فيلادلفيا نيوز
خذ مني اليك يا خالد الكركي
بعد المزار وطال السفر والرحلة توشك ان تسدل استارها …. فيا صاحبي ما زالت الروح تنأى بين شك ويقين وما زال القوم هم القوم كلما قلنا لهم من اين يؤتى الوطن قالوا وما ادراكم هي فلسفة الانكار ذاتها حين قال جاليلو انها كروية فهبوا جميعا ينصبون له حبل المشنقة …. وما زالوا يقتلوننا بدم بارد ثم يرقصون على اشد اوتار قلوبنا الما …. هم الهم ونحن النحن ….ما زلنا نلملم ما تشظى من الوطن نضمه بالاهداب نبكيه فيتسغربون …. انى لكم هذا الصبر ولا يعلمون ان الصبر كان رؤيا لكل المسافات الضامئة وان الريح اذا هبت جنوبية كلما لاح سهيل او بدا استلهمنا منه صبرا وقلنا للنفس اهدأي مكانك او تستريحي .
من اين يا خالد تعلمنا الصبر يسألون فاجيب من انين الامهات حين كن يسندن رؤوسنا على حجر في مواسم الحصاد وينشدن انشودة الغول والخل الوفي ويرتفع الحداء ” يا عذاب الشقاوي ” .
لهم عجلتهم ولنا صبرنا الطويل لهم ما كنزوا ولنا بعد الله حمدا نزجيه كل صبح ومساء مرددين هذا من فضل ربي .
سأنبيك يا خالد ان مواسم القحط ليست تلك التي يقل فيها الغلال لكنها تلك التي يقل فيها الرجال وقد اقحطت او كادت حين انبرى للساحة غير فرسان وحين اشرع دونكيشوت سيفه الخشبي مقاتلا طواحين الهواء وهو يطلب المبارزة …. هم تماما مثله او اشد وهما وهلاما وطيشا يلثغون في حرف السين وتشغلهم الضاد كيف تكتب ثم بعد ذلك يقولون وما اداركم .
ما زلت اذكر تيسير وبطله عربي حين قال “نحن كومة قش يتدرب عليها هواة الملاكمة ” وكأنه ببصيرته يدرك زمنا قادما سيجيء متخما بالسفالات وباللعب على حبال الوطن المشدودة الى جيابهم …. والمزروعة في ضلوعنا لتثمر وطنا لا تشبهه الاوطان … على حده ينتصب العسكري ويقسم بابنته التي لم يستطع شراء لعبتها حين تعلقت باطراف بزته العسكرية وهو يغادر ” ان لن يمر الغزاة ” .
لقد قتلونا او كادوا حين قلنا لهم ان الوطن بناه معلم وعسكري وحين قلنا ان المعلم خطنا الاحمر فتكوا بنا وظنوا على غفلة من الزمن الرديء ان مناصبهم تلك المليئة بالقيح والصديد اظلتهم بظلها يوم لا ظل الا ظل الجيش والمعلم .
اهو الزمن الرديء يا صاحبي ام هم من ادمن الرداءة حتى اصبحت قدرا او كادت وراحت الريح تميل بما حمل الوطن وظنوا لوهلة انهم الخلاص وكان الظن كله اثما هذه المرة بعد ان كان بعضه اثما .
من اين والى اين …. والرحلة باتت متعبة وقد اشرع من يعرفون من اين تؤكل الكتف حرابهم في جسد الوطن وكان ينزف رويدا رويدا وكان مخرزهم يخز صدر الجمل ” الوطن ” وثمة صديق راحل هتف :
” قالوا وظلَّ.. ولم تشعر به الإبل
يمشي، وحاديهِ يحدو.. وهو يحتملُ..
ومخرزُ الموتِ في جنبيه ينشتلُ
حتى أناخ َ ببابِ الدار إذ وصلوا ”
يا صبر ايوب …. ويا صبرك يا جمل المحامل …. ويا صبرك يا وطن الارامل والشهداء والمتعبين حين على غفلة طوى القوم الشراع ويمموا صوب من يدفع ومن يشري ومن يهدي ومن يهدرومن يهدم ومن يفتك ومن يفجر ومن … ومن … ومن .
ثمة صوت من الماضي ليس البعيد يهتف … الهدف موقعي ارمي …. الهدف موقعي ارمي … على بركة الله … لا اله الا الله …. ساقول له للشهيد المضرج بدمه الزكي الطالع ارجوانا وعشقا وتيها ساقول له حين تجتمع الخصوم اخبرهم يا ” خضر يعقوب ” انك صعدت وحدك ومت وحدك وقصفت وحدك كي لا يؤتين من قبلك …. واخبرك ان الوطن بعد رحيلك بات ثلاث سنين بغير عشاء وانك كنت وحدك من يدرك ان الصعود الى السماء لا يتقنه الا الشهداء اما السماسرة فلهم تلك الجيوب والملاذات التي اسموها آمنة وهي في جهنم حقا آمنة .
فيا خالد يا صديقي الموغل في عشق مؤاب وعمون وابي الطيب الذي اشعل بوحه ذات مساء في حلب بحثا عن البطولة الغائبة ها انا اليوم اكتب لك بل اكتبك عاشقا اشعل جذوة الروح على مشارف الطفيلة والكرك وعمون وسرى مع السارين الى عشق الحياة والمعرفة وأن انكروك وان انكرونا وان كادوا لك وان كادوا لنا فثمة في علم الغيب سجل ابيض نحمله وجعا على وجع ونشهره ذات يوم في وجه التاريخ ونهتف ” اضاعوني واي فتى اضاعوا.