فيلادلفيا نيوز
يحاول البعض أن يختزل المشكلة في هذا المشروع بإرتفاع قيمة الغرامات التي يفرضها على مخالفة أحكام القانون وهذا ما تردد على لسان بعض السادة النواب، لكن الواقع خلاف ذلك فالقانون عليه عديد الملاحظات الجوهرية أذكر أهمها في النقاط التالية :-
اولاً :- القانون لا يتضمن تعريف المصطلحات القانونية التي بنى عليها التجريم في سابقة خطيرة وغير مبررة.
هذا الأمر ينبني عليه التوسع في التجريم بلا ضابط قانوني مما يجعل مشروع القانون مخالف للدستور حيث لا جريمة و لا عقوبة الا بنص.
ومثال هذه المصطلحات ( الأخبار الكاذبة، الأخبار الزائفة، محتوى غير قانوني ، اغتيال الشخصية، إثارة النعرات الطائفية،الحض على الكراهية، ما يحرص الشخص على عدم اطلاع الغير عليه، الدعوى للعنف او تبريره …)
ثانياً :- القانون يقيد سلطة القاضي التقديرية في إيقاع العقوبة، حيث أن المشروع يحدد عقوبتين مجتمعتين معا على الجرم الواحد، الأولى هي الحبس و الثانية هي الغرامة، و الأصل ترك هذه السلطة للقاضي الذي يميز بين الفاعل لأول مرة و بين مكرر الجرائم.
ثالثاً :- يمتاز هذا المشروع عن قانون الجرائم الإلكترونية السابق رقم 27 لسنة 2015 انه يضاعف العقوبات لأكثر من عشرة أضعاف فمثلا المادة الرابعة من القانون القديم تحدد العقوبة عن الفعل الوارد بها بالحبس من ثلاث أشهر إلى سنة واحدة و الغرامة من 200 دينار إلى 1000 دينار .
ذات الفعل ورد في المشروع في المادة السادسة منه وحدد العقوبة بالحبس سنة واحدة إلى ثلاث سنوات و بالغرامة من 2500 دينار إلى 10000 دينار.
لا بل ان بعض الغرامات في هذا المشروع تصل إلى 75000 دينار.
رابعاً : – هذا القانون جاء بنص عجيب و مخيف من وجهة نظري، وهو منح مجلس الوزراء سلطة إصدار الأنظمة .
هذا الأمر لا تجده في القانون السابق و لا حتى في قانون العقوبات الاردني ولا قانون العقوبات العسكري و لا حتى في القانون المدني، و بقائه امر مخيف و غير مقبول و يعني ان حدود التجريم و التشريع ستنتقل من يد السلطة التشريعية إلى يد السلطة التنفيذية .
خامساً :- هذا المشروع خالف تشريعات نافذة منها قانون حماية أسرار و وثائق الدولة رقم 50 لسنة 1971 الذي فرق في الوثائق بين مهمة و اقل أهمية بينما المشروع الحالي لم يفرق بين الوثائق و عاملها من حيث التجريم كوحدة واحدة.
سادساً :- هذا المشروع جاء بنص مستهجن وهو نص المادة 4 حيث ساوت المادة في فقرتها الاخيرة بين الجريمة الكاملة و بين الشروع فيها من حيث العقوبة و هذا النص تكرر في المادة 10/ب من المشروع .
سابعاً :- المشروع الحالي أيضا و ضع عقوبات شديدة جدا كالاشغال الشاقة المؤقتة التي تصل الى خمسة عشر سنة على أفعال جرمية لا تستدعي كل هذا الغلو في العقوبة، هذا عدا عن قيم الغرامات المبالغ فيها جداً مثال ذلك المادة 5/ج .
ثامناً :- المشروع الحالي أيضا عاقب على الأفعال حتى وإن لم يترتب عليها ضرر اي انه يجرم على مجرد الخطر فقط وهذا الأمر غير موجود إلا في قانون مكافحة الإرهاب.
تاسعاً :- المشروع أيضاً يخالف الدستور الأردني من جهة أنه يقيد إمكانية المواطن الأردني في مخاطبة السلطات العامة التي جاء النص عليها في المادة 17 من الدستور، حيث أن اي نقد مهما كان مستواه عند مخاطبة هذه السلطات معرض للتجريم كون المصطلحات الجرمية غير منضبطة بتعريفات واضحة نهائياً مما يتيح المجال لإتهام الشخص المخاطب للسلطة بأنه يغتال الشخصيات او ينشر الاخبار الكاذبة…
عاشراً :- المشروع يفتقر للعدالة و المساواة فالفعل يعتبر مجرّماً فورا اذا كان الذي ارتكبه مؤسسة إعلامية او شخصية اعتبارية او أفراد ، بينما إن صدر ذات الفعل عن أي وزارة او دائرة حكومية فلا يعتبر الفعل مجرّماً فورا بل يجب إخطارها و إعطائها مهلة كافية لازالة المادة المنشورة وهذا حسب أحكام المادة 25 من مشروع القانون .
حادي عشر :- الجرائم و القضايا المحددة بهذا القانون تعطى صفة الاستعجال و تفصل خلال ثلاثة أشهر كما إشارة لذلك المادة 34 من مشروع القانون .
وهذا سيشكل عبئ إضافي على الجهاز القضائي لا بل فيه ظلم على أطراف باقي القضايا التي قد يتأخر البت فيها لحساب أحكام هذا القانون، فلا مبرر مطلقا لتفضيل هذه القضايا بسرعة الفصل و تعطيل مصالح و حقوق باقي والمواطنين لترضية مسؤول ما او صاحب منصب .
ثاني عشر :- هذا القانون يلزم المدعى العام بتحريك الشكوى في جرائم الذم و القدح و التحقير حتى لو لم يرغب المشتكى بتحريكها كما في المادة 15/ب و هذا خلاف الأصل، و تشدد لا مبرر له .
أخيراً فإن هذا القانون يضر بصورة الأردن في مجال حرية التعبير و حرية العمل الصحفي و التي هي اصلا غير جيدة، وفيه تدمير حقيقي للإعلام الإلكتروني الإخباري ، و فيه مخالفة واضحة لما يسمى مسيرة تحديث المنظومة السياسية و يأتي قبيل الإنتخابات القادمة وهي أول إنتخابات بعد تعديل قانون الإنتخابات مما يرسل رسائل سلبية للصحافة و الإعلام و الأحزاب و النقابات و الأفراد الذين سيطالهم القانون بقسوة على أي فعل صغير أو حتى الشروع فيه.
ليس هناك سوي مخرج واحد وهو سحب الحكومة لهذا المشروع للخروج من المأزق الذي وضعت الوطن فيه.