فيلادلفيا نيوز
رفع رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز إلى مقام جلالة الملك عبدالله الثاني رد الحكومة على كتاب التكليف السامي.
وفيما يلي نص الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم مولاي صاحب الجلالة الهاشميّة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم، حفظه الله وأعزّ ملكه، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يشرّفني يا مولاي أن أرفع إلى مقامكم السّامي أصدق مشاعر الفخر والاعتزاز، مقرونةً بعظيم المحبّة والولاء؛ والأردنّ العزيز يتنسّم نفحات العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، وقرب حلول عيد الفطر السّعيد، أعاده الله عليكم وعلى أبناء شعبنا العزيز، والأمّتين العربيّة والإسلاميّة بالخير واليُمن والبركات.
أما وقد شرّفتموني، يا صاحب الجلالة، بتشكيل حكومة جديدة، تستكمل مسيرة الإصلاح والبناء والتطوير، وتواصل النهوض بالمسؤوليّات الوطنيّة الكبيرة، في ظلّ ظروف محليّة وإقليميّة دقيقة؛ فإنّني أعاهِد الله، وأعاهِدكم مولاي المعظّم، أن أعمل جاهداً، بعزيمة لا تلين، وإخلاص لا ينتهي، على ترجمة مضامين كتاب التكليف السامي، الذي حظي بمباركة أبناء أردنّنا العزيز، باعتباره يحمل تطلّعاتهم وطموحاتهم نحو حاضرٍ أفضل وغدٍ مشرق.
مولاي المعظّم، لقد جسّد الأردنيّون خلال الأيّام الماضية قيم المواطنة الفاعلة بأبهى صورها، وعبّروا عن تطلّعاتهم بمنتهى المسؤوليّة، وضربوا أروع الأمثلة في التعبير السلمي الحضاري عن آرائهم، بشكل يضاهي أرقى الممارسات الديمقراطيّة، وكانوا الصنو والسند لأجهزتنا الأمنيّة في الحفاظ على الصالح العام، والابتعاد عن الفوضى والممارسات غير المسؤولة.
كما قدّمت أجهزتنا الأمنيّة، كعادتها، أنموذجاً راقياً ومتقدّماً في حماية المواطنين، وإتاحة الفرصة أمامهم للتعبير السلميّ عن آرائهم بكلّ حريّة ومسؤولية؛ وهو ما يبعث في نفوسنا مشاعر الفخر والاعتزاز بهذه الحالة الفريدة من التلاحم والتماسك، التي كرّستها قيادتكم الحكيمة، حيث استطاع الأردنّ بحكمتكم أن يتجاوز أصعب التحدّيات، ويعبر نحو برّ الأمان، في وقت كان فيه محيطنا يغرق بفوضى عارمة، لا زالت آثارها حاضرة حتّى اليوم.
لقد بان للعالم أجمع أنّ مواطننا الأردنيّ الواعي الفاعل المسؤول، الضارب بانتمائه في أعماق الأرض الأردنيّة، وأجهزتنا الأمنيّة المسكونة بحبّ الوطن والحرص على أمن المواطن، هم أهمّ أسلحتنا التي سنعبر بها برّ الأمان الذي نصبو إليه، إن شاء الله.
مولاي المعظّم، لقد وجّهتم في كتاب التكليف السامي إلى إطلاق مشروع نهضةٍ وطنيٍّ شاملٍ يسعى إلى تمكين الأردنيين، وتحفيز طاقاتهم، وتلبية طموحاتهم بنوعيّة أفضل من الخدمات في مختلف المجالات؛ ومن هنا تتعهّد الحكومة بتكريس قيم العدالة والحماية الاجتماعيّة، ومواصلة تحسين مستوى الخدمات، وفقاً للأولويّات الوطنيّة، وبما يجعل المواطن يلمس الأثر الإيجابيّ لها.
