فيلادلفيا نيوز
يصادف يوم ٢٠١٩/١٢/١٥ الذكرى الرابعة والثلاثون لوفاة القاضي ابراهيم الطراونة.
وعمل الفقيد الطراونة في بداية حياته معلماً ومحامياً وقاضياً في مختلف مدن المملكة حيث عمل رئيسا لمحكمة الجمارك ومفتشا عاما للمحاكم الاردنية ورئيسا لعدة هيئات قضائية، مثلما عمل قاضيا لمحكمة ابو ظبي بدولة الامارات العربية المتحدة لأكثر من سبع سنوات، اضافة لعمله مندوباً عن الاردن بجامعة الدول العربية لعدة فترات عن اللجان القانونية وعضواً في لجنة انتقاء الموظفين . والمرحوم القاضي الطراونة من مواليد عام 1929 في مدينة الكرك ودرس القانون في جامعة دمشق ومارس في بداية حياته العمل السهياسي والحزبي ومن ثم انتقل للعمل في السلك القضائي الاردني وكان آخر مناصبه عضواً في المجلس القضائي الاعلى وقاضيا لمحكمة التمييز والعدل العليا، وتوفي بتاريخ 1985/12/15 ومنحه المغفور له الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه وسام الاستقلال من الدرجة الاولى تقديرا لخدماته الجليلة ولسيرته القانونية العطرة وذلك يوم ذكرى وفاته، كما تم اطلاق شارع يحمل اسمه في مناطق عمان الغربية تخليدا لذكراه الطيبة. وكان المرحوم ابراهيم الطراونة قد ساهم مع زملائه في السلك القضائي على رفعة القضاء الاردني والعربي.
•وابرز ما قيل في المرحوم الطراونة ما كتب بقلم هزاع البراري قبل سنوات هذا نصه:-
(إبراهيم الطراونة القاضي العادل والسياسي المبدئي)
كان القاضي والسياسي إبراهيم الطراونة، يحلق في سماء الوطن كالنسر، فارداً جناح العدل والحق في جانب، وجناح المبدأ والمعتقد السياسي في الجانب الآخر، ولم يتخل عن أحد جناحيه يوماً، فبقي حتى بعد وفاته بسنين يحلق عالياً في فضاء الذاكرة الوطنية، مع رجال الدولة الأردنية الأوائل الكبار، فقد شكل مدرسة في الأخلاق والمبادئ، فعرف بالنبل وطيب النفس والتواضع، وتمسكه بالحق والعمل من أجل تحقيق العدل، وبقي منحازاً للبسطاء والمهمشين، لا تأخذه في الحق لومة كبير أو سلطة متنفذ، لذا حظي بشعبية كبيرة ومحبة لا حدود لها، وهو الذي أفاد من رجال القانون والقضاء الكبار، من أمثال القاضي الكبير موسى الساكت، فكان مثاله وقدوته، لكنه بنى شخصيته القانونية، ورسخ نهجه الواضح والمستند إلى القيم والأخلاق وحفظ الحقوق، وهو ما جعله محط الثقة، وأهلاً للمهام الكبرى التي أسندت إليه، طوال حياته العملية.
نثر سنوات عمره على امتداد رقعة الوطن، فأنبتت سنابل خير وألفة وعمل صادق، فعلى الرغم من أن بلدته ” الخالدية ” القريبة من مدينة الكرك، هي مسقط رأسه عام 1929، وتعد ” الخالدية ” إحدى قرى عشيرة الطراونة، التي تعد من العشائر الأساسية والكبيرة في الكرك، وكان لها حضورها الواضح في تاريخ الأردن الحديث، حيث كان حسين باشا الطراونة عم إبراهيم الطراونة، أحد قادة ثورة الكرك ضد عسكر الدولة العثمانية عام1910، وقد نشأ إبراهيم سالم الطراونة في كنف والده الشيخ سالم الطراونة، الذي كان شيخاً وزعيماً عشائرياً، وقاضياً طيّب السمعة، وصاحب مشورة صائبة، فكثيراً ما كان يتم اللجوء إليه في حل قضايا عشائرية شائكة، أو من أجل الحصول على مشورة في مشكلة أو موقف ما، وكان الشيخ سالم الطراونة داعماً ومسانداً لشقيقه حسين باشا الطراونة، الذي أصبح قائداً للمعارضة الأردنية ضد الوجود البريطاني في الأردن، ومناهضاً للمعاهدة الأردنية البريطانية، وذلك من خلال عمله على عقد المؤتمر الوطني الأول عام 1927، والذي تحول إلى حزب سياسي فيما بعد.
