فيلادلفيا نيوز
بشير حسن
الجلوس فى محراب الكعبة بعد الطواف يشبع رغبتى فى التمتع بالنظر إليها، ثم الدعاء بما يجيش به صدري، ولست استثناء عندما يكون للوطن واستقراره وأمنه النصيب الأكبر من أدعيتى المرتجلة.
هذه المرة طالت جلساتي، وفشلت فى الهروب من التفكير فى واقع عربى وإسلامى مترد، ربما أخذنى إليه هذه الملايين التى تتسابق للطواف حول بيت الله وقد تباينت ألوانها وألسنتها، لكن جمعت بينها الآية الكريمة «وَأَذِّن فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (٢٧)» تتلاحق أقدام الملايين حول الكعبة ويلح على خاطرى سيل من الأسئلة: ألا يرى العالم هذا المشهد فيهابنا نحن العرب والمسلمين؟ هل أدرك الغرب أن قوتنا فى وحدتنا فأصر على تفتيتنا؟ ألا يرى ترامب هذه الحشود فيدرك أننا قوة لا يستهان بها؟ ويأبى الطرف الآخر بداخلى إلا أن يرد على تساؤلاتى بأخرى تشعرنى بالعجز: وهل أدركنا نحن أن قوتنا فى وحدتنا؟ ولماذا فشلنا فى الالتفاف حول مشروع واحد يعيد إلينا هيبتنا المفقودة أسوة بأوروبا؟ ولماذا تذهب خيرات بلادنا إلى غيرنا ليزدادوا ثراء ونزداد نحن فقرا؟ وكيف نجح الغرب فى الوقيعة بيننا فصرنا أعداء يتربص كل منا بالآخر ونسينا أو تناسينا عدونا الحقيقي؟ ولماذا يستبدل بعض المسئولين المسلمين والعرب الطواف مع إخوانهم حول الكعبة بالطواف حول البيت الأبيض؟ وهل البقاء فى موقع المسئولية هو المقابل لهذا الطواف؟ ولماذا أصبحت واشنطن قبلة للجماعات والمنظمات الحقوقية يتجهون إليها للمشاركة فى مزاد بيع الأوطان؟ ولماذا نستجيب لنزوات وشطحات ترامب ونحن نعلم أنه لا يريد لنا لا صلاحا ولا إصلاحا؟ وما قيمة كل هذه الحشود التى جاءت من كل فج عميق إذا كانت عاجزة عن التصدى لبلطجة ترامب؟
ومن الطواف حول الكعبة إلى السعى لإتمام العمرة، ثم إلى جبل عرفات للبدء فى مناسك الحج، حيث الملايين التى تؤمن على دعاء الخطيب (اللهم انصر الإسلام والمسلمين) فى هذه اللحظة وددت لو تخلت كل دولة عن أطماعها، وكل حاكم عن هاجسه بأن بقاءه فى مقعده مرهون برضا ترامب، وتمنيت لو تصدر الحكام العرب والمسلمين الصفوف ليعلنوا أمام العالم أن همهم واحد، وأن قضيتهم واحدة، ولا عداوة ولا فرقة بعد اليوم، وليذهب ترامب وإخوانه إلى الجحيم، ولو حدث ذلك لهمت الشعوب بحماية حكامها، وذهبت خيرات بلادنا إلى شعوبنا، ولسارعت واشنطن فى التودد إلينا.
ومن عرفات إلى مزدلفة حيث الصلاة وجمع الحصوات، ثم إلى منى لرجم الشيطان، رجمت ثم تراجعت للخلف لاستكمال الدعاء، ووددت لو وجهت هذه الحشود جمراتها لرجم شياطين الإنس التى اتخذت من البيت الأبيض قبلة لها، وجعلت من شهر سبتمبر المقبل موسما للحج إليه، حيث يتوافد تجار الأوطان إلى واشنطن للبدء فى مناسك بيع الأوطان من خلال تقارير مسمومة ضد بلادهم، يؤجرون عليها من أعداء مهمتهم الأساسية تدمير المنطقة، هذه التقارير تستخدمها أمريكا للضغط على الدول لابتزازها وتهديد حكامها.
تساؤلاتي.. والأخرى للطرف الثانى بداخلي، هى تساؤلات كل من طافوا حول الكعبة وصعدوا إلى عرفات ورجموا الشيطان فى منى، فلم أكن استثناء لا فى الدعاء للوطن.. ولا فى البكاء على حال العرب والمسلمين، ورغم الزخم الدينى طوال فترة أداء الفريضة، ومحاولات الإفلات من التفكير فى واقع عربى وإسلامى يدعو للحسرة.. تأتى المملكة العربية السعودية لتشغلنا بعض الوقت بتساؤلات كانت القاسم المشترك بين كل حجاج بيت الله، فكل المناطق الخاصة بالمناسك يعتريها التغيير عاما بعد الآخر، لتسهل المهمة على الزوار وتضمن لهم السلامة، فلا تدافع فى عرفات ولا فى الجمرات ولا فى الطواف، تخطيط محكم تناغم مع مشروعات كثيرة جميعها انعكست إيجابيا على الحجاج، وأفراد وضباط شرطة وجيش وكشافة ومسعفين، يبدأون فى تقديم الخدمة بمجرد الوصول إلى المطار، الابتسامة تملأ الوجوه، وجملة (أنا هنا لخدمتك) تسمعها من الكبير والصغير، وكأن الجميع تدرب على كيفية استقبال ضيوف الرحمن، وتوفير كل سبل الراحة لهم، كل يعرف دوره، ولم نطرح سؤالا إلا وكانت الإجابة حاضرة، ولم نطلب خدمة إلا ووجدنا من يسارع بتقديمها، شعب أصبح لديه وعي كبير بأهمية السياحة الدينية، وبكيفية تسويق بلاده أمام العالم، ورجال أعمال ومؤسسات وشركات كانت فى سباق محموم للمشاركة فى هذه المنظومة التى أبهرت الجميع.