وإنّنا ندرك أنّ التحدّي الاقتصادي الذي تواجهه المملكة يعتبر الأهمّ والأبرز على الصعيد المحلّي، وعليه، تتعهّد الحكومة باتخاذ إجراءات ملموسة وجادّة لمعالجة مشكلة تباطؤ النمو الاقتصادي، وتحسين واقع الاقتصاد الوطني، والسير بخطوات علميّة وعمليّة مدروسة لتحفيزه، ليكون قادراً على المنافسة والنموّ، وتوفير فرص العمل، بالإضافة إلى البحث عن حلول إبداعيّة، وغير تقليديّة، تعالج جميع المعيقات التي تحدُّ من تنافسية اقتصادنا الوطني، بما يمكّنه من استعادة كفاءته ليسهم في تحسين الواقع المعيشي للمواطنين.
وفي هذا الصدد، ستواصل الحكومة مراجعة الإجراءات التشريعيّة والإداريّة التي تمّ اتخاذها سابقاً لغايات تحفيز الاستثمار المحلّي، وتشجيع المستثمرين الأجانب، كمنح الجنسيّة الأردنيّة للمستثمرين ضمن شروط محدّدة، وإزالة القيود المفروضة عن بعض الجنسيّات المقيّدة لغايات دعم السياحة العلاجيّة، وغيرها من الإجراءات الأخرى.
وفيما يتعلّق بمشروع قانون ضريبة الدخل، فإنّ الحكومة ستصدع على الفور لأمركم السامي بإطلاق حوار وطنيٍّ جادٍّ وفعّال، بالتشارك مع مجلس الأمّة بشقّيه: الأعيان والنوّاب، وبمشاركة مختلف مؤسّسات المجتمع المدني، وفي مقدّمتها الأحزاب والنقابات، بهدف الوصول إلى صيغة تراعي مبدأ التصاعديّة الضريبيّة وفق أحكام الدستور، وتحقّق العدالة في العبء الضريبي، وتلبّي متطلّبات النهوض بالاقتصاد الوطني.
وبموازاة ذلك، ستعمل الحكومة وفق إمكاناتها الماليّة المتاحة، على دراسة منظومة الخدمات المقدّمة للمواطنين، في مجالات التعليم والصحّة والنقل والمياه وغيرها، ووضع آليّات عمل لتحسينها وتطويرها، وفق معايير زمنيّة محدّدة، وبما يمكّن المواطنين من تلمّس الآثار الإيجابيّة لها، وبما يثبت أنّ الأموال الضريبيّة تذهب لخدمة المواطنين ومنفعتهم.
كما تلتزم الحكومة بمواصلة إجراءات الإصلاح الإداري، وتطوير عمل القطاع العام، والارتقاء بمستوى الخدمات التي تقدّمها جميع المؤسّسات الحكوميّة، بما يسهم في تعزيز كفاءتها وقدرتها على تقديم الخدمات للمواطنين.
وفي هذا الصدد، تؤكّد الحكومة مواصلة السير بإجراءات أتمتة الخدمات الحكوميّة، الذي وجّهتم إليه جلالتكم خلال الفترة الماضية، والعمل على تعزيز منظومة الحكومة الإلكترونيّة، ورفدها بالأدوات والخبرات والكفاءات اللازمة لتفعيلها على أكمل وجه.
مولاي المعظّم، إنّنا ندرك تمام الإدراك حجم التحدّيات التي تواجهها المملكة في ظلّ الظروف الإقليميّة المزمنة التي تمرّ بها المنطقة، كما ندرك مقدار الصعوبات الاقتصاديّة التي واجهها الأردنّ بسبب الأحداث والظروف والفوضى العارمة التي سادت المنطقة خلال السّنوات الماضية، والتي تحمّلنا آثارها الإنسانيّة نيابة عن العالم أجمع بعد أن استقبلنا مئات الآلاف من اللاجئين، كما تحمّلنا آثارها الاقتصاديّة المباشرة نتيجة إغلاق المنافذ الحدوديّة، الأمر الذي أعاق حركة التبادل التجاري والنقل مع العديد من دول الجوار، ومنها إلى العديد من دول العالم.