تشبع ” الطراونة” بهذه الروح الوطنية النابضة، وبالأفكار السياسية الهادفة إلى تحرر الوطن، وبناء مستقبل زاهر لأبنائه، كما تشرب خبرة والده العشائرية وخبرته في القضاء العشائري، ونهل من فكر وتجربة عمه حسين باشا السياسية، وكان لهذه البيئة الغنية في فترة مبكرة من عمر الدولة الأردنية، دورها الرئيسي في تكوين البنية الفكرية والسياسية لإبراهيم الطراونة، والذي درس في مدرسة الكرك المرحلة الابتدائية، وكان من الجيل الأول الذين التحقوا بمدرسة الكرك الثانوية، حيث كان طلبة الكرك سابقاً يذهبون إلى مدرسة السلط الثانوية، لكن تأسيس مدرسة ثانوية في الكرك، سهل عليه إكمال دراسته الثانوية في مدينته، نال أعلى الدرجات في كل الصفوف، ولم يتنازل عن المركز الأول، لذا كان محط إعجاب وتقدير معلميه الذين كان من بينهم كما يذكر ذلك الباحث محمود عبيدات: بكر صدقي، جميل ذياب الذي بشر بمستقبل زاهر لإبراهيم الطراونة، وأوصى والده الشيخ سالم أن يرسله إلى دمشق ليدرس القانون، وكان ذلك وسط حفل كبير حضره شيوخ ووجهاء الكرك، ومن مدرسيه أيضاً فريد مسنّات، متري حمارنة، عودة العمارين، حسن القيسي، نصوح القادري، محمد نويران، وعبد الله المدادحة.
أنهى إبراهيم الطراونة دراسته الثانوية حاصلاً على شهادة الثانوية العامة بتفوق، وقد أهلته هذه الشهادة في تلك الفترة، ليعين معلماً في وزارة التربية والتعليم عام 1950، وقد درس لمدة عام في مدارس الكرك، غير أن وصية معلمه جميل ذياب، دفعت والده إلى إرساله إلى سوريا، ليلتحق بجامعة دمشق، من أجل دراسة الحقوق، فأصبح طالباً في كلية الحقوق بجامعة دمشق عام 1951، وكانت جامعة دمشق في تلك الفترة، إحدى معاقل الحركة القومية العربية، وقد نشطت فيها الأفكار والأحزاب القومية، وكانت روح إبراهيم الطراونة تواقة للقومية العربية وحلم الوحدة العربية، وقد تأثر بمنظري حزب البعث العربي الاشتراكي، خاصة مؤسسه مشيل عفلق والمفكرين أكرم الحوراني وصلاح الدين البيطار، فانضم إبراهيم الطراونة إلى حزب البعث، مع عدد من الطلبة الأردنيين من أمثال عبد السلام المجالي، وعبد الله الريماوي، وسليمان الحديدي، وعبد الله نعواس وغيرهم، وقد كان من بين زملائه في جامعة دمشق من الطلبة الأردنيين من جيله: عبد المجيد الغرايبة، مضر بدران، صالح الصوراني، خليف السحيمات، إسماعيل محادين، فلاح ماضي، ناجي الطراونة وغيرهم.
خلال دراسته في جامعة دمشق زامل عدداً من الطلاب العرب، الذين كان لهم دورهم وحضورهم المشهود في بلادهم منهم: محمد أديب السادات، محمد العظم، بطرس الطويل، عبد الرحمن المالكي، راشد الأتاسي، أحمد القدسي، عبد الرحمن الصابوني، رجاء البيطار ومحمد صبحي عرابي. أنهى إبراهيم الطراونة دراسته الجامعية عام 1955، حاصلاً على لسانس الحقوق، وعاد إلى الأردن مدشناً عمله في مجال المحاماة بعد إنهاء مرحلة التدريب المطلوبة، وقد كان أول مكتب محاماة أفتتحه الطراونة بالشراكة مع كل من خليف السحيمات وسليمان الحديدي وصالح صوراني، وقد عين إبراهيم الطراونة في وزارة العدل بوظيفة ” رئيس كتّاب محكمة بداية إربد ” وتمكن خلال هذه الفترة من التواصل مع الناس بفعالية، كما تعرف على عدد من رجال الدولة من بينهم دولة وصفي التل.
