فيلادلفيا نيوز
الخميس 16 نيسان 2020
7-402
رباعيات كورونا: التمنيع … التمييع…. التجويع…. الترقيع
تنوعت استراتيجيات مواجهة فيروس كورونا بين البلدان، بعضها اختار (التمنيع) او مناعة القطيع وأخرى فضلت تمييع وتسطيح المنحنى وأخرى لجئت الى التجويع المجتمعي وحتى منها من وجدت نفسها مضطرة الى تبني استراتيجية الترقيع.
لم يرق لي مصطلح (تمنيع) او مناعة القطيع منذ سنوات دراستي للطب لان البشر ليسوا بقطيع وكان هذا النوع من التمنيع في البداية مختصا بالمناعة التي يكتسبها قطيع من الحيوانات مثل الفئران ضد مرض معدي.
تعتمد هذه الاستراتيجية على مبدأ ترك أكبر عدد من الناس يصاب بالفيروس، ليتكون لديهم مناعة تلقائية عبر الأجسام المضادة التي يفرزها الجسم وتستند ببساطة إلى ممارسة الحياة بشكل طبيعي، بحيث يصاب معظم أفراد المجتمع بالفيروس، وبالتالي تتعرف أجهزتهم المناعية على الفيروس، ومن ثم تحاربه إذا ما حاول مهاجمتها مجددا.
يدافع مؤيدو هذه الاستراتيجية – وانا طبعا لست منهم في هذه المرحلة -عن وجهة نظرهم ان المانيا طبقتها في مواجهة وباء الانفلونزا الإسبانية التي قتلت نحو 25 مليون شخص حول العالم عام 1918 وأثبتت فاعليتها آنذاك ، وفي ظل هذه الاستراتيجية لا يتم تطبيق إجراءات العزل أو الحجر الصحي، ما يسمح بديمومة حركة الحياة اليومية للمواطنين، واستمرار العمل في المصانع والشركات وغيرها مما يقلص من الآثار الاقتصادية لأزمة كورونا على البلاد، و يرى المؤيدون أيضًا أنه بالنسبة لضخامة عدد المصابين بالفيروس، فليس جميعهم سيحتاجون لرعاية طبية، اذ يقدر أن نحو أربعة أخماسهم سيتماثلون للشفاء من دون اي تدخل طبي، وهذا سيمنح الكوادر الطبية فرصة تركيز جهودها على تقديم الرعاية الطبية للخمس المتبقي اما بخصوص التوقعات بارتفاع عدد الوفيات بين هؤلاء المصابين، ومرحلة ترك الفيروس للتفشي بحرية بين السكان، تسبقها مرحلتان ، الأولى إبطاء تفشي الفيروس لكي لا يصل عدد المصابين المحتاجين لرعاية طبية إلى مستوى يتخطى القدرة الاستيعابية للمستشفيات، والثانية يتم فيها عزل المواطنين الأقل مقاومة للفيروس، ككبار السن ومرضى الامراض المزمنة وذوي المناعة الضعيفة بشكل عام، وهذا التدرج يمنع حدوث وفيات كبيرة بين السكان ، الا انه بعد تباطؤ انتشار الفيروس تظل المخاوف قائمة من عودة أعداد المصابين إلى الزيادة بشكل كبير بعد انتهاء العزل، والسماح بالتنقل بين المناطق المصابة والمناطق غير المصابة، لا سيما وأن سكان المناطق خارج حدود العزل لم يواجهوا الفيروس من قبل، ولم تَبْنيِ أجسامهم مناعة ضده بعد.
اما من يرفض هذه الاستراتيجية فيرى أن ترك الفيروس للتنقل بين البشر بحرية ومن دون قيود، سيكون سببًا في وفاة معظم السكان من الفئات ذات المناعة الضعيفة وكبار السن والمرضى وهي فئة كبيرة لا يمكن تركها فريسة للفيروس. كما ان هناك مخاوف ان يكون الفيروس قادرًا على تبديل طبيعته بمرور الوقت ويستطيع إصابة البشر بشكل متكرر، وهذا الأمر – إذا ثبت علميا-يجعل بناء مناعة ضده أمرًا مشكوكًا فيه.
