فيلادلفيا نيوز
سلط الرئيس السابق ترامب الاضواء العالمية على الولايات المتحدة بشكل اكبر من اي وقت مضى. شكليا، انتمى ترامب الى حزب الجمهوريين و عمل باسمهم، و لكنه جاء من خارج المؤسسات الحزبية و الحكومية. لم يتقلد منصبا رسميا في حياته قبل الرئاسة، و بالتالي، فقد فرض نفسه على الحزب، و لم يلتزم باعرافه. تحدث مباشرة من خلال الاعلام الاجتماعي و الب الناس على قواعد السلطة التقليدية مما ادى الى تدهور كبير في التقاليد الرئاسية و في مكانة اميريكا الدولية.
ترامب لم يبتكر، بل اظهر التناقضات الموجودة في المجتمع الاميريكي الكبير و المتنوع. الولايات المتحدة الاميريكية و منذ انشائها ككيان سياسي موحد قبل اكثر من مائتين و ثلاثين عاما كانت بلد التناقضات، و لا زالت. فيها افضل ما في هذا العالم و اسوأ ما فيه ايضا، و كل ذلك في بوتقة واحدة. فيها غطرسة عسكرية، و فيها اميريكيون انسانيون يكشفون عوراتها للعالم، من غير ان يتهموا بالخيانة، كما حدث في فيتنام و العراق و غيرها الكثير، حيث كانت الصحافة الامريكية هي من كشف التجاوزات. دولة قوتها في ضعفها، فهي لا تختزل في مؤسسة واحدة، و لا تحمل فكرا اوحدا. دولة عاشت مخاضات متعددة، داخلية و خارجية.
في امريكا اغنى الناس عالميا، و افقرهم. هي من اعرق الديمقراطيات، و لكنها تعاني من عنف مجتمعي و من عنصرية، لديها افضل طب في العالم و نظام صحي لا يكفل الجميع، فيها احدث العلوم و الابحاث، و مع ذلك تجد مجموعات كبيرة تعتنق الخرافات. فيها اكبر الثروات، و لديها فقر و بطالة و نسبة جريمة مرتفعة. مجتمع فيه عطاء و خير كثير و عنفوان، و في نفس الوقت فيه تعصب و كراهية و لامبالاة. مخزون هائل من المعرفة و الخير، و رصيد سلبي من عكس ذلك.
الولايات المتحدة دولة عظيمة ليس لانها مثالية، بل لانها تجمع كل التناقضات و تعمل على دمجها في مكان و زمان و كينونة واحدة، و روح موحدة. اميريكا تجربة حية. فهي مختبر حقيقي للدولة الحديثة تبحث عن الكمال، و عظمتها تتجسد في عدم اكتمالها، فيما تتجلى عبقريتها في سعيها الدؤوب للبحث و التغيير.
لا يضير الدول العظيمة انها غير مثالية، بل يعيبها انكار الثغرات و غياب مبادرات التغيير المستمر نحو الافضل.