تميز عمله في مجال المحاكم بالتنقل المتواصل، فلقد جاب معظم مدن وبلدات الأردن من شماله إلى جنوبه، وكان دائماً يقبل بهذه التنقلات المتتالية رغم عدم رضاه أحياناً، ونظراً لجلده وإخلاصه، فقد كان ينال ترقيات ميدانية استثنائية، فقد عين بالدرجة السابعة، لكنه تقدم سريعاً لتميزه ولخدمته في مناطق بعيدة، فبعد عمله في إربد، نقل ليعين قاضياً في محكمة صلح الكورة في كانون الأول عام 1955، وبعد عمله في الكورة، نقل إلى محكمة صلح الطفيلة في آب عام 1959، ولم تتوقف سلسلة التنقلات في حياة إبراهيم الطراونة العملية، وكان لنزاهته وحبه للعمل والناس، أن نال عدداً من الترقيات في درجته الوظيفية، ففي عام 1960 نقل إلى محكمة صلح عجلون، وفي نيسان من نفس العام نقل إلى محكمة صلح معان حيث رفع إلى الدرجة الخامسة، لكنه عاد في عام 1961 إلى محكمة عجلون، وقد رافق نقله هذا ترفيعه إلى الدرجة الرابعة، وجاء هذا الترفيع استثنائياً لتميزه في العمل وتحمله مشقة التنقل ومن مكان إلى آخر. ( كما يذكر ذلك محمد عبيدات في بحث له عن إبراهيم الطراونة ).
في عام 1965 نقل إلى السلط عضواً في محكمة البداية، وقد ترافق ذلك مع حصوله على الدرجة الثالثة، وقد أصبح قاضياً لمحكمة صلح إربد عام 1966، وبعد سنتين أصبح قاضياً لمحكمة بداية إربد، وفي شهر آيار عام 1970 عين رئيساً لمحكمة بداية الجمارك، وقد رفع إلى الدرجة الأولى عام 1972، حيث نقل في اليوم ذاته إلى محكمة الاستئناف في العاصمة. بعد عام واحد تمت إعارته إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث شغل منصب مستشار في وزارة العدل في أبو ظبي، وكانت علاقته قوية بالجالية الأردنية هناك، وحاضراً في الفعاليات والأنشطة الاجتماعية والوطنية، وقد أنهى إبراهيم الطراونة إعارته عام 1978، وعاد بعدها إلى عمان، حيث عين عضواً في محكمة استئناف العاصمة، ورفع إلى الدرجة الخاصة، فكان من القضاة القلة الذين نالوا هذه الدرجة في تلك الفترة، وفي عام 1979 عين مفتشاً في وزارة العدل، وقد استمر في هذا المنصب حتى عام 1985، عندما أصبح عضواً في محكمة التمييز ورفع إلى الدرجة العليا، وخلال عمله في مفتشاً انتدب ليعمل وكيلاً _ أمين عام _ وزارة العدل.
عين عضواً في لجنة انتقاء الموظفين، بالإضافة لعضويته في المجلس القضائي الأعلى، كما تم اختياره في العام نفسه مندوباً عن الأردن لحضور اجتماعات اللجنة القانونية الدائمة، التابعة لجامعة الدول العربية في تونس. تزوج القاضي إبراهيم الطراونة من الناشطة السياسية هدى خريس، شقيقة السياسي الدكتور يحيى خريس، وقد عملا معاً فيما بعد في العمل الحزبي، وكانت لهم مكانة حزبية وسياسية كبيرة، خاصة في أوساط الحركة القومية البعثية.
توفي في 15/12/ 1985، وهو في قمة عطائه ونشاطه، وكان نزيهاً نظيف اليد والقلب، حتى أن القاضي الكبير المرحوم موسى الساكت قال عنه، لقد توفي إبراهيم الطراونة ولم يكن في سجله المالي سوي سبعة دنانير، فقد زهد بالمال والمناصب، وانشغل بخدمة الوطن وإعلاء شأنه من بوابة القضاء والفعل السياسي. وقد خرج في وداعه إلى مثواه الأخير رجال الدولة الأردنية والشيوخ والوجهاء، وأصحاب الفكر والرأي، وشكل فقده خسارة كبيرة، خسارة يكبر حجمها مع مرور الأيام.