التمييع ( التسطيح ) تُحاول معظم الدول تطبيق استراتيجية التسطيح او التمييع لمواجهة الفيروس بهدف إبطاء الانتشار، بمعنى تمييع او توزيع الإصابات على أطول مدة زمنية ، وليس تخفيض العدد الإجمالي للمصابين بالفيروس، أي انها تحاول الموازنة بين مراحل تفشي الوباء وقدرات النظام الصحي ويتم ذلك من خلال تأجيل الوصول إلى نقطة ذروة منحنى انتشار الفيروس، لتوزيع المصابين على فترات زمنية أطول، بما يسمح للنظام الصحي استيعاب الأزمة وإجراء الفحوصات لأكبر عدد ممكن من الأشخاص، والتشخيص المبكر للإصابات حتى يتم اكتشاف حاملي الفيروس ومنع اختلاطهم بالآخرين، وهو ما سيقلل كثيرا العدوى، وتقوم هذه الاستراتيجية على التباعد الاجتماعي و البقاء في المنزل، يبدو أنها استراتيجية ناجحة من حيث احتواء الحالات المصابة، غير أن دورة تفشي الفيروس ومن ثم انحساره قد تأخذ وقتًا أطول.
استراتيجية التجويع لا توازن بين الصحة والاقتصاد أي انها تستند الى مبدأ – الصحة أولا-اذ تفرض حظرا شاملا واغلاقا كاملا لفترة تسعى من خلالها الى تصفير الوباء وقد تمتد الى عدة شهور ما يضع السكان بين مطرقة الوباء وسندان المجاعة وتعمق من انهيار الاقتصاد.
استراتيجية الترقيع في الغالب تحصل كنتيجة حتمية لغياب الوعي المجتمعي خاصة عندما يكون بعض افراد المجتمع ليسوا على قدر المسؤولية اذ تكثر الاختراقات لحظر التجوال فكلما اخمدت الحكومة نار الوباء في مكان ما يتم اشعال بؤر جديده من قبل يعض المستهترين ويصبح ( الترقيع ) مهمة يوميه لفرق الاستقصاء الوبائي لترصد المخالطين وترقيع الوضع الوبائي.
في كل الأحوال ، لن يكون سهلا تحديد الطريقة المثلى لمواجهة الفيروس ، ولا يوجد دليل حتى الآن على نجاعة طريقة وفشل أخرى، وعلية يصبح التعايش مع فيروس كورونا والتأقلم مع الوضع امرا حتميا ، حتى استراتيجية “مناعة المجتمع” عالميا لم يتم استبعادها من الخيارات المطروحة للتعامل مع الفيروس، خاصة عندما يصبح التعايش صعبا والتأقلم مستحيلا ، لا سيما وأنها قد تصبح الخيار الأوحد في حال انتشار الفيروس بشكل خارج عن السيطرة ، وبالتالي، يكون اختبار تلك الاستراتيجية أمرًا ضروريًّا، كاستعداد للسيناريو الأسوأ، مع الأخذ في الاعتبار أنه في حال تطبيقها يجب أن يكون ذلك بشكل تدريجي ومبرمج ضمن اطار زمني ، وعلى مستوى المحافظات والاستفادة من القاعدة العريضة للهرم السكاني حيث ان 34% من السكان أعمارهم اقل من 15 سنة و 62% من السكان في الفئة العمرية 15 – 64 سنة ومن هم 65 سنة واكبر يشكلون 4% ، شريطة اتخاذ كل الاحتياطيات التي تُبقي الأمور تحت السيطرة، وأن تبقى الحكومة في حالة مراقبة دائمة للموقف، وأن تكون مستعدة للتدخل الفوري بالإجراءات اللازمة في حالات الضرورة.
حمى الله الأردن … والزم بيتك
* امين عام المجلس الصحي العالي السابق