السبت , نوفمبر 16 2024 | 6:53 م
الرئيسية / stop /  المحامي مراد البستنجي يكتب : حرية التعبير في الميزان الدستوري على ضوء مشروع القانون المعدل لقانون الجرائم الالكترونية

 المحامي مراد البستنجي يكتب : حرية التعبير في الميزان الدستوري على ضوء مشروع القانون المعدل لقانون الجرائم الالكترونية

فيلادلفيا نيوز

ولما جاء شعار التنمية السياسية المطروح على تقاطعات الشوارع هذه الأيام يقطع باليقين بضرورة إنشاء مجتمع يتابع ويراقب عن كثب سلوك الحكومة وإداراتها بصورة يومية متابعة غايتها استيعاب أبعاد ما تقوم به من إجراءات فيردها إلى جادة الصواب كلما حادت وانحرفت فإن هذه التنمية تستلزم توافر أحكام من شأنها وضع الأسس للبدء ببناء هذه التنمية الديمقراطية التي تتطلع إليها القيادة الأردنية ممثلة بجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين والذي ما انفك جلالته يتحدث فيها عبر لقاءات عدة وأوراق نقاشية بلغت سبعا، أقول يستلزم توافر أحكام بل واستدراجها إن لم تتوافر كأرضية صلبة تقوم على أمرين لا ثالث لهما أولهما تفعيل نصوص الدستور كقانون أعلى وأسمى وأهم هذه النصوص تلك التي تعنى بحقوق المواطن وحريته وثانيهما وقف تغول الحكومات على هذه الحقوق والحريات.

ولما كان مبدأ سيادة القانون والمشروعية يعني بالضرورة واللزوم خضوع الدولة للقانون الأساسي (الدستور) في المفهوم الديمقراطي، ذلك أن مضمون القاعدة القانونية التي تسمو في الدولة القانونية عليها, وتتقيد بها, إنما يتحدد على ضوء مستويات التزم تلك الدول الديمقراطية باضطراد في مجتمعاتها, واستقر العمل على انتهاجها في مظاهر سلوكها على تباينها, وذلك لضمان ألا تنزل الدولة القانونية بالحماية التي توفرها لحقوق مواطنيها وحرياتهم, عن الحدود الدنيا لمتطلباتها المقبولة بوجه عام في الدول الديمقراطية, ويندرج تحتهـا, ألا يكـون الجزاء على أفعالهم- جنائياً كان أم مدنياً, أم تأديبياً, أم مالياً- بإفراط, ومتدرجاً بقدر خطورتها ووطأتها على الصالح العام ومتناسبا معها, وأن لا يكون هذا الجزاء قد تجاوز حد المعقولية إلى المغالاة ليظهر في صورة من صور مراسيم جباية الأموال من المواطنين تحت عباءة ردع إنتشار الجريمة.                                                                              

حتى وصل القول لدى فقهاء الدساتير بأن حالة الضرورة التي تقف أمامها الحكومات عاجزة عن مواجهة أخطار معينة والتي تجيز لها التضحية بالاعتبارات الدستورية شرطها وجود خطر يهدد موضوعا دستوريا وهذا الخطر من الجسامة بمكان لا يحتمل وغير متوقع ومن غير الممكن دفعه والتغلب عليه عبر التشريعات القانونية السارية ولا يمكن للأوضاع العادية مواجهته، وحينها سيكون يقينا التدخل التشريعي مطلبا لكل مواطن دفاعا عن ماله وعرضه ونفسه، وبخلافه فلا يجوز للإدارة أن تقدم مصلحة الأفراد أضحيةً في سبيل المصلحة العامة وإلا جاءت متعسفة في استعمال سلطتها وفاقدة للسبب التشريعي ومنعدمة للاعتداء على ضوابط العدالة الاجتماعية ويقينا مخالفة للدستور، وهنا نستذكر قرارا لمحكمة العدل العليا (القضاء الإداري الأردني) أبان قانون الدفاع وسريان الأحكام العرفية حين صدحت في قرارها الصادر في الدعوى رقم (44/1967) وهي تتحدث عن الغاية من التشريع فتقول (إن الغاية المخصصة للتشريعات لا يصح تجاوزها إلى غيرها من الغايات حتى ولو كانت تهدف إلى مصلحة عامة، وانه أن فعل المشرع وتجاوزها كان تشريعه باطلا إلى المدى الذي يتعارض فيه مع الدستور).

ولما كان الظاهر عيانا وواقعا ملموسا غياب الضرورة الملحة التي أوجبت التعديلات على قانون الجرائم الالكترونية بتغليظ العقوبات إلى حد فاق العقل والمنطق،بحجج مختلف ألوانها، ذلك أنه وفي الشأن العام دون الأمر الشخصي فإن إساءة الظن مقبولة ومبعث القبول القلق الطبيعي توخيا للمصلحة العامة حتى وإن قيل أن قبولها مشروط بحسن النية ، لذا قيل من تصدي للشأن العام فقد تبرع بعرضه على الناس، وهنا نستذكر قرار للمحكمة الدستورية المصرية تقول فيه (والنقد إن كان متصلا بالشأن العام فلا بأس من الشطط فيه أحيانا)، فتكون حرية التعبير وفي ميزان الدستور الذي نجل ونحترم وبه نتمسك في مواجهة السلطة التنفيذية بل والتشريعية على حد سواء، قد سقطت وأجهض كل أمل معقود عليها كأحد صور الرقابة الشعبية، بل وغابت إلى الحد الذي يجعل غياب الديمقراطية أمر واقعا لا محالة ويجعل من الأحزاب عبء على كاهل المجتمع إن هي سكتت ولم تخرج للعامة تستنكر وتمارس صلاحياتها في مقاومة هذا المشروع.

 

طباعة الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تنويه
• تتم مراجعة جميع التعليقات، وتنشر عند الموافقة عليها فقط.
• تحتفظ " فيلادلفيا نيوز" بحق حذف أي تعليق، ساعة تشاء، دون ذكر الأسباب.
• لن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة، أو خروجا عن الموضوع محل التعليق، او يشير ـ تصريحا أو تلويحا ـ إلى أسماء بعينها، او يتعرض لإثارة النعرات الطائفية أوالمذهبية او العرقية.
• التعليقات سفيرة مرسليها، وتعبر ـ ضرورة ـ عنهم وحدهم ليس غير، فكن خير مرسل، نكن خير ناشر.
HTML Snippets Powered By : XYZScripts.com