كما كتب المؤرخ محمود عبيدات قبل سنوات عن المرحوم القاضي ابراهيم الطراونة بعنوان رجل الحق و العدالة تاليًا نصه :-
سحر المكان وألق التواصل
عندما تكون الولادة في الجنوب، وبدايات العمل في الشّمال، والدراسة الجامعية بينهما، تتعمق المحبة بين جبل شيحان وجبال عجلون وجبل الشيخ، ويتعزّز شرق الانتماء الوطنيّ والقوميّ، وتصبح جغرافية الوطن قلادة الشرفاء وأهل الحكمة وميزان العدل.
جسد القاضي إبراهيم الطراونة بجغرافية جسده، وبروحية سلوكه، وبأخلاقية ثوابته، وبرجاحة عقله وموهبته، كلّ معاني الشخصية الأردنيّة في بعدها القوميّ، وشهد له كلّ من عرفه وتعامل معه، على أنّه الرجل المناسب في المكان المناسب. فقد بذل كلّ جهد في خدمة الحقّ والعدالة على أفضل وجه، وأدّى واجبه القانونيّ بكلّ نزاهة واستقامة وأمانة. وارتبطت مسيرته الطويلة بمسيرة الحقّ والعدالة في وطنه، وفي أماكن كثيرة انتدب إليها.
حرص على استقلالية القضاء
وكان يحرص كلّ الحرص على ترسيخ استقلالية القضاء؛ حفاظاً على نزاهة وعدالة أحكام المحاكم، وإرساء المساواة بين المواطنين، وكان شعاره “يُعطى الحقّ لصاحبه، وسالب الحقّ يجب أنْ يرضخ لحكم العدل والقانون”. والقاضي بمفهومه “يجب أنْ يكون بعيداً عن الانحياز والشُبهات، وعليه أنْ يكون عند مستوى القسم؛ فأمانة العدل من أركان الإيمان، والتشبه بسنة الرسول الرسول الكريم”. وكان “أبو باسل” يردّد في مجالسه مقولة القاضي المرحوم “موسى الساكت”، رئيس السلطة القضائية سابقاً، وهي: “إنّ الأمّة التي تكون لها كرامة عند نفسها ينبغي أنْ تُعنى بقضائها العناية الفائقة، وأنْ تحافظ على استقلاله ما بوسعها من جهد. كما يجب أنْ تُعنى بالمحاماة العناية الفائقة اللائقة، التي تهيّئ لرجالها الجوّ الملائم للقيام بواجبهم في الدفاع عن الحقّ..”.
الولادة ومسقط الرأس
ولد المرحوم القاضي إبراهيم بن سالم الطراونة قي بلدة “الخالدية” بالقرب من مدينة الكرك عام 1929م، والده الشيخ سالم الطراونة، صاحب السمعة الطيبة، والمشورة الراجحة. وهو مرجعيّة عشائرية على مستوى الأردن. وهو شقيق المناضل المرحوم حسين باشا الطراونة زعيم المعارضة الأردنية في بداية عصر الانتداب البريطاني، وزعيم أوّل مؤتمر شعبي في الأردن عام 1927م. عاش المرحوم إبراهيم في جوّ أسريّ لا مثيل له في الألفة والمحبّة والتآخي. فكان يعيش مع “قبيلة” من الذكور والإناث، هم خير ما أنتجه في الحياة الشيخ والده. فقبيلته الأسرية تألفت من “25” فرداً، هم إخوته وأخواته، وكان نعم الأخ ونعم الشقيق، والابن البارّ بوالديه.
الدراسة وبواكير الحياة العملية
أكمل إبراهيم دراسته الثانوية في مدرسة الكرك عام 1949م، ومن أساتذته في الكرك: بكر صدقي، جميل ذياب، فريد مسنات، متري حمارنة، عودة العمارين، حسن القيسي، نصوح القادري، محمد نويران، عبد الله المدادحة، وكان الأول على صفّه في المرحلة الثانوية. وقد امتدحه الأستاذ جميل ذياب عندما قال لوالده بحضور نخبة من مشايخ الكرك: “أبشرك يا شيخ سالم بمستقبل إبراهيم، وأرجو أن تكمل دراسته الجامعية، وهو المؤهل ليكون محاميا وقاضيا إذا درس الحقوق”.
