فيلادلفيا نيوز
سؤال يتبادر الى اذهان الكثيرين حول العالم ممن يتابعون الاعلام العالمي و الاميريكي الا و هو ما الذي يجري في الداخل الاميريكي؟ فالصورة مرتبكة الى حد كبير. فكيف للدولة الاقوى و الاغنى في العالم ان تبدو في حالة فوضى، خصوصا مع الشعور بان الصراعات السياسية الداخلية تبدو عبثية و حركاتها بهلوانية و غير مفهومة.
الولايات المتحدة جمعت مهاجرين من حول العالم بما يسمى “الحلم الاميريكي”، و الذي يتلخص بالعدالة و مساواة الفرص. اذ انه يمكن لاي شخص بغض النظر عن خلفيته العرقية او الدينية او الطبقية او التعليمية ان يرتقي، بالجهد وحده، السلم المجتمعي الاقتصادي و السياسي من ادناه الى اعلاه من غير عوائق هيكلية، و على قاعدة ان لكل مجتهد نصيب. و كان هذا الشعار من اكبر الحوافز للاجتهاد الفردي في الولايات المتحدة، مع انه لم يكن على ارض الواقع حقيقي 100%، و لكن المهم انه كان مقنعا للغالبية العظمى من الناس مما ادى الى طفرات في الازدهار و النمو المستدام.
ما حدث خلال الثلاثين عاما الماضية و بشكل تدريجي، و بالارقام، ان هذا الحلم اصبح مهددا و بشكل كبير من قبل القلة القليلة الثرية في الولايات المتحدة، و خرج جيل كامل من الشباب من معادلة الحلم الاميريكي. الارقام الرسمية تشير اليوم الى ان اغنى 1% من الاميريكيين يتحكمون في اكثر من 45% من الثروة الوطنية، و ان الولايات المتحدة فيها اكبر فجوة في الرواتب ما بين الرؤساء التنفيذين و الموظفين، و في ذات الوقت يتمتع الاثرياء بمزيد من الاعفاءات الضريبية، بينما تدفع الطبقة الوسطى اجور سكن اعلى و اسعار اغلى للاساسيات، في حين تتدنى الخدمات الحكومية من صحة و تعليم و بنى تحتية.
ادى كل ما سبق خلال السنوات الماضية الى انقلاب الناخبين على السيياسيين التقليديين من غير وضوح في شكل و هيئة النخبة السياسية القادمة، مما سمح لحالة كبيرة من التقلبات و عدم الاستقرار. الرؤى و القوى السياسية المستقبلية تمر بمخاض عميق فيه مراوحة و اخذ و رد حتى تتشكل السياسات الجديدة التي تعبر عن نبض الناس و هذا لم يحدث لغاية الان، مما ينذر بمرحلة مطولة من التقلب.
الولايات المتحدة ليست دولة مثالية، و لكنها عظيمة. و العظمة في الامم ليست الكمال، بل تأتي من قدرتها و رغبتها في الحراك و في تغيير السياسات اعتمادا على الدلائل العلمية مع التجربة و الخطأ، و ليس على القناعات و الانطباعات او الافكار الجامدة. هذه المواصفات تعني ان لدى “النظام الاميريكي” قدرات كامنة على التصحيح الضمني التلقائي و ابتكار الحلول لاعادة البوصلة في الاتجاه الصحيح. و سيكون هناك دروس مستفادة على المستوى العالمي من هذه التجربة، مع الاقرار بالقلق الحقيقي من التخبط خلال هذه المسيرة، خصوصا ان طالت.
