فيلادلفيا نيوز
بشير حسن
جمعني العمل بالداعية الشاب “معز مسعود” قبل أحداث يناير ٢٠١١، حيث كان يحل ضيفًا في فقرة أسبوعية على برنامج (٩٠ دقيقة) عندما كنت رئيسًا لتحريره، وكان للرجل طريقته الخاصة جدًا في التعاطي مع الإعلام، فالإعداد للفقرة كان منوطًا به، يرسل الموضوع الذي يفضل التحدث فيه ولا يحيد عنه، لم تظهر عليه بوادر السياسة، بل إنه كان يفضل الابتعاد عنها.
وكان للفقرة جمهور ينتظرها، خاصة من الشباب، في هذا التوقيت كانت ظاهرة الدعاة الجدد قد طغت على أغلب القنوات، وهم الدعاة الذين لم يتلقوا تعليمًا في الأزهر، لكنهم تتلمذوا على أيدى شيوخ أغلب الظن أنهم أيضًا ليسوا من خريجي الأزهر، وكان عمرو خالد هو القاطرة التي تقود هؤلاء الشباب، وفي مقدمتهم مصطفى حسني.
غاب “معز مسعود” عن الإعلام فترة، ثم ظهر يوم ٢٨ يناير ٢٠١١ في ميدان التحرير بصحبة صديقه “مصطفى حسني”، وفي مساء نفس اليوم فوجئت بهما في القناة يطلبان من الإدارة إذاعة فيديو مدته عشر دقائق قاما بتسجيله، ويتضمن حس الشباب على النزول إلى الميدان لممارسة حقهم في التظاهر دون المساس بالممتلكات العامة والخاصة.
تبدلت الوجوه أمامي، وخلع الاثنان ثياب الدين (الكاجوال) ليرتديا ثياب السياسة، بعد ادعاء النفور منها طوال سنوات مضت، وكأنها رجس من عمل الشيطان، كان العرق يتصبب من وجهيهما، وحديثهما عن المشهد الممتع في ميدان التحرير لا ينقطع، ثم خرجا من القناة ليتوجها إلى قنوات أخرى للاتفاق معها على موعد بث التسجيل الخاص بهما.
في هذه الفترة اتضحت العلاقة التي تربط الاثنين بكبيرهما عمرو خالد، الذي عاد من الخارج هو الآخر ليحط بركابه في ميدان التحرير، ويقود الشباب جنبًا إلى جنب مع محمد البلتاجي وقيادات الإخوان، لكن عمرو كان منوطا به التعامل مع القنوات العربية والأجنبية، فعلى شاشات الجزيرة شاهدناه، وعلى العربية كانت رسالته بنفس ال”تي شيرت” الذي اعتذر عن الظهور به وقد تصبب العرق منه، لكنه كان يعطي لنفسه العذر بأن روعة المشهد في الميدان وتنحي النظام أهم من مظهره.
ومن قلب الميدان جاء عمرو ليحل ضيفًا على برنامج (٩٠ دقيقة) ويعتذر عن ظهوره بالـ”تي شيرت” الذي تصبب عرقه فيه، وخاض بحديثه في السياسة التي كان يرفض مجرد التلميح إليها، وتحدث عن إنجازاته مع شباب (صناع الحياة) الذين قادوا الثورة حتى أسقطوا النظام، وتلقى عمرو اتصالات من دعاة شباب قالوا على الهواء إنهم من تلاميذه.
هذا التحول المفاجئ لعمرو خالد ومعز مسعود ومصطفى حسني ومن على شاكلتهم، وخوضهم في السياسة التي حرموها على أنفسهم من قبل.. يؤكد أن هذا الفصيل من الدعاة لديه أجندته السياسية الخاصة، فقط.. يتحين الفرصة للتحدث عنها وفرضها، وعلى الرغم من ابتعادهم عن السياسة في الوقت الحالي ونفورهم منها.. إلا أنهم سرعان ما يتحولون إلى ساسة كبار وقادة لشباب أعدوه من قبل ليلتف حولهم، هذا ما فعلوه بعد أحداث يناير، وما سيفعلونه ثانية إذا أتيحت لهم الفرصة.
كنت واحدًا من الذين فتحوا بوابة الإعلام أمام الدعاة ( الكاجوال) خطأ.. أصبح الاعتراف به فضيلة، والاستمرار فيه خطيئة، فقد صنعنا منهم نجومًا، راضخين لرغبة المعلن، ضاربين بالأزهر وشيوخه عرض الحائط، غافلونا بسحناتهم، ونعومتهم.. فغفلنا دور الأزهر وشيوخه.
ولعل ظاهرة هؤلاء الدعاة وما تحمله بين طياتها من أجندات سياسية.. فرصة للأزهر لإعادة حساباته وإعداد مجموعة من الدعاة غير المتعارف عليهم، والدفع بهم إلى الشاشات، دعاة يحملون إلى جانب سماحة الوجوه سماحة الإسلام.
basher_hassan@hotmail.com