وفي 12 تشرين الأوّل 1950م عُيّن معلماً في مدارس الكرك، وقد استجاب والده لنصيحة ومشورة الأستاذ جميل ذياب، فأرسله إلى دمشق لدراسة الحقوق. كان ذلك خلال تشرين الثاني 1951م. وتخرّج من الجامعة عام 1955م، باختصاص “ليسانس حقوق – دبلوم في الحقوق الخاصة”.
القانون نهج وأسلوب حياة
اختار مهنة المحاماة، وأكمل تدريبه في المهنة بتاريخ 24 كانون الثاني 1958م، وبعد (16) يوماً من حصوله على لقب “الأستاذية” في المحاماة، عُيّن على ملاك وزارة العدل بالدرجة السابعة، وبوظيفة “رئيس كتّاب محكمة بداية إربد”، فبنى علاقات جيّدة مع الشخصيات الإربدية، وفي مقدمتهم دولة السيد وصفي التل، والمحامي عبد الكريم خريس، المحامي فرح إسحق، وغيرهم الكثيرون.
لم يدم طويلاً القاضي في محكمة بداية إربد، فنقل منها يوم 16 كانون الأوّل 1955م، ليُعيّن قاضياً في محكمة صلح الكورة، ومن الكورة إلى الطفيلة، فحمل حقائب سفره وأوراقه ومراجعه، ليباشر عمله الجديد في الطفيلة كقاضٍ فيها، وذلك بتاريخ 16 آب 1959م، حيث إنّه لم يكن راضيا عن هذه المناقلة. لكنّ تعويضه عن غابات الكوره كان بترفيعه إلى الدرجة السادسة. وبعد ذلك توالت المناقلات والترفيعات كلّ ذلك – كما يقول – من أجل العدل والعدالة وخدمة الوطن، وثقة ولاة الأمر وأصحاب القرار بنزاهته وحبه للعمل والناس. وفي الأوّل من آب 1960م، نقل إلى محكمة الصلح في عجلون، وفي نيسان 1960م، نقل إلى محكمة الصلح في معان، وتمّ ترفيعه إلى الدرجة الخامسة. ويقول صديقه المحامي عبد الكريم خريس في تنقلات القاضي إبراهيم” “عندما نقل الأخ إبراهيم الطراونة إلى محكمة الصلح في معان مازحته وقلت له: يبدو يا أبا باسل أن النقل من الشمال إلى الجنوب يرافقه الترفيع بالدرجة وبزيادة الراتب”.
القاضي الجوّال
وفي 16 تشرين الأوّل 1961م، أُعيد إلى عجلون قاضياً للصلح، وتمّ ترفيعه إلى الدرجة الرابعة. ولمّا علم الأستاذ عبد الكريم خريس بنقله إلى عجلون، قام بزيارته، وقال له مازحاً للمرة الثانية: “يبدو يا أستاذ الترفيعات بهذه السرعة فقط لأبناء الجنوب ونحن لنا الله …”.
وجاء في أوراق القاضي إبراهيم الخاصة بأنّ الترفيع إلى الدرجة الرابعة كان ترفيعاً استثنائياً لتميّزه في عمله.
– في 20 أيّار 1965م، نقل إلى السلط وعُيّن عضواً في محكمة البداية، ورفع إلى الدرجة الثالثة بتاريخ الأوّل من تشرين الأوّل 1965م.
– وفي شباط 1966م، عُيّن قاضياً للصلح في إربد، ونقل يوم الأوّل من أيّار 1968م، إلى محكمة بداية إربد، وتمّ ترفيعه آنذاك إلى الدرجة الثانية.
– في الأوّل من أيّار 1970م، تمّ تعيينه رئيساً لمحكمة بداية الجمارك، ورفع إلى الدرجة الأولى يوم 11 تشرين الثاني 1972م، يوم انتقاله إلى محكمة الاستئناف في العاصمة عمّان.
