فيلادلفيا نيوز
من أصعب المواقف التي تمر في حياتنا وأكثرها رهبة الاختبار… ذلك الضيف المزعج، والمستكشف المجهول، والمتطفل الثقيل الذي يغطُ علينا بكل حمله ومتاعبه فيبعثر مزاجنا بالقلق والتوتر، ويثيرُ فينا تلك اللجة والغضبة والنفور…
ففي أعماقنا ودواخلنا نبغض ذلك الشعور وتلك الحالة، نكره مغص اللحظة وضيق الأفق، نخاف تسارع ضربات القلب وتزاحم الأفكار، نهرب من اندفاع المعلومات وهجوم المعرفة، نقلق من تلاشي الحفظ وضياع القوة…
وهكذا نمضي إليه مكرهين، رافضين، منزعجين، متكدرين، مجبرين… فنقع في بئر الضعف والقنوط، وفريسة للخيبة والشك، ثم الخسارة إن استوطتنا حالة اليأس، ولازمتنا فكرة الرسوب فتثبت فكرة ما يسمى “النبوءة المحققة لذاتها” أو بتعبير آخر “كل متوقع آتٍ”… أو بتعبير شعبي “إلي بخاف من البعبع بطلعله”… فنصاب بالإخفاق والفشل… وقد ندخل في دائرة الهزيمة المتتالية -لا سمح الله-.
لكن الحقيقة الغائبة عن بصيرتنا غير تلك التي يتبادلها الجميع، ويروج لها الضعفاء، ويقتات بها الكسالى، ويتلاعب بها المغررون، ويمجد لها الراسبون… الحقيقة أن الاختبار هو موقف بطولة، ولحظة انتصار، ومعركة تحتاج المقدامين الجريئين.
الحقيقة أن الاختبار هو ميزان عدل ولقطة قوة وقرار حَسم… الحقيقة أن موقف الامتحان يصنع الفرد ويعطيه القوة ويبني عنده الإرادة…
الحقيقة أن هذه الحافة فاصلةُ الحصاد والجهاد والتعب والسهر والاعتكاف… إنهُ اليوم الموعود والمشهود، إنهُ الساعةُ المنتظرة لكل المجتهدين والعاملين والجادين والصابرين والدارسين والساعين والمتأهبين والواثقين والمصرين والناظرين والكادحين… هو اللحظة الحاسمة والشهاب الثاقب والرمح الصائب ليسطروا فيه أسمائهم وعرقهم ومجدهم وعنفوانهم وأملهم وعشقهم ومستقبلهم… هو ساحة فرحة لأولئك الذين يلهثون خلف شغفهم مبهورين بإنجازهم ونتيجتهم، حاصدين ثمرة نجاحهم ولحنهم، محلقين نحو حلمهم وألقهم… لأنهُ يعطيهم شهادة إبداعهم، وراية تقديرهم، ووسام كدهم، ورمز وجودهم، والوصول لمكانتهم… فتتلاشى تلك الأحمال والأثقال وتتناقص العثرات والكبوات، ويزول الضغط والقلق، فتتزين في قلوبهم وعقولهم فرحة النصر، وتضيء لهم قبلة النجاح وقمة الإنجاز.
فما يتطلبه أيُ اختبار هو المزيد من الاستعداد والتحضير والتهيؤ والتمكن وجمع المعلومات وترتيب المعارف والحفظ والفهم والاسترجاع والتساؤل والمتابعة والتلخيص والجهد باستمرار… فتقديم الاختبار يبدأ منذ اللحظة الأولى للبدء والعمل وليس في آخر لحظات المطاف أو عند تحديده… وهنا يثبت تعبير “العليق وقت الغارة ما ينفع”…
لذا أقول لكل المقبلين والمتزاحمين عند طابور الإختبارات المدرسية والجامعية هذه الأيام… إنها تجربة ومشهدية لاختبارات وامتحانات ومواقف الحياة… إن فقدتَ الإجابة الآن ولم تضع توقيعك، وترسم بعرقك مكنونك، وتخطُ بقلبك سطور أوراقك وملفاتك… فاعلم أن وقفات الحياة، ومحطاتها أدهى وأصعب وأقسى وأمرّ… فدرّب نفسك من الآن.
اجعل هذه التجربة غنية، فرحة، مثمرة، مبهرة، مفعمة، مؤنسة، مصلحه… اعتبرها صفحه من دفاتر أيامك، سطرٌ منسوج من كتابك، لحن من معزوفة وجودك، وقفة في سجل تاريخك… مطب يؤهلك لتكون أفضل وأقوى وأمتن وأمنع وأصبر وأفعل وأقدر وأنضج… فعوّد نفسك من الآن.
الاختبار يا عزيزي… هو اللحظة التي ستعيشها كل لحظة، والخبرة التي ستزورك دوماً وأبداً، فالحياة سلسلة متوالية من الامتحانات، عنقود من العينات، خارطة من الانعطافات، امتحان يتبعهُ امتحان، واختبار يتبعهُ اختبار… لذا كن على قدر التحدي وخذ القرار وتوجه للانتصار… ثم أبدأ الإجابة لتنجح دوماً وتصل لمرادك… فالصفحات الفارغة تُترك للفضاء، والصحائف الخاطئة تطوى لإعادة التدوير، وتبقى تلك الأيقونة المرمزة بنجاحك وتميزك.. ليُقال لك في النهاية مبروك: “الناجح يرفع إيده”…
وصدق أمير الشعراء أحمد شوقي قائلاً:
وما ليلُ المطالب بالتمني
ولكن تُؤخذ الدنيا غلابا
كل التوفيق والمحبة والنجاح لكل طلبتنا في هذه المرحلة الحرجة… في كل يوم وعند كل اختبار.
والله ولي التوفيق.
*الآداب – قسم العمل الاجتماعي
aladra_5@yahoo.com