وفي مواجهة هذا التحدّي، فإنّ الحكومة ملتزمةٌ بدراسة جميع الخيارات المتاحة للتخفيف من الأثر المباشر لهذه الظروف، بشتّى السُبُل والإمكانات، وبما يراعي متطلّبات أمننا الوطني؛ مع الاستمرار بالبحث عن أسواق بديلة للصادرات الأردنيّة، لتلافي آثار إغلاق الحدود والمنافذ التجاريّة، وبما يسهم في تعزيز عوائد التبادل التجاري التي من شأنها أن ترفد الاقتصاد الوطني.
إنّ قوّاتنا المسلّحة الأردنيّة – الجيش العربي، هي درع الوطن وحصنه الحصين، وهي قلعتنا المنيعة في وجه العاتيات، والضامنة لسلامة الوطن وأمنه واستقراره، وقد أثبتت على مرّ التاريخ أنّها على قدر هذه الثقة في أحلك الظروف والأوقات؛ ومن هنا، تلتزمُ الحكومةُ بتوفير كاملِ الدعمِ والرعاية لها، ولجميع أجهزتنا الأمنيّة، لتبقى على الدوام بأعلى درجات الجاهزيّة والاستعداد في وجه المتربّصين بأمن الوطن واستقراره.
مولاي المعظّم، إنّنا ندرك حقّ الإدراك، مقدار ما تمثّله القضيّة الفلسطينيّة من أهميّة استراتيجيّة للأردن؛ فهي جوهر القضايا كلّها، ولا يمكن الوصول إلى حلول لقضايا المنطقة دون حلّها؛ وهي رؤيتكم الحكيمة التي ما زلتم تحملونها وتدافعون عنها، وتبذلون من أجلها الغالي والنفيس، وتجوبون العالم أجمع من أجلها، لينعم الأشقّاء الفلسطينيّون بالعدالة والأمن والاستقرار، وليرتفع عن كاهلهم ظلم الاحتلال وقهره.
كما أنّ التطوّرات التي شهدتها مدينة القدس أخيراً باتت تشكّل تحدّياً استراتيجيّاً مهمّاً للأردنّ، الذي بذل بقيادتكم، جهوداً سياسيّة ودبلوماسيّة مضنية، واستطاع أن يحشد دعماً دوليّاً كبيراً ضدّ إعلانها من جانب بعض الدول عاصمة لإسرائيل؛ ومن هنا فإنّ الحكومة ملتزمة بمواصلة الجهود السياسيّة والدبلوماسيّة، ودعم خطواتكم البنّاءة، من أجل دعم القضيّة الفلسطينيّة، والحفاظ على الوضع القائم في مدينة القدس، والدفاع عن المقدّسات الإسلاميّة والمسيحيّة فيها، بموجب الوصاية الهاشميّة التاريخيّة، وصولاً إلى إحقاق قرارات الشرعيّة الدوليّة بإنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينيّة المستقلّة، وعاصمتها القدس الشرقيّة.
مولاي المعظّم، إن الحكومة تدرك بأنّ الإصلاح السياسي هو ركيزة أساسيّة من ركائز التنمية المستدامة والإصلاح الشامل، إذ لا يمكن لأيّ من مسارات الإصلاح الأخرى أن تسير على نحو صحيح دون المضيّ قُدُماً بمتطلّبات تحقيق الإصلاح السياسي الذي يضمن مشاركة المواطنين في صنع القرار؛ وعليه، فإنّ الحكومة تتعهّد بتنفيذ أوامركم بمواصلة مسيرة الإصلاح السياسي، والبناء على ما تمّ إنجازه من إجراءات فعليّة في هذا المسار خلال الأعوام الماضية؛ كما تلتزم الحكومة صدعاً بتوجيهاتكم السامية، بالعمل على تعميق العلاقة بين المواطن ودولته من خلال نهج تشاركي مبني على العقد الاجتماعي الذي يرسخ الحقوق والواجبات.