العمل في الغربة بهاجس الوطن
أُعير لحكومة الإمارات العربية المتحدة، وعُيّن مستشاراً في وزارة العدل، وبقي في العاصمة الإماراتية “أبو ظبي” من 1 تشرين تشرين الأول 1973، لغاية 7 تشرين الأول 1978م. وبنى علاقات جيّدة مع الجالية الأردنية، وشجّعهم على تأسيس النادي الأردني للمغتربين، وكان يشاركهم الاحتفالات الوطنية بالتعاون مع أركان السفارة الأردنية. يقول رئيس الشركة الأردنية للتبريد، السيّد جمعة الجندلي: “بتشجيع من المستشار إبراهيم الطراونة، أسّسنا النادي الأردني في الشارقة، حيث العدد الأكبر من الجالية الأردنية تسكن وتقيم في الشارقة، وكان هذا النادي يشكّل الديوان والمضافة لكلّ الأردنيين، وفي مساء الخميس كان النادي يعجّ بالعائلات الأردنية، حتى حفلات الأعياد كانت مشتركة، وفي المناسبات الوطنية كان المستشار إبراهيم الطراونة يحضر من العاصمة “أبو ظبي” ويشاركنا أفراحنا، وكان موضع احترام الجميع ومرجعيتهم، بالإضافة إلى أنّه كان موضع احترام وتقدير أهل البلاد لنبله وتواضعه، ولاحترامه للقيم والعادات العربية …”.
في 7 تشرين الأول 1978م، عاد من الإعارة، وتم ترفيعه إلى الدرجة الأولى (أ) وجرى له في (أبو ظبي) حفل وداعٍ كبير، شارك فيه إضافة إلى الجالية الأردنية كبار موظفي وزارة العدل، وقُدّمت له الهدايا الكثيرة والثمينة من زملائه في وزارة العدل.
عمان مرة أخرى
وفي عمّان – بعد عودته من الإعارة –عُيّن عضواً في محكمة استئناف العاصمة عمّان.
وفي 16 كانون الأول 1978م، رُفع إلى الدرجة الخاصة، ولم يشاركه في هذه الدرجة أكثر من ثلاثة قضاة على مستوى المملكة.
-في الأول من تشرين الأول 1979م، عُيّن مفتّشاً في وزارة العدل، وظلّ هذا المنصب لغاية الأوّل من تشرين الأوّل 1985م، حيث عُيّن عضواً في محكمة التمييز في عمّان ورُفع إلى الدرجة العليا.
انتدب أثناء عمله مفتّشاً في وزارة العدل، وكيلاً لوزارة العدل، وعُيّن أيضاً عضواً في لجنة انتقاء الموظفين، وعضواً في المجلس القضائي الأعلى.
في 20 شباط 1985م، تمّ اختياره مندوباً عن الأردن، لحضور اجتماعات اللجنة القانونية الدائمة، التابعة لجامعة الدول العربية بتونس، واستمرت اللجنة باجتماعاتها حتى يوم الأوّل من آذار عام 1985م، وكان مقرّ جامعة الدول العربية آنذاك في تونس، حيث نُقل من القاهرة بعد اتفاقيّات كامب ديفد بين مصر وحكومة العدو الصهيوني..
انشغل بالسياسة والاحزاب
مارس العمل السياسي في الإطار الحزبي بانتسابه المبكّر لحزب البعث العربي الاشتراكي، وقيل إنّ انتسابه لحزب البعث كان خلال دراسته الجامعية في دمشق، حيث كانت النشاطات الوطنية والقومية تزخر بها الحياة السياسية في سورية، ولم تلبث مشاركته في حمل هموم أمّته ووطنه أنْ قادته إلى الانتساب لحزب البعث، بعد أنْ تأثّر بمحاضرات قادة الحزب من أمثال مؤسس الحزب ميشيل عفلق، وأكرم الحوراني، وصلاح الدين البيطار، وانضمّ العديد من الطلاب الأردنيين لحزب البعث، وفي مقدمتهم عبد السلام المجالي، وعبد الله الريماوي، وسليمان الحديدي، وعبد الله نعواس، وغيرهم الكثير.
وكان إبراهيم الطراونة عضواً فاعلاً ونشطاً في العمل السريّ خلال خدمته في محافظة إربد، التي كانت مشكّلة من المحامي عبد الكريم خريس، والمحامي فرح إسحق، والأستاذ مصطفى الخصاونة، والأستاذ محمد الخطيب، والأستاذ قسيم مناور عبيدات.
تزوّج “أبو باسل” من البعثية النشطة السيّدة هدى خريس، التي كانت من الكادر القيادي للحزب والحركة النسائية في إربد والكرك.
توفي رحمه الله بتاريخ 15 كانون الثاني 1985م….