فيلادلفيا نيوز
ملامح ضخمة لوجوه مشهورة وعادية ثير الضحك، خطوط رشيقة تتقافز على الورق بمرح وطفولة، رسومات كاريكاتيرية تنتقد حياتنا اليومية في محبة من يسدي النصيحة، هكذا عاش -وما زال مستمرًا – الفنان التشكيلي الكبير جورج البهجوري، والذي يحتفل جاليري بيكاسو بعيد ميلاده الخامس والثمانين، بإصداره قريباً كتاب الفنان “أيقونة مصرية” والمُقرر إقامة حفل توقيع نسخته الأولى بجاليري “بيكاسو إيست” في 29 يناير الجاري، بحضور كوكبة من الشخصيات الفنية والثقافية والصحفية.
وذكر الفنان، رضا بيكاسو، مدير الجاليري في تصريح خاص لشبكة “إرم نيوز”: “الكتاب يصدر عن مؤسسة بيكاسو إيست للثقافة والفنون، ويضم ما يزيد على 300 عمل فني بالألوان، ما بين اللوحات والبورتريهات والنحت وتصميم السجاد، كما يضم ما يقرب من 75 صورة شخصية تُجسد مراحل حياة الفنان، ما بين القاهرة وباريس وقرية بهجورة مسقط رأسه، بعين كاميرا الفوتوغرافيا، وسيُصاحب هذا الحدث المهم تنظيم معرض لأعمال الفنان.
ما بين قرية بضواحي نجع حمادي بمحافظة “قنا” في صعيد مصر، مشهورة بزراعة القصب والنخيل تسمى “بهجورة”، واليها يرجع اسمه الفني، وعاصمة النور الفرنسية “باريس”، ولد وعاش الفنان التشكيلي الكبير ورسام الكاريكاتير الساخر والفنان العالمي جورج عبد المسيح بشاي شنودة ساليدس جرجس، المشهور بجورج بهجوري، المولود العام 1932 لأسرة متوسطة، يعمل عائلها في تدريس اللغة الإنجليزية، عاشت ما بين الأقصر والمنوفية والقاهرة.
هذا التنقل والترحال ومعايشة صنوف من البشر بعاداتهم الصعيدية والريفية في الدلتا ثم المحطة الأخيرة في القاهرة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي ، جعلت ابنها الثالث في الترتيب العائلي “جورج” يطلق لخياله العنان في رحلته في صباه من صعيد مصر إلى الدلتا إلى القاهرة، فيقدم وعبر مئات اللوحات الكاريكاتيرية والتشكيلية معًا تجسيدات بديعة لأبناء شعبه وللتراث المصري وللفولكلور، وتشكل المقاهي وتدخين الأرجيلة ولعبة الطاولة والطقوس الشعبية خاصة الموالد والأعياد الشعبية والدينية، جزءاً لا يتجزأ من هذه اللوحات الإبداعية، التي قدمها “البهجوري” طوال سبع عقود زمنية، من اللعب والمرح بالألوان والوجوه.
البداية عند الفنان التشكيلي الكبير جورج البهجوري، تجيء حينما كان طفلاً صغيراً يغضب من عمليات الطرد المتكرر من قعدات الكبار القادمين من بهجورة لزيارة العم “عطا الله البهجوري” بملامحهم المتشابهة في الأنف الكبير، والعِمّة والقفطان، وتصرفاتهم المُتَّسمة بالفطرة واللطافة والإنسانية، فيقرر في انتقام طفولي أن يدخل غرفته ويبدأ في رسم “شخبطة” تجعل ملامحهم كبيرة تثير الضحك والسخرية من طردهم له وإبعاده عن مجلسهم ، لتتشكل ملامح الفنان داخله .
في العام 1953 يقابل الفنان الكبير “جورج بهجوري” فنانًا رائعًا اسمه “أبو العينين”، فيقدمه إلى الكاتب الكبير “إحسان عبد القدوس”، رئيس تحرير مجلة روزاليوسف في ذلك الوقت، فيلحقه بالعمل كرسام كاريكاتير في مجلتي “روز اليوسف” و”صباح الخير” وهناك واقعة طريفة عن بداية عمله بالمجلة صرح بها كثيراً الفنان جورج البهجوري فيقول: “كانت أول رسمة رسمتها مناخير عبدالناصر، من أول الصفحة على الغلاف لحدّ الآخر وفضلت أطوِّل فيها، وبعدين يأتى أبوالعينين يقول لى لا يا إما نقُصّ المناخير يا إما أنت تصغرها شوية هي دي أول غلاف، كان مهمًا جداً لأن أول مرة الرئيس يشوف نفسه كده.
يقرر “البهجوري” الانتقال إلى باريس في منتصف الستينيات من القرن الماضي، وقد منحته عاصمة النور الحرية التي طالما بحث عنها، حيث كان بمقدوره أن يرسم بحرية كل جوانب الحياة اليومية، وهو ما أبقاه في فرنسا ما يزيد على 35 عاماً، عاد بعدها إلى مصر، وقد استمد الكثير من الإلهام من أعمال فنانين كثيرين خاصة بيكاسو، الذي منحه حرية أن يكون فناناً طليعياً، ولذلك أشار نقاد إلى البهجوري على أنه “بيكاسو المصري”، وقد مزج أسلوبه بين التعدد من الفن الأوروبي، وتراثه المصري الفرعوني والعربي، ما منحه خصوصية في أعماله.
ورغم خروجه من الكنيسة، وتمرده على تعاليمها، وعلى تقاليد العائلة، إلا أن الكنيسة حاضرة في بعض أوجهها في فن “جورج بهجوري”، فتأثره واضحًا بالأيقونات القديمة وألوانه نابعة من ذاك الفن الذي كان في فترة معينة بين الدّين والجمال والروح والجسد، ومَن يزور معارض جورج بهجوري في أوروبا أو مصر، سيفاجأ بتلك العيون التي تحتل جزءًا كبيرا من لوحاته، حيث إن ذاك التفصيل هو الأساس وليس الشكل الكامل، فجورج بهجوري يركز على الروح وليس على الجسد، كما ينظر إليه أيضاً على أنه واحد من رواد الكاريكاتير المصري، وقد نشرت رسوماته الكاريكاتيرية السياسية في الصحف العربية على امتداد عقود من الزمن، حيث أقام “البهجوري” عشرات المعارض في سائر أرجاء العالم، فاز عنها بجوائز كثيرة، منها الجائزة العالمية الأولى في الكاريكاتير بروما عامي 1985 و1987.
يعيش الفنان التشكيلي جورج بهجوري، أيامه مناصفة، ستة أشهر في القاهرة، ومثلها في باريس، وصدر له خلال تلك الرحلة الإبداعية الطويلة، كتاب “بهجر في المهجر”، ويضم مذكراته الباريسية ورحلته إلى هذا المنفى الاختياري، أيضاً كتاب “أيقونة الطفولة” و”أيقونة الشباب” و”أيقونة باريس”، وهي رواية من ثلاثة أجزاء، ورواية “أيقونة فلتس”. ارم نيوز