فيلادلفيا نيوز
قالت لي :
تأسرني مشاوير المساء في المدن العتيقة ، أستجدي وجوه العابرين ، أبحث فيها عن راحلين سكنوا القلب ، أشتمّ عبق الياسمين في عرائشها القديمة ، أناجي غيمات شاردات ، وبعضًا من بقايا مطر عالقة بحجارة مهترئة ، وأسمع دقات قلب أرهقه الشجَن ، والتطواف في حارات مدن أحَبَّها .
قلت لها :
جرّت كلماتك بَياتًا نقَر على قلبي ، فأيقظ فيه حزنًا كامنًا متراكمًا ، له أسبابه ومبرراته التي أحتملها كلها ؛ إلا أن تكون على الكرك ؛ شبابها ، أزقتها ، شوارعها ، دكاكينها ، أدراجها ، حارة المسيحية ، شارع الخضر ، حارة الحباشنة ، صخر ومواعيد العشاق الصغار هناك ، شارع القلعة ، وذكريات درب نذرعه هبوطًا ، وصعودًا لمكان العمل ، دارة دليوان المجالي ، وعطالله السحيمات ، وحسين الطراونة ، دوار صلاح الدين ، جوامعها ، كنائسها ، ومدارسها العريقة ، مطعم عكّاش ، مطعم الحلبي ، وذكريات الانتظار هناك ، لتناول وجبة فلافل من مذاق مختلف ، مواقف باصات قرى البرارشة ، والشهابية ، البِرْكة ؛ ومواقف باصات الأغوار ، والشمال ، والجنوب ، وكل ما كان …
الكرك ؛ تعني الحب ، والوفاء ، وإغاثة الملهوف ، ووجع العاشقين ، وخلود قصائد الشعراء ، وخلود شهداء القلعة ؛ من عشائرها ذات زمن أكثر وجعًا ، وظلمًا من زمننا هذا !
الكرك ؛ إطلالة على الخليل تتراءى أضواؤها من بعيد ، وشاهد حب على تاريخ لم يلوَّث بغدر ، أوخيانة .
الكرك ؛ كرك مشخص ، وعليا ، وإبراهيم الذي وفّى ، وضحّى ، ولم يسلّم الدخيل !
الكرك ليست حجارة أو تجارة ، وشوارع خالية ، أو مسؤول نسي واجبه هنا أو هناك .
الكرك ؛ حاضرة الجنوب ، وجوهرة المدن ، وعاصمة الممالك .
الكرك ؛ أم تحنو على أبنائها حتى لو عقّها بعضهم ، أو تنكّر لها ، أو غادرها ، تحتضنهم كلما عادوا ، تفتح ذراعيها ، تمنحهم من مذاقات الحياة أجملها وأطيبها ، الكرك عشق القلب ، ونشوة الروح .
سلام على الكرك ، وأهلها ، وسلام لقلعتها التي كلما تراءت للتاريخ قصصها ؛ سيتوقف عندها ؛ ليضرب (تعظيم سلام) !