وفي هذا الصدد، ستعمل الحكومة خلال المرحلة المقبلة على إعادة النظر في التشريعات الناظمة للحياة السياسيّة، وذلك بالشراكة مع مجلس الأمّة، ومختلف مؤسّسات المجتمع المدني، وستطلق الحكومة حواراً جادّاً وفاعلاً حول ذلك قبل الشروع بالإجراءات الدستوريّة لإقرار التعديلات على تلك التشريعات، مع مراعاة توجيهكم الملكيّ السامي بتعزيز دور الأحزاب في العمليّة السياسيّة.
كما ستعمل الحكومة على إجراء تقييم شامل لتجربة اللامركزيّة، من أجل الوقوف على الإيجابيّات وتعزيزها، وتجاوز التحدّيات التي تواجه عمل مجالس المحافظات، بهدف تجويد التجربة، وضمان انعكاسها بشكل إيجابي على مستوى الخدمات المقدّمة للمواطنين؛ وبموازاة ذلك ستعمل الحكومة على تعزيز أطر التواصل مع المجالس البلديّة في مختلف محافظات ومناطق المملكة، ودعمها بما ينعكس إيجاباً على دورها في خدمة المواطن والمجتمع.
وتتعهّد الحكومة بالعمل وفق منهجيّة غير تقليديّة، أساسها العمل الميداني، والتواصل مع المواطنين في جميع محافظات ومناطق المملكة، وفتح آفاق الحوار الوطني البنّاء مع مختلف المؤسّسات الوطنيّة، ومع المواطنين في جميع مواقعهم، حول مختلف القضايا والتحدّيات التي تواجهنا، وفي مقدّمتها التحدّيات الاقتصاديّة؛ فنحن نؤمن أنّ نهج الحوار والتواصل هو الطريق الأمثل لتشخيص المشاكل، ووضع حلول جذريّة لها.
مولاي المعظّم، إنّ ثقتكم الغالية، التي كلّلتم بها هامتي، هي محطّ فخر واعتزاز، أسألُ الله أن يعينني وزملائي على أدائها بأكمل وجه، بما يلبّي تطلّعاتكم، مولاي المعظّم، وبما يحقّق طموحات أبناء شعبنا العزيز، الذين نتشرّف بخدمتهم، ولن نألوا جهداً في سبيل ذلك، واضعين نصب أعيننا أنّ المسؤوليّة تكليفٌ لا تشريف، وأنّ خدمة الوطن والمواطنين شرفٌ لا يضاهيه شرف.
وإذ أتشرَّف، يا مولاي، بأن أرفع إلى مقامكم السامي أسماء أعضاء الفريق الوزاري، ملتمساً من جلالتكم الموافقة عليها، وبالرغم من أنّنا لا نملك حلولاً سحريّة لجميع الأزمات والتحدّيات التي يمرّ بها وطننا الحبيب، إلّا أنّنا نعاهد الله، ونعاهدكم يا مولاي، ونعاهد شعبنا الحرّ الأبيّ، أن نسعى جاهدين بكلّ ما أوتينا من عزم وإخلاص وانتماء، لخدمة هذا الوطن، وتحقيق تطلّعات وطموحات أبنائه، الذين يستحقّون منّا كلّ جهد مخلص؛ ضارعين إلى الله العليّ القدير أن يحفظكم، ويسدّد على طريق الخير خطاكم، ويمتّعكم بموفور الصحّة والعافية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته خادمكم المخلص الدكتور عمر الرزّاز عمّان في 29 رمضان 1439 هجريّــة الموافق 14 حزيران 2018 ميلاديّـــة.” انتهى.
(بترا)