فيلادلفيا نيوز
الحق الشخصي أو (الالتزام) هو رابطة قانونية بين دائن ومدين يجبر الدائن بمقتضاها، مدينه على أن يقوم بعمل أو يمتنع عن عمل، ومصادر الحق الشخصي هي: “العقد، والإرادة المنفردة، الفعل الضار، والفعل النافع، والقانون”، فمتى توافر أحد هذه المصادر ينشأ الحق الشخصي أو الالتزام في ذمة ذمة شخص معين ولمصلحة شخص آخر.
وأن الأثر الذي يترتب على قيام الالتزام في ذمة شخص معين ولمصلحة شخص آخر، هو وجوب قيام الشخص المدين بالوفاء بالالتزام الذي ترتب على عاتقه لمصلحة دائنه.
والوفاء بالالتزام هو الطريق الطبيعي لانقضاء الالتزام، فإذا قام المدين بالوفاء بالتزامه طوعاً، انقضى الالتزام بالوفاء، والا يبقى الالتزام قائماً ويتعين لتنفيذه الوفاء به أن يضع القانون السلطة العامة في خدمة الدائن لاجبار المدين الممتنع على تنفيذ الالتزام.
وان الغاية من الالتزام هي أن يقوم المدين بأداء ما التزم به، والاصل فيه أن يقوم المدين بتنفيذ اختياراً دون حاجة إلى اتخاذ أي إجراء قانوني، وإذا امتنع المدين عن التنفيذ فللدائن أن يلجأ إلى الطرق والوسائل القانونية لتنفيذ ذلك الالتزام جبراً على المدين الممتنع عن التنفيذ، وهنا يتم اللجوء الى الإكراه البدني (حبس المدين) وهو إكراه المدين وجبره على تنفيذ التزامه بواسطة الضغط على إرادته عن طريق حبسه حتى يمتثل لارادة الدائن في تنفيذ الالتزام.
وحبس المدين بسبب الدين له مجال في الفقه الإسلامي، لكنه يقتصر على المدين الموسر، أما المدين المعسر فقد أجمع الفقهاء المسلمين على عدم جواز حبسه، عملاً بنص الآية الكريمة } وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة{.
وفي القانون الأردني أجاز قانون التنفيذ الأردني حبس المدين الممتنع عن تنفيذ سند تنفيذي، وحبس المدين لا يعد عقوبة، إنما يعد وسيلة ضغط لضمان تنفيذ الإلتزام، حيث نصت المادة (22/أ) من قانون التنفيذ على: “يجوز للدائن أن يطلب حبس مدينه إذا لم يسدد الدين أو يعرض تسوية تتناسب ومقدرته المالية خلال مدة الاخطار على ان لا تقل الدفعة الأولى بموجب التسوية عن (25%) من المبلغ المحكوم به …”، فيجوز للدائن أن يطلب حبس المدين عند عدم تسديده الدين أو عند عدم عرض تسوية تتناسب مع مقدرته المالية خلال مدة الاخطار التنفيذي والبالغة خمسة عشر يوم تلي يوم التبليغ، فاذا ثبت لرئيس التنفيذ بعد التحقيق مع المدين مقدرته على الوفاء، فأن لرئيس التنفيذ أن يصدر القرار بحبس المدين بذلك الدين مدة لا تتجاوز تسعين يوماً في السنة الواحدة عن دين واحد.
ولكن هل يتعارض حبس المدين في القانون الأردني مع الاتفاقيات الدولية ومنها ما جاء في المادة (11) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتي نصت على: ” لا يجوز سجن أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بإلتزام تعاقدي”؟
نصت المادة (33/ب) من الدستور الأردني على: “ب.المعاهدات والاتفاقيات التي يترتب عليها تحميل خزانة الدولة شيئاً من النفقات أو مساس في حقوق الأردنيين العامة أو الخاصة لا تكون نافذة إلا إذا وافق عليها مجلس الأمة ولا يجوز في أي حال أن تكون الشروط السرية في معاهدة أو اتفاق ما مناقضة للشروط العلنية”، تتصف نصوص الاتفاقيات الدولية بقوة قانونية ملزمة للدول التي أنضمت للإتفاقية، وحتى تتمتع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تحمل خزانة الدولة نفقات معينة أو فيها مساس بحقوق الأردنيين العامة أو الخاصة بقوة النفاذ تحتاج للمصادقة عليها من مجلس الأمة.
واستقر قضاء محكمة التمييز الموقرة على تأكيد مبدأ سمو المعاهدات الدولية على القوانين العادية.
وجاء في القرار التفسير رقم (1) لسنة (2020) والصادر عن المحكمة الدستورية بتاريخ (29/4/2020):
“أولاً: أنه لا يجوز إصدار قانون يتضمن تعديلاً أو الغاء لأحكام تلك المعاهدة.
ثانياً: إن المعاهدات الدولية لها قوتها الملزمة لأطرافها، ويتوجب على الدول احترامها، طالما ظلت قائمة ونافذة، ما دام أن هذه المعاهدات تم ابرامها والتصديق عليها، واستوفت الأجراءات المقررة لنفاذها”.
ونجد أن ما جاء بقرار التفسير الصادر عن المحكمة الدستورية لا يتعارض مع إجتهاد محكمة التمييز بتأكيد مبدأ سمو المعاهدات الدولة على القوانين العادية، أي إن المعاهدات الدولية لها قوتها الملزمة لأطرافها، ويتوجب على الدول احترامها، طالما ظلت قائمة ونافذة، ما دام أن هذه المعاهدات تم ابرامها والتصديق عليها، واستوفت الأجراءات المقررة لنفاذها.
والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام (1966) هي معاهدة متعددة الأطراف اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة ودخلت حيز التنفيذ في (23/آذار/1976) وتم المصادقة عليها من مجلس الوزراء بتاريخ (30/5/2006) وتم نشرها بالجريدة الرسمية بالعدد رقم (4764) بتاريخ (15/6/2006)، إلا أنه لا قيمة دستورية لها في النظام القانوني الأردني، ذلك على إعتبار أنه لم يتم عرضها على مجلس الأمة للتصديق عليها إستناداً لأحكام المادة (33/2) من الدستور الأردني كونها تمس حقوق الأردنيين العامة والخاصة، وبالتالي فأن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لا يجوز أن يسمو على قانون التنفيذ كون قانون التنفيذ مصادق عليه من قبل مجلس الأمة في حين أن العهد الدولي مصادق عليه فقط من مجلس الوزراء.
وعلى الفرض الساقط أن العهد الدولي يسمو على قانون التنفيذ فأنه بالرجوع إلى نص المادة (11) من العهد الدولي نجد أنها إشترطت لمنع سجن الانسان عجزه عن الوفاء بإلتزام تعاقدي، وبالتالي لم تمنع سجن الإنسان الذي لا يعجز عن الوفاء بإلتزامه.
وبناء على ما تقدم لا تتعارض المادة (11) من العهد الدولي مع المادة (22) من قانون التنفيذ لان المادة (11) من العهد الدولي تشترط توافر شرطين لتطبيقها وهما:
1. أن يكون الدين ناتج عن إلتزام تعاقدي.
2. أن يكون المدين عاجز عن الوفاء بالتزامه، وبالتالي يتوجب على المدين إثبات عجزه عن السداد بموجب قرار قضائي قطعي بإعساره سندأ لأحكام القانون المدني رقم (43) لسنة (1976) وقانون الإعسار رقم (21) لسنة (2018)، ونظام الإعسار رقم (8) لسنة (2019).