فيلادلفيا نيوز
في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الأردن وتدهور العديد من القطاعات الاقتصادية نتيجة الظروف والأحداث الإقليمية وغياب السياسات الاقتصادية والخطط التنموية الناجعة لتحفيز الاقتصاد وجلب الاستثمارات ودفع حركة السوق لم يعد أمام الحكومة ترف الوقت ولا مساحة للمجاملات السياسية نحن بحاجة إلى إصلاح اقتصادي حقيقي يخرج من دائرة الشعارات والمقاربات التقليدية إلى واقع ملموس ينعكس بشكل مباشر على دخل المواطن وفرص العمل ومستوى الخدمات الأساسية.
لقد طال انتظار الأردنيين لتحسين أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية وما زالوا يسمعون عن خطط واستراتيجيات لا يرون أثرها في حياتهم اليومية في وقتٍ تتآكل فيه القدرة الشرائية ويضيق الأفق أمام الشباب الباحث عن العمل .
واحدة من أخطر الإشكاليات التي نواجهها اليوم هي طريقة التعامل مع أموال الضمان الاجتماعي والتي من المفترض أن تكون ذراعًا تنموية واستثمارية حقيقية ورافعه إنتاجية بلغ حجم الاستدانة من صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي نحو 57% من إجمالي موجوداته أي ما يعادل 9.5 مليار دينار تُدفع عليها فائدة سنوية تبلغ 6.2%. ورغم أن هذه الاستثمارات تُعد منخفضة المخاطر وآمنة للصندوق إلا أنه من الضروري تخفيض هذا النوع من الاستثمار الحكومي لصالح تنويع الاستثمارات في قطاعات إنتاجية أثبتت نجاحها وقد تحقق عوائد أعلى تصل إلى الضعف في بعض المجالات.
هذه المبالغ التي كان يجب أن تُستثمر في مشاريع وطنية استراتيجية ذات عوائد مالية واقتصادية مجزية تم استخدامها لسد العجز في النفقات الجارية بدل توجيهها إلى مشاريع رأسمالية وإنتاجية قادرة على خلق فرص عمل وتحفيز الاقتصاد.
لقد خسرنا فرصًا استثمارية ذات جدوى عالية كان من الممكن أن تحقق عوائد تفوق 15% مثل مشروع جر مياه حوض الديسي ومشاريع الطاقة المتجددة ومشاريع التعدين ومشروع الناقل الوطني للمياه الذي ما زال في مراحل الطرح. كلها فرص حقيقية ضاعت ومعها ضاعت فرص التشغيل وتحقيق نمو اقتصادي فعلي.
أما الحكومات المتعاقبة فقد اكتفت بإدارة الأزمة دون أن تعمل على تغيير قواعد اللعبة أو صناعة النمو. ظلّت النفقات الجارية تلتهم الجزء الأكبر من الموازنات العامة في حين تراجعت الاستثمارات الرأسمالية التي تُعتبر المحرك الحقيقي لأي اقتصاد منتج.
لا يمكن لأي اقتصاد أن ينهض من خلال إدارة العجز فقط. وحين ننظر إلى نسب النمو المتوقعة للعامين الحالي والمقبل (2.7% في 2024 وتوقعات لا تتجاوز 2.2% في 2025)، ندرك أن ما نعيشه ليس مجرد تباطؤ اقتصادي بل نتيجة مباشرة لنهج يفتقر إلى الابتكار والجرأة ويفضّل الاستمرار في الدوائر المألوفة بدل اقتحام ميادين الإنتاج والتشغيل الحقيقي.
ومن المؤسف أن برامج بعض الأحزاب الوطنية ورغم ما تملكه من مقترحات ورؤى إصلاحية واضحة لم تلقَ الاهتمام الكافي من الحكومة فهناك تغييب واضح لدور القوى السياسية في صياغة السياسات الاقتصادية وكأن هذه المؤسسات خُلقت لتكون رديفة فقط لا شريكة حقيقية في القرار. وفي الوقت الذي تنادي فيه القيادة السياسية بتوسيع قاعدة المشاركة وتعزيز دور الأحزاب ما زالت الحكومة تتعامل مع هذه الأحزاب وكأنها عبء لا مورد ومجرد واجهة لا قوة اقتراح حيث أكد جلالة الملك في عديد المناسبات واللقاءات على حتمية التناغم والتكامل بين أطراف المنظومة الحكومية والقطاع الخاص وبرامج الأحزاب لتحقيق الإصلاح الاقتصادي وتشجيع الاستثمار وفق خطط وبرامج ورؤية متكاملة وقابلية عاليه للنجاح لنستطيع جميعا الانطلاق في مسارات اقتصادية جديدة وآفاق مستقبلية والانفتاح على العالم وجذب الاستثمارات
نحن نعيش مرحلة وطنية حساسة تتطلب مشاركة الجميع وعلى رأسهم القوى السياسية المؤهلة والمستعدة لتحمّل مسؤولياتها نحو تنمية وطنية مستقبلية شاملة ومتكاملة تعزز رؤية التحديث الاقتصادي وتلبي تطلعات واحتياجات المواطن الأردني والقطاعات المختلفة.
وفي هذا السياق لا بد من توجيه رسالة واضحة إلى حكومة الدكتور جعفر حسّان: إن الاستقرار المالي والإداري لا يتحقق من خلال تغطية النفقات الجارية فقط بل من خلال تغيير الأولويات والتحول نحو الإنفاق الرأسمالي المنتج وربط المال العام بمشاريع تنموية واضحة الأثر والمطلوب ليس فقط إطلاق مشاريع كبرى بل وضع جداول زمنية لتنفيذها ومؤشرات أداء قابلة للقياس والمساءلة حتى يتمكن المواطن من رؤية نتائج هذه السياسات في حياته اليومية
لقد عبّر جلالة الملك عبد الله الثاني في خطاب العرش الأخير عن رؤية واضحة وشاملة للتحديث بمساراته السياسية والاقتصادية والإدارية مؤكدًا أن المرحلة القادمة هي مرحلة التنفيذ لا التردد والإنجاز لا التجميل
وأشار جلالته إلى ضرورة تفعيل الشراكة بين الدولة والمجتمع وتمكين الأحزاب الوطنية للقيام بدورها في الحياة العامة باعتبارها ركيزة أساسية في منظومة التحديث.
لكن كيف يمكن لهذه الرؤية الملكية أن تتحقق بينما تستمر الحكومة في تهميش القوى الحزبية وتغيب عنها التشاركية؟ وكيف يمكن الحديث عن تحديث اقتصادي شامل بينما يتم التعامل مع المال العام بعقلية الاستهلاك لا الاستثمار، والتردد بدل الحسم؟
هذه الرؤية التي يقودها جلالة الملك تحتاج إلى إرادة تنفيذية جادة وإلى إدارة تمتلك الشجاعة للانتقال من إدارة الأزمة إلى صناعة المستقبل
إن الأردنيين يستحقون اقتصادًا يحترم تضحياتهم ويوفر لهم الكرامة وفرص العيش الكريم لا اقتصادًا يُدار بالأرقام والتقارير فقط. الإصلاح الإقتصادي لم يعد خيارًا يمكن تأجيله بل هو ضرورة وطنية تتطلب قرارات حاسمة تشارك فيها جميع الأطراف ويُبنى فيها المستقبل كما يريده الأردنيون وكما يطمح إليه جلالة الملك حفظه الله ورعاه.
رئيس كتلة عزم النيابية
