التطوير، وغياب الرؤية الاستراتيجية، وفقدان الثقة بين مكونات المؤسسة الجامعية ومجلسها الأعلى. كما يؤدي إلى تعثر خطط الإصلاح، وتكرار الأزمات الإدارية، وغياب المأسسة في اتخاذ القرار.
ولكي تنهض الجامعات الحكومية بدورها التنموي والمعرفي، لا بد من إعادة النظر بشكل جذري في آلية تشكيل مجالس الأمناء، بحيث تقوم على أسس موضوعية ترتكز إلى الكفاءة والخبرة والتنوع، بعيدًا عن منطق المجاملة أو الولاءات. كما يجب أن تترافق هذه الخطوة مع تفعيل حقيقي لدور المجلس من خلال منحه صلاحيات واضحة، ووضع مؤشرات لقياس أدائه، وربطه بإطار شفاف للمساءلة. كذلك يمكن النظر في نماذج مبتكرة مثل انتخاب بعض الأعضاء من داخل الحرم الجامعي أو المجتمع المحلي، مما يرسخ مبدأ الشراكة ويعزز روح المسؤولية.
إن إصلاح مجالس الأمناء ليس شأنًا إداريًا بسيطًا، بل هو المدخل الحقيقي لإعادة هيكلة منظومة التعليم العالي برمتها، وجعلها أكثر حوكمة وفاعلية، وقادرة على مجابهة التحديات المتسارعة التي تفرضها المتغيرات العلمية والاقتصادية والاجتماعية على الجامعات الحديثة.
